فى حكومات تتجمل:
الخط الساخن.. بـــــــــــــــــــارد جداً!
كتبت :نجلاء ابوزيد
على الرغم من كثرة الأرقام الساخنة لتلقى شكاوى انقطاع المياه والكهرباء وحماية المستهلك والأسعار والتعليم وغيرها من الأمور، إلا أن المعاناة اليومية للمواطن المصرى أكثر سخونة، ولم تنهها المقولة المأثورة التى يرددها القائم بالرد «فى خدمة حضرتك يا فندم».
وأمام هذه المفارقة بين خطوط ساخنة لا تقدم شيئاً، ومشكلات متلهبة تحول حياة الملايين لجحيم، كان هذا التحقيق للاستماع لتجارب الناس مع الخطوط الساخنة التى تستخدمها الحكومات المتتالية لتجميل وجهها ليس إلا
البداية مع السيدة نبيلة حسن - ربة بيت - حيث قالت: جربت الخط الساخن فى انقطاع المياه أكثر من مرة، وللأسف ما هو إلا وسيلة للتسكين والتكرار لحرق الدم، فأنا أعانى مشكلة حقيقية والقائم بالرد يحاول تهدئتى وإخبارى أن المشكلة ستصل للمسئول، وسيتم التعامل مع الموقف فى أقل وقت ونظل طوال اليوم نتصل ونسمع نفس العبارات ولا تأتى المياه.
ويتفق معها صبحى عبدالعزيز - موظف - مؤكداً أن الإنسان لا يتعلم «ببلاش» فقبل بداية العام الدراسى حدثت مشكلة بينى وبين مدرسة ابنى وأردت استرجاع المصروفات وسمعت أن هناك خطاً ساخناً لوزارة التربية والتعليم، وحاولت الاستفسار من خلاله عن حقوقي، وظللت أتصل لأربعة أيام متتالية ولا حياة لمن تنادى واضطررت فى النهاية للرضوخ للخصم الذى قامت به المدرسة عندما لم أجد من يقف إلى جوارى فى الإدارة التعليمية التى أخبرتنى أن أعود للوزارة، والوزارة خطها الساخن جرس فقط.
وللسيدة مروى حسين - كيميائية - تجربة مختلفة فعندما اشترت «ديب فريزر» وكانت به مشكلة خلال فترة الـ14 يوم التى حددها جهاز حماية المستهلك لاستبدال أى جهاز به عيب تصنيع بآخر جديد فوراً - اتصلت بالجهاز لسؤاله عما تفعله، أخبرها القائم بالرد أن عليها أن تحمل «الديب فريزر» للمحل، وإذا رفض إرجاعه هنا يمكننا إرسال شكوى لاتخاذ اللازم، وعندما اتصلت بالمحل أخبرها المسئول أنه لن يرجعه وعليها الاتصال بالشركة المنتجة للصيانة، وإذا كان عيب صناعة يكون هناك كلام آخر، وما بين حماية المستهلك والمحل ضاعت أيام فى محاولتها لإقناعهم أن عملية نقله لتحديد إذا كان عيب صناعة أم لا ليست سهلة ومضت الـ14 يوماً وجاءت الصيانة وتم إصلاح العيب، لكن لم ينفذ القانون.
عاوز أنبوبة
وتحدث محمد أشرف - موظف : لايوجد أنبوبة بالبيت منذ ما يقرب من أسبوعين، وسمعت أن هناك خطاً ساخناً للشكاوى واتصلت فردت علي فتاة طيبة وأخذت الشكوى وأخبرتها عن المستودع الذى يبيع الأنابيب فى السوق السوداء، فطلبت بياناتى كاملة وبصراحة خفت وطلبت منها حل المشكلة دون أن يعرف أحد عنوانى لأنهم بلطجية فطمأنتنى، لكن لم يحدث أى تغيير، وداومت الاتصال فرد آخر وآخر وكلهم يطمئنوننى أن المشكلة وصلت الوزارة وعلى مكتب الوزير، وهذا لم يغير وضعى فى أن بيتى بلا أنبوبة، فبماذا استفدت من الخط الساخن غير حرق الدم.
كله تمام يا أفندم
كانت هذه بعض تجارب المواطنين مع الخطوط الساخنة التى لم تحل لهم مشكلاتهم، ولكى نكون منصفين قررنا التحدث مع القائمين بالرد على المواطنين من خلال هذه الردود، وكانت البداية مع الخط الساخن لشكاوى الأسعار، والذى فوجئت أنه لا يختص بالأسعار فقط، لكنه خط ساخن لتقديم خدمات الحكومة المصرية، فيما يخص شكاوى وزارة الداخلية وما يخص الأسعار والخدمات المتعلقة بوزارة التضامن وما يخص وزارة القوى العاملة وما يخص العلاج على نفقة الدولة، وطبعاً طلبت رقم شكاوى الأسعار، لترد على فتاة مهذبة جداً أخبرتنى أنها تسجل الشكوى الخاصة بالسلع التموينية والمخابز والأنابيب والمعاشات، ويتم نقلها للوزارة، ويتم حل المشكلة فوراً وإبلاغ المواطن وهو فى بيته. وعندما أخبرتها أن الكثيرين اتصلوا لكن لم تحل مشكلة الأنابيب أخبرتنى أنها ما هى إلا وسيط ينقل صوت الناس، وأن أى مشكلة تصلها تحل.. إذن ما تفسير التقاتل أمام مستودعات الأنابيب والمخابز طالما بالساخن «كله محلول»!!
مجرد وسطاء
الأستاذ «مالك» من القائمين بالرد على الخط الساخن لحماية المستهلك ، أكد لنا أن دوره يقتصر على تلقى الشكوى تليفونياً وإرشاد الشاكى إلى الطريقة الصحيحة للتعامل مع مشكلته ، من خلال إرسالها مع الفاتورة والضمان فى حالة الأجهزة عبر الفاكس، ليتولى قسم التحقيقات التعامل مع المشكلة.
وأضاف أن قسم التحقيقات يحل المشكلة خلال أيام حسب حجمها والمستندات التى يقدمها المواطن، لكن للأسف أرقام قسم التحقيقات دائماً مشغولة مما يضايق المواطنين.
المسئول عن الرد على خط وزارة التعليم له رأى آخر، حيث يؤكد أن كثرة الاتصالات هى ما تجعل الخط يعطى جرساً ولا مجيب، وأحياناً تشابه الرقم مع خدمة الغاز، لكن بالنسبة لهم فهم مستعدون للتعامل مع أى شكوى أو استفسار وعندما سألته لماذا يشكو المواطنون من عدم الاهتمام بشكواهم أخبرنى أن الناس اعتادت على الأسلوب التقليدى لتقديم الشكاوى بالوزارة حيث يحصلون على رقم للشكوى لكن عندما يبلغون مشكلتهم عبر الهاتف لا ينتظرون لأخذ رقم، ودائماً لا تعجبهم ردودنا، لأننا نخبرهم أننا سنعرض المشكلة على الوزير وعليهم المتابعة لمعرفة الرد. الناس تعتقد خطأ أننا سنحل مشاكلهم، لكننا مجرد وسيط والمسئول هو الذى يحل، وهذا ما أكده أيضاً القائم بالرد على انقطاع المياه، واشتكى من الانفعال الزائد للمواطنين، وكأن القائم بالرد هو المسئول عن إصلاح العطل.
ثقافة الأزمات
وإذا كان العاملون بالخط الساخن ماهم إلا وسطاء فماذا أضاف هذا الخط فعلياً لنا وما قيمته؟ هل هو وجاهة أم ماذا؟ للتعرف على الإجابة سألنا د.على ليلة أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس يرى أن النظام السابق خلق على مدى 30 عاماً ثقافة اجتماعية هى ثقافة الأزمات، وذلك لإلهائنا عن متابعة الفساد والقضايا المهمة التى تعانى منها الدولة، وهذه الثقافة خلقت سلوكيات سيئة عند البعض، وهى البلطجة على السلع المختلفة لمنعها عن المواطنين وخلق معاناة شعبية لاختفاء الأنابيب أو الخبز أو السكر وغيرها، وأتوقع أن تختفى هذه الثقافة فى المستقبل لانحسار نسب الفساد، ولأن الحكومات المتتالية لم تكن تهتم بوضع حلول جذرية ، بل كانت حريصة على تجميل شكلها فى الإعلام، لذا قامت بعمل الخطوط الساخنة فى حين أن كل مسئول إذا أراد أن يحل المشكلة، يمكنه وضع ضوابط ملزمة تغنى عن خط للشكاوى لا يلتفت إليه، والمواطن البسيط أدرك بوعيه عدم فاعلية هذه الخطوط، لذا لا يهتم بالاعتماد عليها. فالمشاكل يجب أن تحل لا أن نخلق آلية لتسكين المواطن دون حل مشاكله. وتنظيم طرق أداء الخدمات المختلفة سيقضى على هذه الخطوط ، ويوفر ما يتم إهداره عليها من أموال المواطنين لمجرد الوجاهة.
الهروب من المشكلات
د. سيد صبحى أستاذ الصحة النفسية والعلاج النفسى تحدث عن الأثر السلبى للخط الساخن على نفسية المواطن مؤكداً أنه حيلة من الحيل التى تتسم بالرفاهية للهروب من حل المشكلات. فالحوار المباشر يرضى صاحب المشكلة ويطمئنه أن هناك من سيقوم بعلاجها، لكننا هنا نقوم بتقليد أعمى للمجتمعات الغربية، فهم لديهم خطوط ساخنة لعلاج الطوارئ بعد تأكدهم من القيام بالعمل بشكل سليم، مثل خط النجدة والإسعاف، لكن فى مصر هى وجاهة وتخلق حالة من انعدام الثقة بين المواطن والحكومة ويشعر أن هذا الخط كاذب، وبتكرار الشكوى وعدم الإجابة يشعر بالاكتئاب وأن هذا الخط مجرد وسيلة للتفريغ عن غضبه، فيبدأ فى الانفعال والإساءة للقائم بالرد عليه، وهنا أحذر من فقدان كافة هذه الخطوط مصداقيتها، فالمواطن الآن يريد من يحترم عقله ونفسيته ويتعامل بوعى حقيقى مع مشاكله، لا مجرد الادعاء بأن هناك خدمة ساخنة لاستقبال الشكاوى
ساحة النقاش