حكيت لك الأسبوع الماضى طرفا مما قالته لى قارئتى إيناس 32 سنة, خريجة كلية الآداب الإنجليزية جامعة الإسكندرية, حيث روت لى أنها الأبنة الكبرى لموظف كبير بالحكومة ولها شقيقة واحدة أصغر منها, والأم سيدة متدينة ومحترمة وربة بيت ممتازة وقد ربتها هى وشقيقتها على الاحتشام وأداء فروض الله فى مواعيدها والالتزام بالحلال ورفض المال الحرام, وتخرجت إيناس فى كلية الآداب لكنها لم تعمل ولا تهتم بالعمل ولا الزواج إذ كان والدها قد أصيب بالفشل الكلوى فتولت هى بنفسها أمر الذهاب به إلى المستشفى لإجراء الغسيل الكلوى والعودة وقيادة السيارة وتناول العلاج فى موعده والإشراف على صحته عامة من الألف إلى الياء, حتى طعامه ونظافته وقراءاته ونومه كانت إيناس هى التى تتولاها, ورفضت كل من تقدموا لخطبتها, ورفضت الكثير من فرص العمل لكى ترعى والدها الذى سافر إلى الخارج للعلاج وعاد بعد شهر واحد أسوأ مما كان, إذ كان فاقدا لوزنه ومصابا بالاكتئاب الذى عقب رفض الأطباء الفرنسيين إجراء عملية جراحية له, وظلت إيناس تتولى أمره حتى وافته المنيه بعد عام من عودته من الخارج, وحزنت عليه عائلته حزنا شديدا, وقالت إيناس: وجاءت للعزاء قريبة لوالدى من بعيد تعتبر أكثر أقاربنا ثراء, وكنا نسمع عن ثرائها وكرمها الشديد, وكانت تزورنا فى المناسبات المهمة محملة بالهدايا والمأكولات والحلويات, وكنت لم أرها منذ فترة طويلة, وظلت تتأملنى وتمتدح احتشامى وتمدح رعايتى لأبى ورفضي للعمل أو الزواج من أجل رعايته, ثم جاءت بعد الأربعين بعدة أسابيع وكانت المفاجأة!
واستطردت إيناس.. المفاجأة كانت تقدمها لخطبتى لابنها الدكتور وسيم الذى كان وسيما ومتدينا وهادئا ورائعا, وكان الأمر مفاجأة لنا فإن السؤال هو أين نحن؟ وأين هى وأسرتها؟ نحن أسرة (يا دوبك) مستورة, وهى ثرية جدا من زوجها المرحوم تسكن فى فيلا كبيرة بمنطقة وابور المياه بالإسكندرية ونحن نسكن فى بيت قديم بمنطقة الشاطبى وليس لنا ثروة كبيرة أو صغيرة تعنى ولا حاجة, وأنا لست فاتنة الجمال بل أن جمالى هادئ ومحتشم, وقالت لها أمى بعد أن سمعتها تقول أرجو ألا ترفضوا زواج الدكتور وسيم ابنى من ابنتكم إيناس فهى الزوجة التى كان يحلم بها كما قال لى من حيث التدين والصلاة والخلق الكريم والهدوء وجمال القوام والوجه والروح أرجوكم أن تقبلوا زواجها بابنى!
وقالت أمى:
يا حاجة سناء.. احنا ناس على قد حالنا وأنتم ربنا يعطيكم كمان وكمان فأنتم دائما أصحاب فضل.. قالت الحاجة سناء:
- إذا قبلت إيناس الزواج من ابنى سوف تكون زوجة ابنى وانت فى عيونى من جوه!
***
واستطردت إيناس.. وتزوجت من الدكتور وسيم وهو نعم الرجال, أما والدته الحاجة سناء فهى نعم الأم, وانتقلت من شقة الشاطبى إلى فيلا الأسرة وهى فسيحة ورائعة ونحن نسكن مع والدته, وجزء من الفيلا مخصص للشركة التى تركها والد زوجى وتديرها الحاجة سناء باقتدار ومهارة, وحماتى فعلا تعزنى وتكرمنى أنا وابنها الدكتور وسيم, وكذلك حفيدها الذى أنجبناه بعد عام واحد من زواجنا, إنها تضعنا فعلا فى عينيها وأنا لا ألو جهدا فى سبيل إسعادها ورعايتها ورعاية البيت والزوج والابن ..لكن السعادة لا تكتمل يا سيدتى فقد لاحظت أن حماتى التى لا زالت جميلة ومثقفة وسيدة أعمال ماهرة تستعين أحيانا برشوة بعض الكبار لتسهيل أعمالها أو هكذا فهمت أو استنتجت, وعندما سألتها على استحياء عن هذا الأمر قالت لى وهى تربت على كتفى ووجهى.
- ماتخافيش يا إيناس لا نظلم أحدا ولا نأكل حق أحد لكن السوق عاوز كده وكل شىء لا يسير ولا يتم إلا بهذه الطريقة.. اطمئنى مالنا حلال بإذن الله !
***
واستطردت إيناس - أنا غير مرتاحة لهذا الأسلوب وأخاف أن تكون أموالنا حراما فماذا أفعل؟
***
لقد أكدت لك الحاجة سناء أنها لا تأكل حق أحد وأن المال حلال بإذن الله, وأنت لست مسئولة عن تصرفات حماتك ولست متأكدة من موضوع الرشوة لأنك تقولين إنها ترسل هدايا لبعض المسئولين أحيانا فلماذا تحملين نفسك هذا الهم؟ فإذا كانت الهدايا بفرض الرشوة كما تقولين فإن حماتك هى المسئولة أمام الله وأمام الدولة! وإذا أحسست بعدم الراحة فعليك أن تعيشى على إيراد زوجك فقط والله أعلم.
ساحة النقاش