كتبت نجلاء ابوزيد
لسنوات ثلاث مضت لم نكن نعرف إلا الجمعة اليتيمة التى كانت تأتى فى نهاية رمضان ونستعد بعدها للعيد.. لكن منذ جمعة الغضب التى انذرت بميلاد ثورة ضد الظلم والفساد ونحن نعيش فى جُمع بأسماء مختلفه مابين الإنذار الأخير والنصر والشرعية وغيرها من المسميات حتى أصبحنا نعيش جُمع الخوف والحزن حيث أصبح العيد الأسبوعى يوما يخافه المصريون بسبب المظاهرات والإرهاب وحصاده الليلى من الإصابات والوفيات، وحول مشاعر المصريين تجاه الجمعة كان هذا التحقيق.
فى البداية تحدثت لمياء محمود موظفة: أخاف يوم الجمعة وأرفض الخروج فيه إلا للشديد القوى وذلك لإقامتى بالقرب من ميدان رابعة وبعد الأيام الصعبه التى عشناها خلال اعتصام رابعة أصبح الجمعة يوم رعب خوفا من عودتهم وبنهايته يعود لنا الشعور بالأمان بالإضافة لكثرة الكمائن التى تخنق المكان وبعد أن كان يوما لتبادل الزيارات أصبح يوما مرفوعا من الفسحة فالبيت أفضل.
هيبة الجمعة
تتفق معها إصلاح ثروت ربة بيت حيث تقول: فى أيام الثورة الأولى كانت للجمع هيبة وكنا نستبشر بها خيرا حتى خلعنا مبارك لكن منذ شاهدت جمعة قندهار التى رفعت فيها الرايات السوداء وقلبى انقبض ولم أعد أتفائل بالجُمع التالية والآن احكى لأولادى كيف كنا نستمتع بيوم الجمعة بينما أحرمهم من الخروج فيه لأنه لا شىء مضمون وسط العنف والتفجيرات بصراحة لقد أسائنا لهذا اليوم.
الأستاذ محمود عبد القادر موظف يقول: الجمعة يوم روحاني له طقوس خاصة عندنا لكن أحداث العنف تركت بصمتها عليه فبعد أن كانت بناتى وأولادهن يحضرن للتجمع عندى ورؤية بعضهن البعض أصبحت أمنعهم من الحضور لخوفى أن يحدث شىء فى الطريق.. الجمعة لم يعد يوم أمن ومظاهرات الإخوان تسيئ له لا أعرف كيف يتفنن دعاة الإسلام فى تشويه يوم هو عيد للمسلمين لن يسامح الله كل من أساء لهذا اليوم.
عيد أسبوعى
أستاذة سميحة الغنيمى مخرجة أفلام تسجيلية- تقول اعترف أن الأحداث أثرت بالسلب تجاه شعورنا بيوم الجمعة الذى ارتبط فى أذهان جيلى بروحانية خاصة لكن فى نفس الوقت علينا ألا نستسلم لليأس وأن نترك الشارع للمظاهرات لكن علينا أن نسترجع حلاوة وروحانية اليوم لأن الأحداث ستمر وسيبقى هذا العيد الأسبوعى.
"لازلت أسافر لأهلى يوم الجمعة رغم كل مشاعر الخوف التى تعيشها أمى لكنها ظروف عملى" هكذا تحدث فهيم محروس رئيس وردية حيث يقول أعيش مع أسرتى الصغيرة فى القاهرة لكن أمى مصرة على البقاء بالبلد لذا أقضى الإجازة الأسبوعية معها.. قبل كثرة الاضطرابات كنت أصطحب أحد أولادى كل مرة لكن الآن أسافر بمفردى لأن الطريق لم يعد آمن وسبق وقضيت ليلة بالطريق الزراعى عندما قطع علينا فى منطقة قليوب لكنى لا استطيع أن أتوقف عن الاطمئنان عليها، هى تبكى وترجونى ألا أحضر يوم الجمعة لكنه يوم الإجازة بصراحة كلنا اشتقنا للجمعة التى كنا نعرفها.
زيارة الأهل
"من بيت لبيت أتابع الأخبار لأعرف هل سأعود لبيتى أم لا" هكذا بدأت المهندسة نجوى سلامة حديثها وقالت.. الجمعة هو يوم زيارة الأهل وبالرغم من الأحداث السيئة الكثيرة التى قابلتنا خلال الجُمع المختلفة وبالرغم من اتخاذى وزوجى أكثر من قرار بشأن التوقف عن زيارة الأهل يوم الجمعة إلا أننا نتراجع ونذهب لزيارتهم ولكن نظل طوال اليوم نتابع الأخبار لنعرف كيف سنعود خاصة وأننا من سكان مدينة نصر.
الجمعة حزينة
الأستاذ محمود عبد العظيم على المعاش يقول.. جُمعنا كلها أصبحت حزينة فمنذ خروجى على المعاش وأنا أصلى كل جمعة فى مسجد من مساجد أولياء الله الصالحين لكن للأسف منذ الثورة للآن أجد صعوبة فى الصلاة فى الحسين أو الأزهر، ففى كل جمعة مظاهرة أو خناقة.. أضاعوا هيبة وروحانية اليوم حتى أولادى يتعرضون لمشاكل فى الطريق لزيارتهم لى لأننى أسكن فى فيصل وأشعر أننا نحتاج للاتفاق جميعا على الابتعاد عن يوم الجمعة لأنه عيد المسلمين وما يحدث فيه من عنف وقتل أفسده.
رسالة للعالم
وأذا كانت هذه بعض مشاعر المصريين الحزينة بشأن الجُمع التى نعيشها الآن فإن للمتخصصين رأيهم عن ذلك تحدثت مع د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع فقالت.. الشعب المصرى متدين بطبعه وله طقوس خاصة يستمتع بأدائها خاصة يوم الجمعة ويتعامل دوما مع هذا اليوم بوصفه عيد حيث يذهب المسلمين للصلاة بالجامع ونفس الشىء يفعله الأخوة المسيحيين حيث يذهبون للكنيسة لكونه يوم إجازة وبعد الصلاة يتجمعون أو يخرجون لكن بالطبع الأحداث السياسية التى شهدتها البلاد منذ 25 يناير وحتى الآن تركت ظلالها على هذا اليوم لكونه يوم إجازة فأى فعالية تقام فيه لدرجة أصابت الكثيرين بالإحباط والخوف ولم يعد هو اليوم المنتظر طيلة أيام الأسبوع لنستمتع برؤية الأهل والأصحاب لكن أصبح اليوم الحزين الذى ندعو الله منذ فجره أن يمر على خير و بسلام على الأبرياء الذين يموتون بلا ذنب بسبب أعمال عنف وإرهاب تكثر فى هذا اليوم.. لا عرف كيف يُقدم هؤلاء على الإساءة للإسلام فى هذا اليوم بهذا الشكل إنهم يقدمون رسالة للعالم بأن هذا الدين يرهب ويقتل ويبدو أن الأطماع السياسيه تحجب مفهوم الإسلام لديهم ولكن من خلال متابعة التاريخ أثق أن مصر ستجتاز هذه الفترة العصيبة وكما نجاها الله من حكم جماعة سعت لهدم حضارتها ستهدأ الأحوال وتدريجيا ويعود لنا عيدنا الأسبوعى، وهنا تنصح د. سامية المصريين بالاستمرار فى طقوسهم وزياراتهم الاجتماعية لأن الانزواء فى البيت والخوف من المواجهة لن يعيد الاستقرار لكن التعايش مع الواقع بكل مافيه هو الأفضل وعلينا أن نحافظ على عيدنا الأسبوعى وعلى صلة أرحامنا قدر المستطاع فى هذا اليوم طالما أنه لا يوجد حدث جلل.
كذلك علينا التفائل بأن القادم سيكون أفضل وستصبح هذه الجُمع الحزينة مجرد ذكريات نحكيها لأولادنا وأحفادنا.
لا للحزن والاستسلام
يتفق معها د. عادل المدنى أستاذ الطب النفسى فى جامعة الأزهر قائلا.. المخاوف والحزن الموجود لدى الكثيرون من يوم الجمعة شىء مفهوم ومنطقى لأننا شعب يميل بطبعه للأمان والاستقرار وما يحدث خلال هذا اليوم من تفجيرات وعنف لا يتفق مع الطبيعة الإنسانية لذا هى مخاوف مفهومة وليست مرضية مرتبطة بأحداث طارئة لم يعتدها مجتمعنا وترفضها ثقافتنا ويرى أنها أحداث مهما طالت فهى مؤقتة لأنها لا تتفق مع النفسية المصرية المتسامحة ويؤكد أن إدراك المصريين وحزنهم على ما يحدث فى هذا اليوم ذات الخصوصية الدينية والاجتماعية فى قلوبهم يؤكد قدرتهم على استعادته ممن يريدون إفساد حياتهم ومناسبتهم الروحانية وعدم الاستسلام للخوف والاكتئاب من هذا اليوم هو العلاج النفسى الأنسب فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ويجب أن نزور الأهل وننزه أولادنا ونعيش حياتنا حتى نسترجع عيدنا الأسبوعى.
ساحة النقاش