يعد الفنان الفرنسي هنري ماتيس من أهم شخصيات الفن في القرن العشرين وكان المنافس الأكبر والوحيد لبيكاسو حتي أن الأخير عندما كان يصحب زوجته فرانسوا لزيارة ماتيس .. كان يطلب منها ارتداء الجيب الخضراء والبلوزة البنفسجي احتراما وتقديرا لابجدياته اللونية التي كانت تشتمل علي الأخضر اليانع والبنفسجي الحالم وكان يحب هذين اللونين مع مشتقات الأزرق الصريح والوردي الباسم والاصفر الرنان والرمادي الناعس.
وتمثل روائع ماتيس التصويرية نسقا فريدا فى استلهام روح الأرابيسك الإسلامى المتوج بسحر الشرق الفنان .. وفى أعماله فى فن الكولاج أو القص واللصق مساحة شديدة الخصوصية تضاف إلى عالمه الساحر .. وقد تحول إلى الكولاج بعد اجرائه عملية جراحية أقعدته عن الوقوف أمام حامل التصوير فكان يجلس على كرسى متحرك .. ويشكل لوحات من القص واللصق مع مساعديه كما يقوم بتدريب الأطفال على هذا الفن .
الروح الشرقية
ولد ماتيس بقرية جنوب فرنسا عام 1869 ودرس الحقوق ثم ابتدأ الرسم عام 1890 بأكاديمية جوليان .. وتنقل إلى العديد من المراسم الفنية بهدف صقل مواهبه وفى عام 1903 زار المعرض الإسلامى الذى أقيم بميونيخ فانبهر بالفن الإسلامى وانفتحت طاقاته الإبداعية عليه وأخذ يتنقل من ايقاع إلى ايقاع متجها بالفن الحديث اتجاها ثوريا بتلك الألوان التى تتحاور وتتناغم وتتنافس والاشكال المسطحة المباشرة والقيم الزخرفية مع التكوين الذى يمثل مجموعة من العلامات المتوافقة تربط التفاصيل بعضها ببعض فى وحدة وتآلف .
رحلة المغرب
وربما كانت رحلته إلى المغرب العربى عام 1906 ذات تأثير كبير على فنه الذى ابدعه بأجواء شرقية .. هناك كان يتأمل السجاجيد العربية بعين الباحث الفنان ويرى فى ثراء البسط والطنافس والاوانى النحاسية والخزفية وقطع الاثاث العربى متعة جديدة نقلها فى لوحاته ذات الألوان الجسورة .
ولقد وضع ماتيس جسرا فنيا بين الماضى والمستقبل فأوجد بذلك الصيغة الرئيسية للفن المعاصر .. معتمدا إلى أقصى حد على الخطوط اللينة «الارابيسك» وعلى ألوان الشمس التى استقاها من المغرب .
هو والقص واللصق
فى عام 1939 انفصل عن زوجته التى صورها فى أكثر من لوحة وبعد زواج دام 41 عاما .. وقد أجرى عام 1941 جراحة استئصال القولون بعد اصابته بورم وبعدها أصبح يتنقل على كرسى متحرك وكان يقوم على رعايته امرأة روسية كانت احدى موديلاته فى السابق .. وعن طريق مجموعة من المساعدين قدم ماتيس مجموعة اعماله فى الكولاج ومن أشهرها لوحات العارية الزرقاء .. وكان يتردد عليه مجموعة من الأطفال لتعليمهم تشكيل اللوحات بالقص واللصق وفى الدرس الأول يقدم الأطفال ثلاثة رسوم بالقلم الرصاص من الطبيعة الصامتة لزهور فى فازة وكان يتحدث إليهم ويشجعهم ويحثهم على التركيز .. فى الرسمة الأولى يعطيهم خمس دقائق لرسمها والثانية ثلاث دقائق أما الثالثة فيرسمون الزهور فى دقيقة واحدة . وبعد ذلك يبدأون فى قص الورق الملون وتشكيل الطبيعة الصامتة من الزهور بدون استخدام القلم ثم يبدأون فى وضع الورق الملون على سطح اللوحة أو الورقة البيضاء .. ويكون التكوين من وحى الرسوم الثلاثة التى رسموها من قبل ولكن مع ترشيحه لهم الرسم الأفضل لتنفيذه بالقص واللصق .. وبعد أن ينتهى الأطفال ينتظرون فترة حتى يجف القص الملون ويبدأ ماتيس فى مساعدتهم فى تعليق لوحاتهم على الحائط .. بمعنى تشجيعهم على الاهتمام بالفن بهذه الطريقة .. وهو يعطيهم ألواناً محددة لا تزيد على أربعة ألوان : أصفر وأزرق وأخضر وأحمر.. ونحن نتمنى من الآباء والأمهات تشجيع أبنائنا ومعاونتهم فى تشكيل اللوحات بالقص واللصق .. فياله من متعة .. متعة تؤكد معنى الفن الذى يجلب المسرة والسعادة ويريح الاعصاب.
مشروع روحى
فى عام 1951 انتهى ماتيس من مشروع استغرق منه اربع سنوات لعمل تصميم مدخل ونوافذ الزجاج والديكور فى كنيسة فونس .. وكان هذا المشروع نتاج صداقة قوية شديدة الانسانية بين ماتيس والاخت جاك مارى وكانت ممرضة وعملت موديلا له قبل أن تصبح راهبة وتقابلا مرة أخرى فى فونس وبدأ التعاون بينهما فى انجاز هذا المشروع الروحى .. وقد رويت مارى القصة كاملة فى كتابها الذى صدر عام 1992 بعنوان «هنرى ماتيس وكنيسة فونس» وكتاب آخر صدر عام 2003 بمثابة وثيقة بعنوان «موديل ماتيس» .
توفى الفنان الكبير بعد اصابته بأزمة قلبية عام 1954 عن عمر يناهز 84 عاما .
ساحة النقاش