احتفالات عيدالميلاد المجيد

مع أوراق للبطل صلاح الدين

كتبت:ليلي أمين

استاذنا الكبير جداً مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين المصريين -جميعاً- أثلج صدري، وصدر كل المسيحيين الشرقيين، وكذلك صدر المسلمين العقلاء الافاضل، بعاموده الذي كتبه في جريدة الاهرام، بتاريخ 26 ديسمبر 2010، وفي الصفحة العاشرة، تحت عنوان «عيدميلاد مجيد» وحقيقة كانت تهنئة حارة، وصادرة من ادراك واع، وعقل مدقق ومستنير، وقلب محب كبير يعكس حبه الصادق لله عز وجل، الذي يتجلي في انعكاسه بحب البشر، والسلام، والحق... الحق بالكلمة وبالقلم.ll

ولم يفت المحبون لسلام بلادنا، أن قرءوا المقال الذى تم نشره الى جوار هذا العمود، بقلم قداسة البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية.

بعنوان «الايمان العملى»، وتكلم فيه عن الايمان العملى الذى تظهر علاماته العملية، وبسلوكياتها.

وكان من ضمن ماكتبه: «المؤمن مهما بدت كل الابواب مغلقة، يرى باب الله مفتوحاً»....

ومن أحلى ما كتب الاستاذ الكبير مكرم محمد أحمد فى عاموده:

«عيد ميلاد مجيد» لكل مسيحيى الشرق الأوسط الذين يشكلون جزءا من ثقافة وتاريخ عالمنا العربى، ساهموا فى تطوير لغاته، وآدابه، ،ثقافته، وصحافته، وخرجت من تحت ايديهم قواميس اللغة والفكرى وابتدعوا الوانا عديدة من صحف السياسة والثقافة والعلم اسهمت فى تطوير الانسان العربى.. وكانوا دائماً جزءا من حركة التاريخ والتقدم.

وقفوا مع الوحدة الوطنية، وتحمسوا للفكر القومى.. وكانوا ضمن الصف الأول فى الحرب على الاستعمار والاحتلال.. لكنهم يعيشون الآن: مخاوف ردة ارهابية ترتدى ملابس اصولية تحاول أن تفسد مناخ التعايش والتسامح الذى ميز الثقافة العربية على امتداد عقود طويلة تدفعهم الى الرحيل بعيداً عن جذورهم الاصلية..»

مستندات التاريخ

l وبسرعة، جرت يداى تسبقانى لأقلب فى اوراق التاريخ الموثق والموثوق به، اذ يدفع بالمستندات الواقعية والعملية، والتى جاءت على ايدى مؤرخين موثوق بهم، يعتد بكلامهم وكتاباتهم، لانهم ينتمون إلى اطراف مختلفة، ومتبانية، يل ومتضادة فيمكن لكل باحث أن يكشف الصدق من الادعاء، فلم أجد أحلى ولا أجمل مما تم تأريخه عن المسيحيين الشرقيين ابان فترة حكم البطل صلاح الدين الايوبى، وتأثيره سواء فى مدينة القدس، أو فى بلاد الشرق كلها.

واذا كنا نتحدث بالضرورة عن حرب الصليبيين، فيسجل الدياكون الدكتور ميخائيل مكسى اسكندر، الذى يتميز بالامانة العلمية، وبالاستعانة بأوثق المصادر، واعلمها فيقول فى كتابه بعنوان «القدس وبيت لحم»، بمراجعة وتقديم نيافة «الابنا غريغريوس» اسقف عام الدراسات العليا والثقافة القبطية والبحث العلمى:

«أما الغرض الدينى الذى ادعوا انهم جاءوا من أجله الصليبيون» فيكشفه المؤرخون الأوربيون أنفسهم، فيذكر الكاتب بورتشارد أن الدين لم يكن الدافع الاساسى للحروب الصليبية، وذلك على رأيه بحياة اللهو التى عاشها الافرنج بين الاماكن المقدسة فقد انغمسوا فى الملذات مع الاوروبيات اللائى احضروهن معهم من اوروبا كما جاءت فى حملاتهم جماعات من المغامرين واللصوص وقطاع الطرق، والخارجين عن القانون مدفوعين بعوامل شتى للسيطرة والنهب فالحماس الدينى للحركة الصليبية لم يكن حقيقياً متأصلاً فيهم بعكس العرب الذين كان اخلاصهم وحماسهم للدفاع عن ديارهم المقدسة أقوى وأوفر، ويساعد عليه قيام الأزهر في مصر بدور رئيسى فى تنبيه الاذهان الى الخطر الجاثم على أرض فلسطين. كما تنبهت الكنيسة الارثوذكسية الشرقية الى هذا الخطر أيضاً، ونبهت عليه بكل صدق وحماس.. فوقف المسيحيون الشرقيون مع اخوانهم العرب، للدفاع عن مقدساتهم وعقيدتهم. حيث كانت أهم غايات الصليبيين أن تصير الارض المقدسة بقعة لاتينية كاثوليكية، وإن يلاشوا الارثوذكسية منها، مستميلين جميع السكان لسلطة بابا روما.. وقد استخدموا فى ذلك جميع انواع الخداع والحيل والاضطهادات، والتى ولم تجر من البرابرة على حد تعبير «رانسيمان».

وإن ما قاساه المسيحيون الشرقيون على ايدى الصليبيين قد فاق مالا قوه على ايدى التركمان (الذين كانوا حديثى العهد بالاسلام، ولم يكونوا قد تفهموا تعاليمه بعد)

منعوا حج الاقباط

lولم يختلف أى واحد من مؤرخى الفرنجة أو المسلمين على الاعمال الوحشية التى ارتكبها حاملو رايات الصليب، والتى تناقض تماماً تعاليم السيد يسوع المسيح، رغم انهم جاءوا -حسب قولهم- لنصرته فقد طردوا الكهنة الشرقيين، فلجأ السريان منهم الى مصر، واغتصبوا مقدساتهم، كما منعوا أقباط مصر من الحج للقدس بدعوى انهم ملاحدة. وينقل الكاتب «رينو Rienodau » عن أحد مؤرخى الاقباط المعاصرين للصليبيين قوله: «أن حزننا لم يكن أقل من حزن المسلمين»..

وتساءل بقوله: بأى حق يمنع الصليبيون نصارى الأقباط عن الحج ؟..

ويضيف بقوله «أن الصليبيين يكرهوننا -أى الأقباط - كما لو كنا قد ضللنا عن الايمان القويم» ويؤكد المؤرخ القبطى أبو المكارم سعد الله بن جرجس (1208م) نفس هذا الكلام.. ويضيف بأن حرمان الاقباط من زيارة القدس ظل حتى فتحها صلاح الدين الايوبى، فسمح لهم بالزيارة، والحج.

بسالة الحامية المصرية

l ونتتبع الاحداث بسرعة - بحسب المؤرخين- فنجد أن الصليبيين قد بلغوا اسوار القدس فى 7يونيو سنة 1099و وحاصروها نحو ستة اسابيع، وكان يحكمها من قبل مصر الأمير فخر الدولة الفاطمى. وقد قاسى الغزاة كثيراً بسبب نقص ذخيرتهم وقلة المياه، وحرارة الجو المرتفعة، فضلا عما لا قوه من بسالة الحامية المصرية، فى دفع اللاتين عن الأرض الطاهرة.

ومن كتابات المؤرخين الصليبيين انفسهم، نجد أن رجال الدين الصليبيين (وهم الغربيين) قد اغتصبوا عدة كنائس ارثوذكسية عربية ويونانية فى القدس وخارجها. كما استولوا على عدة أديرةوأوقاف وبيوت للمسيحيين الارثوذكس، فاضطروا - أى المسيحيين الشرقيين الى ترك المدينة المقدسة وتفرقوا فى بقية مدن فلسطين وشرق الاردن وحتى بطاركتهم -أى الارثوذكس- فقد اقاموا احيانا فى بيت لحم أو القسطنطينية أو شرق الاردن، أو فى مصر محتمين بالخلفاء المسلمين، الذين كانوا يحبونهم لانهم زملاء لهم فى الكفاح ضد العدو الاجنبى المشترك.

يا صلاح الدين

l وبعد مرور 88عاماً على دخولهم المدينة المقدسة، هزم صلاح الدين الايوبى الصليبيين فى معركة حطين وبعدها فتحت المدينة المقدسة أبوابها للقائد العربى فى 2أكتوبر سنة 1187، وتم الاتفاق النهائى المسمى «صلح الرملة» على اساس ترك القدس تحت حكم المسلمين بشرط أن يسمح للمسلمين بالحج إليها، وإن يدفع المنسحبون فدية محددة تدفع خلال 40 يوماً. ومقدارها عشرة دنانير على الرجل، وخمسة على المرأة، وديناران عن كل طفل.

واثناء مغادرة الصليبيين المدينة المقدسة، أوقف صلاح الدين حراسة فى كل شوارعها ليمنع وقوع أى عدوان على المال أو النفس. ولحفظ الهدوء ولاستلام الفدية المطلوبة منهم عند خروجهم من الابواب.

ولما رأى أن عدداً كبيراً من الصليبيين يحمل على ظهره أحد والديه الضعيفين، أو قريباً مريضاً، رق لحالهم، وأمر باعطائهم الدواب مجاناً لتساعدهم على السفر، وأصر على عدم تحصيل ايه فدية منهم بل وأمدهم بالمال أيضاً.

ويقول ابن العماد -كاتب صلاح الدين- أنه عند خروج الصليبيين نهبوا كنائس القدس، وامعنوا فى تخريب تلك الكنائس وقد أظهر صلاح الدين عطفاً وكرم اخلاق نحو المغلوبين، حتى أن آلاف الفقراء الأوروبيين قد فضلوا البقاء فى القدس الصليبيين فى معركة حطين، تحت لواء الحكم الاسلامى، نتيجة المعاملة الطيبة التى لاقوها منهم بعد ما دخلوها.

ومن سماحة صلاح الدين أن عين ابن مماتى القبطى كاتباً لجيشه، ثم أضاف اليه رئاسة بيت المال أيضاً كما سمح بدخول اليهود القدس وساعد بنفسه فى تشييد مجمع يهودى، وكان الصليبيون قد حرموهم من دخولها.

وعندما توسط امبراطور القسطنطينية لدى صلاح الدين للمحافظة على سلامة الاماكن المقدسة، اجابه الى طلبه، وارجع للروم الارثوذكس جميع الاماكن المقدسة التى اغتصبها الصليبيون منهم، وتم اقامة ذوستيوس الاول بطريركا، ومنح الاقباط نصيباً فى كنيسة القيامة. وقد ذكر البعض أنه هو الذى منحهم «دير السلطان» هدية تعبيراً عن امتنانه لوقوفهم معه. كما ابدى عطفه أيضاً على السريان والموازنة لانهم من مواطنيه العرب.

وجدد صلاح الدين سور القدس، عندما هدد الملك ريتشارد قلب الأسد بحصارها سنة 1191 وغرر سكانها بعدد من القبائل العربية مثل بنى حارث، وبنى مر، وبنى سعد، وبنى زيد، بعد أن انخفض عدد سكانها الى النصف بعد خروج الفرنجة منها.

أوراق جديدة للتاريخ

وكلما قلبنا فى التاريخ، لا نجد قولاً ابلغ مما كتبه استاذنا مكرم محمد أحمد، فى عاموده بالاهرام 26 ديسمبر 2010، «عيد ميلاد مجيد لكل مسيحيى الشرق الأوسط، الذين يشكلون جزءا من ثقافة وتاريخ عالمنا العربى.. ساهموا فيه .. وكانوا دائماَ جزءا من حركة التاريخ والتقدم، وقفوا مع الوحدة الوطنية، وتحمسوا للفكر القومى، وكانوا ضمن الصف الأول فى الحرب على الاستعمار والاحتلال.. ولكن يعيشون الآن مخاوف ردة ارهابية ترتدى ملابس اصولية.. لكن عيد ميلاد مجيد»  

المصدر: مجلة حواء - ليلي أمين

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,782,740

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز