في التحريرسكــان تحت الحصار

كتبت :سمر الدسوقي

 تحولت منطقة وسط البلد من أرقى وأغلى المناطق السكنية التى كانت مقصداً سياحياً إلى ساحة للخوف والقلق ليحاصر المقيمون فيها من مصريين وأجانب ، بإعتصامات وإضرابات متتالية بل تعدي الأمر إلى الاشتباك بين المتظاهرين والأمن ليتحول سكان هذه الأحياء إلي أسري لهذه الأحداث، ممادفع بأحد المحامين إلى رفع دعوي تطالب بنقل المؤسسات الحكومية ووزارة الداخلية إلى خارج الكتلة السكنية بعد أن تحولت حياة ساكنى هذه المناطق إلى كابوس يومي..

كيف يري سكان التحرير وما حوله فكرة نقل المؤسسات وكيف يمارسون حياتهم فى ظل هذه الأحداث الملتهبة

اعترف أن حالة من الرعب القاتل بل والقلق انتابتنى وأنا أقوم بإصطحاب إحدى زميلاتى الفضليات بالمجلة، إلى مقر إقامتها بمنطقة وسط المدينة وتحديداً خلف وزارة الداخلية، فقد تصورت نفسى وأنا أقيم بهذا المكان وفى الظروف الراهنة وخلال أحداث الثورة المتعاقبة بمفردى وحتى بصحبة أسرتى، ثم أجد نفسى محاصرة من كل جانب بقوات أمن ومدرعات لقوات الأمن ، تسعى للقيام بواجبها فى تأمين المنشآت الحيوية والمقيمين بهذه المنطقة ، وهو بالطبع دورها ووظيفتها التى لا يمكن المساس بها ، ولكنها وفى نفس الوقت تغلف المنطقة كلها بستار أمنى يجعلها تحت الحصار!!

فلا تستطيع العبور أو الدخول لمنزلك أو التوجه لعملك كل يوم إلا من خلال منافذ محددة تحيط بها أسلاك شائكة، أو ربما يقذف هذا المنزل دون قصد وكما حدث مؤخراً بأحداث شارع محمد محمود بقذيفة من القذائف ، فيشتعل فى لحظات ، مشاعر متضاربة وخائفة لا أستطيع أن أصفها ، ولا أتذكر منها سوى أنها قد أعادت لذهنى العديد من المشروعات التى بدأ طرحها وتبنيها منذ عام 2005م لنقل الهيئات الحكومية الموجودة بمجمع التحرير خارج نطاق العاصمة ، بعدها عادت وأستكملت بمشروع لوزارة الإسكان طرح لنفس الشأن فى عام 2009م وأيضاً تأجل لصعوبة التمويل ثم عادت هيئة التخطيط لتبنى المشروع العمرانى فى عام 2010م وكان من المفترض تنفيذه خلال العام الجارى، يتم من خلاله نقل الوزارات المختلفة ومجلسى الشعب والشورى من أماكنها الحالية بوسط العاصمة إلى الناحية الأخرى من الطريق الدائرى....

ولكن المشكلة الآن لم تعد فقط مشكلة ازدحام وتكدس بشرى ، بقدر ما أصبحت مشكلة أمن وأمان .

أمنية ساكن

«عبد الحميد إبراهيم» موظف بإحدى الشركات بمنطقة مدينة نصر يقول: أقيم فى منطقة وسط العاصمة القاهرة وتحديداً خلف وزارة الداخلية منذ أكثر من عشرين عاماً برفقة أسرتى ، وقد كانت هذه المنطقة ومازالت منطقة جذب للكثيرين بل وكانت أسعار العقارات فيها مرتفعة بصورة كبيرة ، ولكن الآن وبعد أحداث الثورة أصبحنا نشعر بالخوف بل ونتمنى أن يتم نقل كافة المنشآت الحيوية حفاظاً عليها وعلينا.

أخاف على بناتى

وتضيف «علية مهدى» ربة منزل: الأمر بالنسبة لى يعد شديد الصعوبة فأنا أم ومسئولة عن عائلة مكونة من أربعة أفراد وأقيم فى منطقة وسط المدينة بالقرب من باب اللوق ، وأتحرك يومياً لشراء متطلبات المنزل وإعداد الطعام لأسرتى ، وقد كان هذا الأمر سهلاً جداً على قبل غلق المنطقة وتأمينها بشكل كامل مؤخراً وخلال الأحداث فى نهاية شهر نوفمبر وبداية ديسمبر ، أما الآن فأنا أضطر للسير لمسافات طويلة حتى أصل للمكان الذى أشترى منه مستلزمات المنزل ، ولابد وأن أمر على العديد من نقاط التفتيش ، ولا شك أن هذا يحتاج لمجهود كبير أثناء الحركة ، كما أنه يجعلنى أشعر بالخوف وعدم الأمان خاصة على بناتى أثناء توجههن للجامعة ، وفى رأيى أن افضل علاج له هو نقل كافة المنشآت الحكومية والحيوية خارج المناطق السكانية ليس فقط بالنسبة لنا كسكان وسط العاصمة ، ولكن من أى مكان سكنى ،فلابد وأن توضع هذه المؤسسات الحيوية بعيداً عن أى منطقة مأهولة بالسكان تحسباً لأى ظروف مماثلة.

السفارة الأمريكية

أما «رأفت فهمى» موظف على المعاش ويقيم بجوار مقر السفارة الأمريكية بمنطقة جاردن سيتى ، فيقول: هذا الوضع نعيشه منذ سنوات طويلة فنحن كمقيمين فى منطقة السفارة نعتبر بالفعل محاصرين فكل المنافذ والمداخل لمنازلنا مغلقة بشكل كامل وتحيط بها قوات الأمن ، وعلينا عند الدخول أن نبذل مجهوداً مضاعفاً حتى نصل لشارع واحد مفتوح ننفذ منه لمنازلنا ، والمشكلة بالطبع تتضاعف عند وجود مريض أو حالة طارئة تستدعى الحركة السريعة ، أو عند دخول أو عبور الفتيات من بعض نقاط التفتيش المقامة حول هذا المكان، ولا أعرف تحديداً لماذا لا تنفذ المشروعات الكثيرة التى تطرح لنقل هذه المبانى السيادية خارج نطاق العاصمة حتى الآن!!

لا بيع ولا شراء

فى حين يعيش أصحاب المحال فى هذه المناطق مشكلة أخرى تعد أكثر صعوبة ، نتيجة لكساد حركة البيع والشراء تحت وطأة هذه الظروف.

يقول «صبحى عطوة» أمتلك محلاً صغيراً لبيع الخردوات والحلوى، وخلال أحداث الثورة الأخيرة اضطررت لغلقه لعدة أيام ، حيث كان من الصعب أن أصل إليه أو أفتحه أو حتى يصل إلى زبائنى فى ظل غلق كافة الأماكن من حولنا.

شوارع الخوف

وتكمل أبعاد هذه المشكلة «يارا فتحى» طالبة بكلية تجارة قائلة: أدرك بالطبع أن طبيعة الظروف التى نحياها تعرضنا لكثير من المواقف الصعبة ، ولكن من أصعب هذه الظروف أن تشعرى بالخوف وأنت تسيرىن بالشارع ، أو تضطرين للعودة مبكراً لمنزلك خوفاً من حدوث أى شئ ، فإقامتى مع أسرتى فى منطقة وسط العاصمة ، جعلتنا خلال أحداث الثورة تحت حصار دائم.

لجنة من الخبراء

وأطرح هذه الأزمة على د.« رأفت عبد الحميد» أستاذ التخطيط العمرانى بكلية الهندسة جامعة بنها ، فيقول: لاشك أن الحل الوحيد لعلاج هذا الوضع بالأخص مع الأوضاع الأمنية الراهنة ، واندلاع الكثير من الاشتباكات من آن لآخر فى هذه المناطق الحيوية ذات الطبيعة السكانية هو أن يتم نقل ما بها من منشآت حيوية إلى خارج نطاق العاصمة ، ولكن إلى أماكن تضمن وصول خدماتها ووصول المواطنين إليها دون أدنى صعوبة، فقد طرحت من قبل مشروعات لنقلها إلى الطريق الدائرى ولكن هذه المشروعات باءت بالفشل لأنها كانت تعنى نقل حالة الازدحام والتكدس لهذا الطريق، الذى أنشئ فى الأساس لمنع هذه الحالة، ثم طرحت مشروعات لنقلها على مقربة من المدن الجديدة، ولكن كان تقاطع الطريق الدائرى معها فى بعض النقاط يشكل مشكلة، حيث أن هذه النقاط مع الزيادة السكانية فى هذه المدن لن تستوعب حركة وأعداد موظفى هذه الهيئات بشكل يومى ، وبالتالى فلابد وبشكل سريع أن تشكل لجنة من خبراء المرور والنقل والمواصلات، لدراسة واختيار المكان الأمثل لنقل هذه المنشآت الحيوية، على أن يكون هذا المشروع فى مقدمة المشروعات المقدمة والمنفذة من قبل البرلمان المقبل.

تطوير طريق

بينما يطرح د.«مصطفى القاضى» أستاذ النقل والمواصلات بكلية الهندسة جامعة الزقازيق رؤية أخرى قائلاً: لاشك أن نقل الوزارات بل وبعض السفارات إلى المدن الجديدة ، أمر قد يعد أكثر سهولة ويسراً من أى مكان آخر وذلك لأن هذه المدن بها بنية تحتية مناسبة لاستقبال هذه الوزارات، خاصة وان النقل للطريق الدائرى سيؤدى لارتفاع أسعار الأراضى وبالتالى ظهرت مشكلات تتعلق بالتكدس السكانى والبناء العشوائى، ولكن ما نحتاجه بالفعل لتحقيق هذا هو توافر تمويل جيد، هذا بجانب ضرورة العمل على تطوير الطرق المؤدية إلى المدن الجديدة ومقار الوزارات بها بحيث يشكل هذا سهولة وسيولة فى حركة وتوافد الموظفين والمواطنين عليها.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 481 مشاهدة
نشرت فى 15 ديسمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,860,795

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز