مرض الكيبوميتيا: ابن الذوات ايديه طويلة
كتبت :سماح موسى
يسرق لغير حاجة، وإنما لتعويض جانب عاطفى مفقود فى حياته فيحاول تداركه لينقلب بعد فترة إلى شعور بالنرجسية لا يشعر معه بتأنيب الضمير ظناً منه أنه مهضوم الحق ويسقط أخطاءه على من حوله.. إنه مرض «الكيبوميتيا» أو هوس السرقة الذى يدفع المريض تحت وطأة نزعة الامتلاك إلى الاستيلاء على ممتلكات من حوله.
فما هى طبيعة هذا المرض، وما الأسلوب الأمثل للتعامل مع المصابين به، وما هو دور الأسرة والمجتمع فى ذلك؟!
قد تقوم فتاة بسرقة ملابس من أحد المحال رغم عدم احتياجها وانتمائها للطبقات الغنية؟ ويقوم شاب بسرقة أموال والديه رغم إغداقهما عليه بكل ما يطلبه، فهذا السلوك يحقق لهما راحة نفسية، وفى الحقيقة إنهما مصابان بمرض الكيبوميتيا أو السرقة المرضية، ويحدثنا د. يسرى عبدالمحسن أستاذ الطب النفسى بكلية قصر العينى جامعة القاهرة عن أعراض وطبيعة هذا المرض فيقول: إن مرض السرقة المرضية (الكيبوميتيا) يظهر على صورة اضطراب وجدانى ثنائى القطبين فى شكل نوبات من المرح الزائد أو النشاط المفرط والإحساس بتضخم الذات، والقوة الشديدة وقلة النوم، مع ظهور نوبات هياج مع الإحساس بالسرور والسعادة، بعكس الاكتئاب تماماً، ويكون لدى المريض إحساس وميل للسرقة باستمرار وبنسبة أعلى فى الفتيات فى سن المراهقة أو بعدها وفى بداية مرحلة الشباب.
ويضيف: المريض يقوم بسرقة أشياء ثمينة، ولكنها صغيرة الحجم كاكسسوار أو شنطة يد أو ساعة، وبمجرد أن يقع نظره على هذه الأشياء يسيطر عليه الوسواس الذى يدفعه للسرقة واقتنائها رغم عدم حاجته إليها.
ويرجع د.يسرى أسباب هوس السرقة لأسباب وراثية أو تغيرات فى كمياء المخ يصاحبها ضغوط الحياة اليومية وأن تكون الأسرة سبباً فى العلاج وغير مسئولة كلية عن وجود المرض وظهوره.
وعن العلاج فإنه يعتمد على تناول بعض العقاقير وجلسات كهربائية وجلسات نفسية، وقد تطول مدة العلاج وتنقص حسب كل حالة وقد تستغرق شهوراً طويلة.
نظرة المجتمع
وتؤكد د. سهير لطفى أستاذ الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية --أن هوس السرقة سلوك غير مألوف ومرفوض وتعزوه إلى النشأة الاجتماعية غير السوية التى تظهر فى شكل اكتئاب، وتشير إلى دور الأسرة فى علاج هوس السرقة والتحذير من استخدام العنف مع هذه الحالات فى إطار من الوعى بطبيعة المرض.
ويشدد د.صبرى عبدالله- - أستاذ علم النفس بكلية البنات جامعة عين شمس- على مراعاة احتياجات الأطفال بدءاً من سن (7سنوات) وهى السن التى تتكون فيها شخصيته لأن الجهاز العصبى للإنسان يكتمل فى هذه الفترة ولابد من تلبية احتياجاته بحدود، ولابد أيضاً من احترام حرياته وعدم التحكم فى اختيار أشيائه وحاجاته الخاصة واختيار أصدقائه وملابسه، وهذا المريض يشفى من خلال الجلسات النفسية التى تعيد منحه الأمان.
نزعة التملك
وتقول د.عزيزة السيد -استاذ علم النفس الإجتماعى جامعة عين شمس - إن هوس السرقة يعنى فى علم النفس النزعة القهرية وغير المتحكم فيها التى تتحول إلى هوس تجاه أحد أشياء الغير، ولكن يجب أن نميِّز العرض الأساسى فى السرقة القهرية عند الشخص فهى قد تكون عند الطفل لكنها لا تعتبر مرضاً، وإنما حالة مؤقتة ترتبط بتطور الطفل بحيث أنه يلجأ إلى السرقة لتقمص النزعة الامتلاكية عند الراشد، بمعنى أنه يريد امتلاك الأشياء الخاصة به، وهناك حالة الاحتياج، أى أنه يسرق للحاجة، مثلاً أن يكون هناك نوع من التهميش للشخص فيلجأ لذلك ليحصل على حقه.
وهنا نتحدث عن السرقة كظاهرة مرضية عند الفرد إذا كانت بدون حاجة اقتصادية أو مالية أو الاستعمال الشخصى الملح، وتكون فى شكل رغبة جامحة للسرقة من أجل السرقة، ويكون الشخص فى حالة قلق غريب لا ينهيه إلا اللجوء إلى سرقة أشياء الغير التى لها معنى رمزى له، وهذا يعنى أنه يعانى من جانب عاطفى مفقود، فيحاول تدراكه بأخذه بنفسه ثم بعد ذلك يتعود هذا السلوك، فيصبح يشكل له نوعاً من لإشباع النرجسى ولا يشعر أبداً بتأنيب الضمير أو الندم لظنه أنه مهضوم الحق، لذا يسقط أخطاءه دائماً على الآخرين.
وتضيف د. عزيزة أن علاج هوس السرقة يبدأ من فهم الأسرة بعدم معاملتها للشخص المريض على أنه مجرم، فهو لا يقوم بالفعل للإضرار بالآخرين أو الربح السريع، بالإضافة إلى منحه الحنان المتمثل في العطاء الأبوى والأمومى المفقود الذى هو سبب أساسى فى فعل هذا السلوك .
ساحة النقاش