الخفافيش

كتب :محمد الحمامصي

يخطئ من يظن أنه قادر على خداع الناس والضحك عليهم والسخرية منهم واللهو بهم طوال الوقت، يخطئ من يظن أن الجميع جهلاء وعميان وأغبياء طوال الوقت، يخطئ من يظن أنه قادر على التخفي والإخفاء طوال الوقت، ومن يظن ذلك ما هو إلا أحمق كبير، فقد ينجو من فضائح وكوارث، ويدهسه السقوط المروع لأمر تافه، فالدائرة صغيرة والعمر مهما طال أو قصر في حلقة الزمن لا شيء، والتاريخ قديمه وحديثه يمتلئ بالعبر والتجارب والأحداث الذي تؤكد أن لا عمر لأمثال هؤلاء. ولعلنا نذكر هنا قصة الملك »نمرود«، الذي كان في عهد خليل الرحمن سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكان قد أدّعى الرّبوبيّة، في منازعته لله سبحانه ملكوته، في ربوبيّته وإلا هيّته، جلّ وعلا، حيث غلبه الغرور بملكه الواسع، قال زيد بن أسلم: فبعث الله إلى الملك الجبّار (نمرود)، مَلَكاً يأمره بالإيمان بالله، فأبى عليه، ثم دعاه الثّانية، ثم الثالثة فأبى، وقال أجمِعْ جموعَك، وأُجمع جموعي، وكان المَلَكُ جاء يدعوه في هيئة بشريّة، فجمع النمرود جموعه وجيوشه وقت طلوع الشمس، وأرسل الله إليهم بابًا من البعوض، بحيث لم يروا الشمس، وسلطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودماءهم، وتركتهم عظامًا بادية، ودخلت واحدة منها في منخري الملك (نمرود) فمكثت فيهما أربعمائة سنة، وكانت أعمار الأمم السابعة طويلة، عذّبه الله بها في الدنيا، فكان يُضرب رأسه بالمرازب في هذه المدة حتى أهلكه الله (ينظر تفسير ابن كثير).

وما أكثر »النمودون« ـ إذا جاز هذا الجمع ـ في وقتنا هذا وفي ظروفنا تلك التي تعد الأسوأ في تاريخ مصر الحديث، الذين استغلوا ما يجري من تخبط وسوء إدارة وترد في الفكر والرؤية، ورموا شباكهم على ما استطاعوا الوصول إليه، ونصبوا من أنفسهم أولي أمر وما هم كذلك، بل مرضى يتخبطهم النهم للسلطة والجوع للمال والكبر والغرور والجهل، يتطاولون على حقوق الآخرين لينهبوها أو يمزقوها بالباطل والبلطجة.

لينظر كل منا حوله ويسمع ويشاهد ويتابع، ليرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من قبل في مصر، من مشاهد يندى لها الجبين سباب وشتائم وألفاظ تخدش الحياء، واتهامات بالكفر والنجاسة والخيانة والعمالة تجسد الجهل والحمق، لقد حل الظلام وتردت خطانا في هوة سحيقة، لا نجاة منها إلا بمناهضة ومقاومة ومواجهة الأفكار الظلامية وخفافيشها التي تتغذى على الجوع والفقر والأمية ومن ثم تعشعش الآن في كل مكان.

يوم الجمعة الماضية يخرج خطيب الجمعة بأحد الجوامع بالجيزة ليتهم اللبراليين والعلمانيين والتيارات المدنية بالكفر والنجاسة، ويدعو عليهم بالهلاك، ويخرج آخر ليسب الرئيس السوري بشار الأسد وقواته ويتهمها بالكفر ويدعو المقاومة المسلمة على الكافر وجيشه، ويخرج آخر على إحدى الإذاعات المتخصصة ليقول تعليقا على حادث قطار أسيوط الذي أودى بحياة 51 طفلا من زهرة أطفالنا من أعمالكم سلط عليكم، ويخرج آخر داعيا لنصرة غزة والتبرع لها بالمال والروح.

مشكلة هؤلاء الذين تتخبط مصر بين أيديهم أنهم كالنمرود يدعون العلم بكل شيء وأي شيء، إذا تحدثوا فلا جدال بل كلام مصدق، وإذا فعلوا فلا معقب على ما يأتون به ففعلهم منزه عن الخطأ، يصدق فيه قول الله عز وجل وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد وقيل كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه : اتق الله، فيقول: عليك بنفسك، مثلك يوصيني.

لذا نرجو الله عز وجل أن يتولانا برحمته فهو أرحم الراحمين ويغيثنا فهو غياث المستغيثين

المصدر: مجلة حواء -محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 519 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,765,442

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز