«كلما احترت» في القضية المتجددة الأزلية : «تاكلوا إيه النهاردة ؟» فيمتنع كل أفراد الأسرة عن الاجابة، «زهقا، ومللا» من كل أنواع الخضراوات، والمأكولات، ربما لأنها أصبحت تتشابه في طعمها ، ومذاقها، وربما من ضعف الشهية، وربما استعجالا للهرولة للحاق بأشغالهم، أو بمواعيد تدريباتهم الرياضية .. وربما .. وربما .

عموما، وبدون البحث أكثر من ذلك عن الأسباب، والامتناعات، من جهتهم، فانه ومن جهتى أنا أهرع إلى الحل السعيد، وأطبخ لهم «الحلة المحترمة من الملوخية الخضراء» ، وسواء كانت الملوخية الخضراء مطبوخة على شوربة الأرانب، أو شوربة الفراخ، أو حتى مكعبات المرقة الجاهزة لأي نوع أو نكهة، حتى النباتية منها، فإن «طبق الملوخية الخضراء» ، كفيل بتجميع كل أفراد الأسرة على وجبة أسرية، لطيفة، تسعد الكبار فيهم، والصغار وبالتالى، فإنها تسعدنى، لأننى نجحت مرة أخرى، فى جذبهم إلى «وجبة أسرية لذيذة» ، وقد صدق فعلا من قال عنها أنها «خضار الملوك» ولذلك أطلق عليها اسم «ملوكية» نسبة إلى أنها أكلة «الملوك».

خضار الملوك

من الثابت تاريخيا، ووثائقيا أن «الملوخية» قد عرفت فى مصر - أم الدنيا - من قديم الزمان، كما وجدت، وشوهدت فى نقوش معابد الفراعنة، مما يدل، ويثبت أن المصريين القدماء قد عرفوها، وكانوا يطلقون عليها اسم «مينوه» ، وذلك باللغة الهيروغليفية.

وتأكيدا لهذا الكلام، دون الباحث اليابانى «جون جى تاكانو Junji Takano» فى كتاب أصدره مؤخرا - وهو بالمناسبة أستاذ ومتخصص كبير فى التغذية والصحة - حكايته التى يشهد بها ، فيقول إن جذور الملوخية ترجع إلى المصريين .. وان معرفتها قد بدأت منذ 6000 سنة (ستة آلاف سنة) قبل الميلاد.

ويحكى لنا المؤلف اليابانى انه قد حدث - منذ ستة آلاف سنة قبل الميلاد - أن مرض أحد الملوك، وامتنع عن الطعام، فقاموا وقدموا له نوعا من «الشوربة» ، فاعجبه طعمها .. وبعد أن واظب على تناولها «ساخنة» ولعدة أيام متتالية، حدث أنه شفى تماما مما كان به من أمراض ، وطبعا ، تعلق بها الملك، وشغف بتناولها .

ويتعاقب مسلسل اعجاب الملوك «بالشوربة العجيبة» .. إذ يضيف لنا مؤلف الكتاب اليابانى المتخصص، فيقول فى كتابه، أن «الملكة كليوباترا» التى سحرت الدنيا بجمالها، قد استمتعت هى الأخرى، بشوربة «الملوخية» ، مما جعلهم، ومنذ ذلك الزمان القديم يطلقون عليها قديما، «خضار الملوك» .

الملوكية = الملوخية

ويمتد التاريخ «بخضار الملوك» حتى يصل بنا إلى الحقبة التاريخية التى تسجل فترة حكم «الحاكم بأمر الله»، فتسجل لنا كتب التاريخ أن «الحاكم بأمر الله» قد قدموا له «خضار الملوك»، فاعجب جدا بالصنف المقدم له فى الطبق، حتى أنه قرر أن يستأثر بهذا الصنف اللذيذ لنفسه، وطبعا من بعده أفراد الحاشية، فقام باصدار أمر واجب النفاذ وذلك بتجريم تناولها على طبقات الشعب - طبعا الفقيرة فى نظره .

وهنا، وبكل ذكاء، وخفة دم شعبنا الحكيم، قام الناس باطلاق اسم «الملوكية» على هذا الطبق من الخضار، نسبة إلى أنه طعام «الملوك» .

ومع مرور الزمن، تم استبدال حرف «الكاف» فحرف إلى أن أصبح حرف «الخاء»، فأصبح على لسان عامة الناس «ملوخية» بدلا من «ملوكية».

دراسات قديمة وحديثة

وترصد لنا كتب التاريخ والتراث، أن «ابن سينا» ، وكذلك «ابن البيطار» قد كتبا عن الملوخية، وعزا إليها، كل منهما، خواص مغذية، وواقية للأغشية، وذلك بفضل ما فى أوراقها من نسبة عالية من فيتامين «أ» .

أما عن الدراسات الحديثة، فلقد اثبتت بالأبحاث وبالتجربة أن الملوخية :

تقى الشخص من الإصابة بمرض البلاجرا، وذلك نظرا لما تحتويه من حمض «النيكوتنيك» (وحمض النيكوتنيك هو أحد فصائل فيتامين ب. B» المركب.

لها دور مهم فى الوقاية من الأمراض كعموم، كما تحفظ لقرنية العين بريقها وتألقها، كما أنها تزيد الشهية إلى الطعام، وكذلك، فإنها تخفف من التوتر العصبى .. ويرجع ذلك، لغـنى الملوخية بفيتامين «أ».

فضلا عن كل ذلك، فهى تقى المسالك البولية من الالتهابات، ومن تكوَّن الحصوات، كما أنها تقى من صعوبة طرد الفضلات من الأمعاء، وذلك بسبب انها تحتوى على الألياف السيليولوزية .

واملاح معدنية

ومن المعروف أيضا، أن الملوخية تحتوى على نسبة عالية من الأحماض الأمينية، التى تصل إلى حوالى 30% .. كما تحتوى على نسبة 15% من المواد الدهنية، وكذلك على 2% من المواد السكرية .. ذلك إلى جانب بعض المواد الغروية، والنشوية، والراتيجية، والأملاح المعدنية، من الحديد، والفوسفور، والماغنيسيوم، والبوتاسيوم، والصوديوم، والكلور، والكبريت.

وفى بحث أعده استاذ مصرى للعقاقير والنباتات الطبية بكلية الصيدلة، جامعة الإسكندرية، فى أواخر القرن الماضى (العشرين) أوضح أن الملوخية تحتوى على مادة كربوهيدراتية معقدة بنسبة 30% .. وهذه المادة لها تأثير معالج لقرحة المعدة، والأثنى عشر .. كما أنها تعالج التهابات القولون .. ولكن بشرط عدم إضافة مواد حارة إليها .. مثل الفلفل، والثوم، بكميات كبيرة أثناء الطهى .. إذ يكفى أقل القليل منها .

ويؤكد البحث أن الملوخية تساعد بالألياف الموجودة بها، فى علاج حالات صعوبة طرد الفضلات من الأمعاء، فضلا عن تسهيلها لعملية الهضم . كما أنها تحتوى على نسبة مرتفعة من فيتامين «أ» ، «ب» ، «ج» .

اليابانيون والملوخية

نعود للباحث اليابانى «جون جى تاكانو» ، فنجده يسجل فى كتابه أنه يتناول الملوخية يوميا، منذ عام 1964، وذلك خلال اسفاره إلى ماليزيا، والفلبين، وفيتنام، كما يضيف أن بلاده اليابان قد عرفت الملوخية، منذ عام 1980م. بل وانتشرت بعدها فى كل أنحاء بلاد اليابان، وتعلق بها الناس لدرجة أنهم يزرعونها فى أى مساحة خضراء تصلح للزراعة فى بيوتهم .

أما المتاجر، فانها تبيع الملوخية الطازجة، وكذلك الجافة، وفى نفس شكل أكياس الشاى، وذلك بعد أن اكتشف اليابانيون فوائدها فى زيادة الجهاز المناعى، وفى مقاومة أمراض السرطان، والشيخوخة المبكرة، وضغط الدم، والسكر، والبدانة، وخفض الكوليسترول، وصعوبة الطرد .

ويدهشنا الباحث برصده واقع أنه فى المزارع الموجودة حول مكان إقامته، يوجد معمرون، امتدت أعمارهم إلى أكثر من مائة عام، بسبب تناولهم الملوخية التى يزرعونها..

وهكذا ، أعتقد أن «طبق الملوخية» الذى هو «أكلة الملوك» قد ازدادت مغرياته لكى نقبل عليه فى كل بيوتنا .

 

 

المصدر: ليلي امين - مجلة حواء

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,697,519

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز