قيمة الهواء غالية.. ربما لا يدركها البعض،فنعمة الأشياء واعتيادها يجعلنا لا نعى قيمتها الحقيقية أو الفلسفة المتوارية خلف إعجازها الإلهى, وعلينا أن نتفكر ونتدبر الحكمة فى وجود الهواء الذى هو أصل الحياة،فإن الحياة تتوقف بدونه،فالسلوك الإنسانى بكافة الانفعالات الحسية والشعورية كالسعادة والفرح والحيوية والحزن والتوتر والألم والإحباط والحيرة جميعها يؤثر على الشخص وكيفية أدائه وتواصله الاجتماعى, وربما يعتقد كثير من الناس أهمية التنفس فى حياتنا لاستمرارية الحياة لكنهم لا يدركون قيمته لممارسة النشاطات الإنسانية كالرياضة وممارسة الفنون المختلفة لذا رأيت فى كتاب "تنفس بعمق" بين الرياضة البدنية وفنون الأداء لأستاذنا الدكتور فوزى الشامى أهمية بالغة فى النظرة الفلسفية لقيمة التنفس،وقد ينبع صدق اهتمامى من منظور اتساقى المباشر كعازفة لآلة الفلوت باعتبارها آلة نفخ تحتم علينا منذ الصغر الانتباه لأهمية التنفس وكيفية تنظيمه لممارسة العزف بشكل منضبط،كما تشكل هذه العملية فارقا حسيا وتعبيريا جسيما فى قدر الاستمتاع بالجملة الأدائية والتعبيرية،لذا يعد مقدار التنفس العميق أحد الجماليات التى قد نستقيها أثناء تلقينا لعملية الإبداع, وهنا أوضح أن الإبداع فى ممارسة العزف على آلات النفخ والغناء اللذين يرتكزان بشكل أولى على عملية التنفس هو أحد الأشكال،وإنما التنفس بعمق يحتاج إليه كل من يمارس الفنون الأدائية كالتمثيل والخطابة والإلقاء والغناء بجانب التمثيل فى السينما والمسرح والرقص بأنواعه،بل وحتى أحاديثنا فى حاجة إلى عملية تنظيم التنفس لتواصل الجمل وتحديد مكان الاستمرار والتوقف بشكل متوازن يساعد الآخر على التلقى السليم.

والحقيقة أننى استمتعت بقراءة هذا الكتاب المفيد بما فيه من عمق للفكرة والذى تناولها المؤلف تفصيليا بالتشريح العلمى والطبى،ووضع إحدى العناوين الفرعية للكتاب فن التنفس الواعى العميق وهو ما يلفت الانتباه أن عملية التنفس تحتاج لفن قيادتها حتى يحسن توظيفها،أما الأجزاء الأخيرة من الكتاب والتى جاءت بشكل تطبيقى فى المواجهة بين الرياضة البدنية وفنون الأداء،والتنفس الدرامى،والتأثير النفسى والعصبى والوظائفى فكانت ممتعة, وأكثر الأمور أهمية فكرة المواجهة مع الجمهور والتى تزيد الاستثارة العصبية فى مراكز المخ فتحدث حالة من القلق والتوتر فتؤثر سلبا على أداء الفنان خشية عملية المواجهة،وقد أشار أستاذنا الدكتور شاكر عبد الحميد, وزير الثقافة الأسبق وأستاذ علم نفس الإبداع فى مقدمة الكتاب التى استوقفتنى كثيراً لكل ما تحمله من قيمة علمية ومعلوماتية،حيث ألقى الضوء على معاناة كل من الممثل والمخرج الإنجليزى الشهير لورنس أوليفيه،والممثل المرموق ريتشارد برتون نتيجة لرهبة خشبة المسرح وما ينجم عنها من تصبب عرق شديد وتلعثم ما يعود بنا لأهمية تدريبات التنفس والاسترخاء العضلى وانعكاسها إيجابا، أيضا أشار لعدة نقاط مهمة بالمراجع العلمية لعلماء مثل وولتر كانون،كلود برنار،إدموند جاكوبسون.

ونعود للقيمة الدرامية للتنفس باستخدام البرانا التى أشار إليها المؤلف وهى مصدر الطاقة وتمد الجسم بالقوى الحيوية لذا نحن فى حاجة إليها لإتمام القدرة التعبيرية المناسبة،والتحكم فى المواجهة والتنافس وخاصة باستخدام لغة الجسد المستخدمة لا شعوريا للتعبير عما يكتنف ميولنا ورغباتنا،وهى الجديرة بالاهتمام لارتباطها الوثيق بفنون الأداء, الهواء نعمة وعملية التنفس التى نختزلها فى عمليتى الشهيق والزفير عملية فسيولوجية معقدة تحدث بشكل تلقائى وتمثل نعمة منحها الله للإنسان فبدونها تتوقف الحياة.

كتاب شيق وثرى بالمعلومات ،مهم لكل من يمارس الرياضة وفنون الأداء وعلينا أن نعيد اكتشاف إمكانياتنا الإبداعية ورؤيتنا الفكرية من خلال فلسفة عمق التنفس.