شكت لى قارئة من عذاب الوحدة التى تعيشها بعد أن هاجر الأبناء إلى الخارج وتوفى الزوج وأصبحت مثل شجرة عارية الأغصان لا يدق بابها سوى المطالبون بإيجار الشقة وفواتير الكهرباء والمياه, وعلى الرغم من معاش زوجها الكبير وما ورثته من أموال عن والديها لم تعد لديها الصحة ولا الرغبة فى الاستمتاع بالحياة.

سألتها: أليس لك أقارب فى المدينة؟ أقصد أعماما وأخوالا وأبناءهم؟

تنهدت بعمق ثم أجابت: ما أكثرهم، ولكنى قاطعتهم جميعا فهم عديموا الفائدة وعلى رأى المثل "الأقارب كالعقارب فاجتنبهم".

قلت لقارئتى: من قال هذا يخالف مبدأ مهم فى الإسلام، هو صلة الرحم, فهل تحبين أن تخالفى ما جاء فى القرآن الكريم؟

نظرت لى بدهشة، فهى من الحريصات على أداء الصلوات فى مواعيدها، وتؤدى فريضة الزكاة وتصوم رمضان رغم ما بها من علل، فكيف تُتهم بمخالفة القرآن؟

قلت لقارئتى: دعينى أذكرك ببعض ما أوصانا به العزيز الحكيم فى كتابه, ألم يقل:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ).. الأرحام هم الأقارب من الدرجة الأولى كالوالدين والأبناء، أو الثانية كالأعمام والأخوال وأبنائهم, إن الإسلام ينفرد بين العقائد السماوية بحرصه على سعادة المؤمنين، وقد أثبت علماء الاجتماع أن التواصل بين أفراد العائلة يحميهم من الأمراض النفسية.

قالت محتجة: ولماذا لا يتواصلون هم معى؟ لماذا يجب على وحدى أن أصل ما نقطع؟

قلت: بعض الناس يغرقون فى مشاكلهم الشخصية وتضيق رؤياهم فلا تتسع إلا للدائرة الضيقة المحيطة بهم, قد يكون لديهم أبناء يدرسون، أو من يعانى من المرض ويبدد وقته فى التردد على الأطباء أو من يواجهون مشاكل مادية..

قاطعتنى قائلة: جئنا إلى بيت القصيد, لو أننى اتصلت بهؤلاء فسيتوقعون أن أساعدهم بما لدى من مال..

قلت: وماله؟ ألا تحرصين على أداء الزكاة؟ فلتخصصى جزءا منها أو حتى كلها للمحتاج من أقاربك, ألا تذكرين قوله تعالى: (وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾.. فلتكونى من الذين أنعم الله عليهم ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾.. لقد تفشى فى زماننا حب المال بدرجة كبيرة، ورأينا من ينفق ملايين الجنيهات على أفراح أبنائه، ومن تنفق آلاف الجنيهات على المظاهر، فتقتنى أغلى الماركات العالمية لكى تختال بها وتفتخر بين صديقاتها، ومن يبذرون أموالهم فى النوادى الليلية وينثرون العملات الورقية على الراقصات.. الخ, وهؤلاء من وصفهم الخالق عز وجل بالمفسدين فى الأرض ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾.

قلت لقارئتى: إن الإحسان لذي القربى من الأمور القليلة التى جاء فيها أمر الله قاطعا ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾.. فكرت السيدة  ثم سألتنى: و كيف أبدأ التواصل بعد قطيعة طويلة؟ قلت: انتهزى فرصة مناسبة  عائلية ودعيهم جميعا لمأدبة أو حفل شاي ومن يقبل دعوتك تواصلى معه بانتظام بعد ذلك.