<!--<!-- <!--

رمضان كريم، كما ازدانت الشوارع بالأنوار، وتلألأت البيوت بالفوانيس، افترش المتسولون الأرض حاجزين أماكنهم مبكراً، وقبل حلول شهر رمضان الكريم بأيام، وبدت شوارع القاهرة وكأن هناك غزواً من جيش المتسولون يحاصرونك أينما كنت أو ذهبت، فى الشارع، وسائل المواصلات، أمام محلات الطعام والتيك أواى ، فى السوبر ماركت، النوادى و«المولات» ودور السينما، فى كل مكان تجد من ينظر إليك، ويزيد من البحلقة فى المأكل الذى تحمله أو تأكله، وكأنه يقول فى قرارة نفسه «بالسم الهارى إذا لم تعطنى مما تأكل» ، فتسرع باعطائه خشية عينه النافذة .

ظاهرة التسول فى مصر ليست جديدة، وسوف تستمر وتزداد وتنتشر أكثر فأكثر ، وتتغير معها الأساليب والحيل المستخدمة لابتزاز مشاعر وعواطف ونقود المحسنين ، فناك أزمة اقتصادية تدفع بالآلاف يوميا للسقوط تحت خط الفقر ، فالبعض يعزى انتشار ظاهرة التسول إلى تلك الأزمة وزيادة معدلات الفقر، لكن المؤكد أن الظاهرة فى مصر تحولت منذ عشرات السنين إلى صناعة منظمة لها أباطرتها، وقوانينها، وطقوسها، وعالمها الخاص الذى يحكمها، وكأنها دولة داخل الدولة، حيث يبدو المتسولون فى شوارع القاهرة كأنهم جيش منظم يتحرك ضمن خطة منظمة ومرتبة ومعدة جيدا لابتزاز عواطف الناس وشغفهم ورغبتهم فى فعل الخير فى ظل تنامى حالة دينية ظاهرية سيطرت على المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة حيث انتشار النقاب حتى أصبحنا نرى الآن متسولات يتخفين بالنقاب يجبن شوارع القاهرة لابتزاز عواطف العائدين والعادات من دول الخليج تحديدا للتعاطف معهن .

بدأت ظاهرة التسول تأخذ أشكالا وأبعادا أخرى غير تلك التى اعتدنا عليها فى السنوات الأخيرة، فلم يعد المتسول يرتدى الرث من الملابس، ويبدو عليه الشحوب والضعف العام أو ذا عاهة مستديمة، أو امرأة تبكى زوجها المسجون وتريد جمع مبلغ لدفع الكفالة أو فتاة تحمل طفلا وقد غطت وجهه بأصباغ وتريد شراء دواء له ، أو لبن أطفال لاطعامه ، أو متسولاً أو يرتدى زى عمال النظافة، ويحمل فى يده مكنسة ويقف فى مكانه ساكناً بالساعات لا ينظف الطريق بقدر ما يتسول من السيارات المارة، فقد أصبح المتسول رجلاً أنيقاً يرتدى أفخم الثياب، أو سيدة ترتدى أحدث خطوط الموضة ، وكل منهما يدعى سرقة حقيبة يده، وبها النقود والموبايل ولا مانع من مفتاح العربة، يريد نقودا على سبيل السلف للعودة للمنزل ، يتعطاف معه ويعطيه مبلغاً عملا بمقولة «عزيز قوم ذل» .

أما الأخطر وبحق فهم متسولو الأماكن السياحية والأثرية الذين ينطقون كلمة عربى ، وأخرى انجليزية، وربما فرنسية، ويدعون مساعدة السائح مقابل بضعة دولارات بسيطة، ثم يختفون فى لحظات، وتكون النتيجة تشويه سمعة مصر فى الخارج وتأثر السياحة، بسبب تلك القلة التى استطاعت التسلل إلى الأماكن السياحية فى غفلة من رجال الشرطة.

المؤسف أن حملات الشرطة للقبض على هؤلاء المتسولين تنتهى بخروجهم بعد أيام قليلة، حيث يعودون الى نفس المكان لتحقيق عائد مادى أكبر ، مما حققه من ذى قبل ، فتدفعه للاستمرار فى تلك المهنة المربحة فى ظل غياب تشريع قوى لمعاقبة هؤلاء المتسولين ، الذين باتوا قوة كبيرة فى المجتمع وخطرا يهدد سلامته وكيانه .

الحقيقة أن تفشى ظاهرة التسول وعدم وجود قانون رادع ، دفع بعض الشباب إلى القيام بتشكيل مجموعة على الفيس بوك بعنوان «كرامتى» هدفها بث روح الكرامة لدى المتسولين عن طريق توعيتهم وتوفير فرص عمل لهم بدلا من التسول، الفكرة جيدة وقد تكون خطوة صغيرة فى طريق طويل وشاق لمواجهة ظاهرة تفشت بصورة كبيرة فى ظل أزمة اقتصادية، وزيادة معدل البطالة، واستسهال من المتسولين فى الحصول على المال دون بذل أدنى مجهود، خاصة وأن المتسولين ليسوا من الفقراء الحقيقيين الذين يتعففون عن التسول، بل مجموعة من الأشخاص اتخذوا من التسول مهنة يتكسبون منها بلا أدنى التزامات تجاه الحكومة .

الفكرة جيدة وهدفها نبيل ولكن هل تنجح حقا ، ويستطيع هؤلاء الشباب المتحمسون مواجهــــــة هذه الظاهــــرة ، التى تبدو فى حجمهــــــا وأبعادها أكبر من أحلامـهم وطموحاتهم بمراحل عديدة

 

المصدر: تهانى الصوابى - مجلة حواء
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 464 مشاهدة
نشرت فى 8 سبتمبر 2010 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,844,669

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز