فى معرض الفنان فريد فاضــــــل

روح القاهرة التاريخية وثورة 25 يناير

 

كتب :صلاح بيصار

الفنان د. فريد فاضل جراح العيون تنساب حياته فى ثلاثة اتجاهات بين الطب والموسيقى والفن التشكيلى.. وقد تحولت عينه الواعية المثقفة إلى مرآة تعكس صور الحياة اليومية من واقع البشر والطبيعة مع انفعاله بما يدور حوله من أحداث.. وتحولها إلى عالم تشكيلى ينتمى للواقعية التعبيرية والتى يضفى عليها أحاسيسه ومشاعره. وهو يحرص دائما على إقامة معرض سنوى يضم أحدث أعماله.. وفى كل مرة نجده مصحوبا بفلسفة عميقة تؤكد على معنى الفن.

وقد جاء معرضه بقاعة بيكاسو.. والذى ضم أحدث أعماله وحمل عنوان: «هنا القاهرة» فى 50 لوحة تنوعت فى مساحاتها.. تستلهم روح القاهرة من الحاضر إلى التاريخ وتسترسل اللوحات فى وصف هذه العاصمة الخلابة التى تجمع فى شوارعها وحواريها حكايات لا نهاية لها ألهمت المبدعين عبر الصور ليصيغوا شخصيتها فى منظومة بديعة لم تنقطع حتى ثورة ميدان التحرير.. وهنا امتدت أعماله بين لوحات من ثورة مصر وبين صور الحياة التى تعيشها مدينة الألف مئذنة: الناس وحركة الحياة اليومية والأماكن التى تمثل مساحات من نور الخيال وسحر الأجيال.

وهو يضئ على عالمه ومعنى الإبداع فى لوحاته. يقول: «هنا القاهرة» هكذا كانت تأتى الكلمات عبر المذياع ونحن صغار.. يعقبها لحن دقات ساعة الجامعة ثم موجز الأنباء وبعض الأغانى الوطنية.. كانت مصر تشحذ كل طاقاتها لكى تعبر الهزيمة فى نهاية الستينيات من القرن الماضى.. بينما تتأرجح الروح المعنوية بين الإحباط والعزيمة على مواصلة المشوار وتحقيق النصر واسترداد الأرض والكرامة حتى تحقق كل هذا فى أكتوبر 1973.. وفى قلب القاهرة وبعد مرور أكثر من أربعين عاما تتجه الأنظار نحو ميدان التحرير نحو ثورة مصر التى أصبحت تمثل واحدة من أعظم الثورات فى العالم.

كيف يمكن أن نصف القاهرة هذه المدينة الساحرة؟

يضيف فاضل: إنها المدينة التى عشت بها حياتى كلها.. أعيد اكتشافها خلال لوحات كانت نواتها عبر رحلات داخلية إلى أحيائها العتيقة.. غصت فى جوامع السلطان حسن وعمرو بن العاص ومدرسة الصالح نجم الدين أيوب وبيت السحيمى وجامع ابن طولون وسجلت جماليات خصوصية المكان بلمسة هادئة تخطها أقلام ملونة تبعثرت بجانبى بينما أحاول انتقاء إحداها للمسة أخيرة أتنفس بعدها الصعداء.

ولوحاته فى المعرض تتناول أربع زوايا أولها القاهرة زمان بحواريها وجوامعها وكنائسها القديمة ومظاهر الحياة فى القرن التاسع عشر.. وثانيها القاهرة مدينة العبادة والابتهال وتعانق الأديان والحب والسلام وثالثها القاهرة التى لا نراها دائما بوضوح على الرغم من وجودها الدائم على مرمى البصر وذلك فى مجموعة لوحات تبرز جماليات الحياة اليومية من منظور تعبيرى.. وأخيرا قاهرة ثورة شباب التحرير الذى يشكل الآن مصر المستقبل ويرسم خطوطها الجديدة بشجاعة الفرسان والإصرار والتحدى من أجل حياة أفضل لكل الأجيال.

ومن لوحات الثورة لوحة فريد فاضل «مصر الأم» وهى تراقب القوات المسلحة التى تحمى الثورة الوليدة وتعد من أجمل لوحاته فهى لوحة رمزية صور فيها مصر بفتاة حسناء محفوفة بالعلم تحتضن الجندى المصرى والذى يداعب طفلا صغيرا إيماءة إلى الجيل الطالع جيل المستقبل والذى يبدو مطمئنا وهى لوحة مسكونة بالتفاؤل والاشراق.. جسدت الحلم الذى أصبح حقيقة.

ولوحة أخرى لشاب من شباب التحرير يلوح مبتهجا بعلم مصر الذى يتوحد أعلاه مع الأحمر النارى للرداء تشاركه ثلاث حمامات بيضاء وكأن هديلها ينساب «سلمية.. سلمية» وقد عالج الخلفية بالأزرق السماوى المشوب بالأبيض.

هذا بالاضافة إلى صورة من الحياة الشعبية مثل بائع الخبز واللوف بالسيدة زينب ولوحة «حلبة حصى» «وأبو ضحكة جنان» بالاضافة إلى لوحة بانورامية متسعة المساحة لمدينة القاهرة تعلوها قلعة صلاح الدين وترفرف فى سمائها دنيا من الحمام احتفالا بنسمات الحرية وهى لوحة تجمع بين الواقع والرمز وبين النور والبهاء وكثافة الظلال.

ويحكى ذكريات الابداع بقوله: لا أنسى رحلة الصعود لأعلى قمة مئذنة خاير بك.. واسترجع زيارتى إلى السيدة زينب وقلعة الكبش.. وأتأمل زوار جامع الأزهر العريق بينما يستغرق الطلبة المغتربون فى دراسة الشريعة والفقه وحفظ القرآن.. أكاد أشتم رائحة المكان فى وكالة الغورى وضاربى الدفوف وهم يلتفون حول راقص التنورة.. واسترق السمع ليمامة تبتهل بينما يوقد طفل شمعة بكنيسة الست بربارة بمصر القديمة.. كل هذه الصور والذكريات مع بائعى طيور الزينة بجوار مسجد السيدة عائشة وكانت نهاية رحلتى مع الفلوكة من المعادى وحتى المعصرة وأنا أتتبع قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب خلف أهرامات الجيزة.

تحية إلى الفنان فريد فاضل وإلى عالمه الذى يطرب ويشجى ويغنى لمصر الحاضر والتاريخ والثورة والأمل. 

الثورة.. وأطفال مصر

عندما قامت ثورة 25 يناير.. والتى تمثل حدثا غير مسبوق.. فى الثورات رأينا الشباب مع كل أجيال مصر فى ميدان التحرير.. رأينا النساء الحوامل.. والأطفال الصغار والشيوخ وحتى الأطفال الرضع على أكتاف الأمهات.. وما أجمل تلك الصور للأطفال يحملون الأعلام ويرتدون الشارات ويرددون الهتافات.. والأجمل أيضاً ما قام به الأطفال من رسم خواطرهم ومشاعرهم حول الثورة.. وامتدت رسومهم إلى الثورات العربية.. والفنان الصغير حسن الحمامصى «7سنوات» ومنذ أندلاع الثورة بدأت خطوطه تنساب فى رسوم عديدة.. عبرت عن احساسه بالثورة.. وأصبح العلم المصرى أحد مفرداته الأثيرة والقريبة من وجدانه وفى ذلك تأكيد لصور الانتماء التى عاشها هو وغيره من الأطفال.. ولعل مدارسنا تساهم فى تأكيد ذلك من خلال دروس وحصص التربية الفنية.. تحية إلى حسن الفنان الصغير وكل أطفال مصر.. جيل الثورة الطالع.

 

 

 

 

المصدر: مجلة حواء- صلاح بيصار

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,746,861

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز