"إن الحياة بلا موسيقى غلطة" هكذا قالها الفيلسوف الألمانى نيتشه،فالواقع أن الموسيقى ليست حياة بل الحياة هى الموسيقى،فلغتها الساحرة تخلب العقول وتهزأ بالمسافات وتتخطى الحواجز الجغرافية حيث تخاطب النفس البشرية أيا كان مكانها ولغتها فيستشعرها الجميع،فبالموسيقى نستطيع أن نترجم مشاعرنا وأحاسيسنا بلا كلام منطوق بل بنغماتها المجردة لتكون فن الجموح بالعواطف, ومن دافع حبى وغيرتى على معشوقتى الموسيقى التى هى جزء من تكوينى وحياتى الشخصية والمهنية فجاءت فكرة إنشاء سلسلة عالم الموسيقى بالهيئة العامة لقصور الثقافة والتى تفتقدها وزارة الثقافة فى جميع هيئاتها ومؤسساتها،وتقدمت فى حينها لرئيس الهيئة الأستاذ سعد عبد الرحمن الذى رحب وشجع ودفعنى لكتابة إستراتيجية خاصة بالسلسلة وتم الموافقة عليها وتعيينى رئيسا لتحريرها،وبالتأكيد اصتدمنا ببعض العراقيل والمعوقات إلى أن رأت السلسلة النور،وخرج أول كتاب لها "الموسيقى القبطية والموسيقى اليهودية فى أحضان النيل" بقيمة علمية رفيعة وبلغة أدبية بسيطة تخدم المتخصصين والعامة وتوالت الإصدارات ما بين ألحان برحيق الفراعنة،سفينة أغانينا الجميلة،أنغام فلكلورية مصر،النهر الخالد،الموسيقى فى الإسلام،فن العزف على آلة الكمان،وغيرهم من الإصدارات, ولكن أذكر إصدارا مهما عن الراحل الدكتور على عثمان بعنوان "نسمة من الجنوب" والذى جاءتنى فكرته أثناء سرادق العزاء وعرضتها فى الحال على مؤلفته أستاذتنا الدكتورة حنان أبو المجد والتى تحمست بشدة, كذلك يستوقفنى المجهود الضخم الذى بذلته لإعادة طبع واحد من أمهات الكتب الموسيقية "تاريخ الموسيقى العالمية" لثيودور فينى ترجمة رواد الموسيقى دكتورة سمحة الخولى وزوجها المؤلف دكتور جمال عبد الرحيم, وفى هذا السياق أتقدم بالشكر الجزيل لابنتيهما الفنانة الدكتورة بسمة عبد الرحيم التى منحت السلسلة الحق لإعادة الطبع وتنازلت عن المستحقات المالية واعتبرت هذا الكتاب صدقة جارية على روح والديها،وأعتقد لو لم يصدر عن السلسلة سوى إعادة طبع هذا الكتاب فقط لأعتبره إنجازا أفخر به كثيراً.

أما آخر الإصدارات الكتاب رقم 15 وعنوانه "أسرار الفيولا" للدكتورة رشا يحيى فيعتبر إضافة حقيقية للمكتبة الموسيقية باعتبارها واحدة من أمهر عازفى الفيولا وفى جعبتها الكثير ليتقارب محبو الموسيقى مع واحدة من أروع وأرق الآلات الموسيقية بما لديها من إمكانات أدائية وتقنية عالية،فتبعث إلينا مباهج الحياة وتكون الزود عن كل نقيصة،وتبث فينا الروح حين تسكنا الآنات،فهى فيض غزير من الإلهام يجتاحنا بتناسق وتوافق وانسجام.

وفى هذا الكتاب تقدم لنا المؤلفة أسرار آلة الفيولا منذ نشأتها وتطور صناعتها فى أوروبا،وتتطرق لأهم المشكلات التى واجهت تطور صناعتها،ثم تطوف بنا حول فن العزف على الفيولا وأبرز مبدعيها،بعدها تنطلق لأهم المؤلفات التى كتبت خصيصاً للآلة فى العصور الموسيقية المختلفة،لتختتم أسرار الفيولا مع أهم رواد هذه الآلة،كما تشير لاستقلالها وتحررها من التبعية لآلة الفيولينة،وتطرقت لمدارس العزف على الفيولا وأشهر عازفى كل مدرسة, كتاب يحمل فى طياته كثيرا من المعلومات الفنية والتاريخية الشيقة والمثيرة للقارئ لآلة يندر التعرف عليها،لذا فهى محاولة جادة من سلسلة عالم الموسيقى للإفصاح عن هوية واحدة من أجمل الآلات الموسيقية الوترية, والتى يعتبر العزف عليها له متعة خاصة،فهى عملية تترجم إبداع الأنامل حين تعانق جسد الآلة فتهدهدها بمشاعر داخلية للفنان العازف فيقدم لنا عيداً للعزف وعرساً للنغمات التى تتجاوز حدود السلم الموسيقى بنغماته السبع فتشعر وكأنها أعداد غفيرة من النغمات التى لا تعد ولا تحصى حين تقطنها موسيقى داخلية تتسامى داخلك نحو الارتقاء حقاً إنه "عالم الموسيقى".

المصدر: كتبت : د.رانيا يحيى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 321 مشاهدة
نشرت فى 25 يوليو 2019 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,746,615

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز