كشفت إحصائيات رسمية تراجع عدد الزيجات خلال الثلاث سنوات الأخيرة وكان ارتفاع تكاليف الزواج ومغالاة الأهل فى مطالبهم السبب الأبرز، ما جعلنا نتساءل كيف لشاب فى مقتبل عمره أن يفى بتجهيز شقة الزوجية وفقا لتطلعات مبالغ فيها من قبل العروس وأهلها؟ ولماذا يثقل أهل العروس أعناقهم بأدوات وأجهزة ليست العروس فى حاجة إليها رافعين شعار «دى عاداتنا وتقاليدنا »؟ والأهم كيف يمكن مواجهة ارتفاع تكاليف الزواج، وتغيير سلوكيات المجتمع وثقافاته؟
تساؤلات عديدة طرحتها «حواء » على د. دعاء المنسي، مستشارة العلاقات الأسرية والإرشاد الأسرى لنقف على أسباب المشكلة وطرق حلها..
في البداية كيف ترين مشكلة المغالاة في تكاليف الزواج خاصة في المجتمعات الريفية؟
لا شك أن تكاليف الزواج أصبحت عبئا كبيرا على الشباب والأهل خاصة مع ارتفاع الأسعار الذى جعل أهل العروسين يواجهان تحديات كبيرة ترهقهم ماديا ما يكون سببا كبيرا في رفض زيجات بسبب المتطلبات المبالغ فيها، الأمر الذى يؤدى إلى خلق مشكلات أكبر كازدياد نسب العنوسة وارتفاع نسب الطلاق والتحرش وغيرها من المشكلات الاجتماعية الأخرى.
وما أسباب المشكلة من وجهة نظرك؟
أعتقد أن أكثر الأسباب انتشارا هي الوجاهة الاجتماعية، حيث يتباهي أهل العروس والعريس بأن الزيجة تكلفت مبالغ طائلة والفرح تم تنظيمه في أفخم الفنادق، بجانب أن الأهالي تعتقد خطأ بأن تأمين مستقبل العروس المادي مهم ما يجعلهم يشترطون المهر أو قائمة المنقولات بمبالغ طائلة وهو غير صحيح بالمرة.
إذا كانت الماديات لا تضمن زواجا ناجحا، فما الأسس الصحيحة التي تضمن نجاحها؟
أولا لا بد أن نؤمن تماما أن المال لا يجلب الأمان أو السعادة مطلقا، بل الاختيار الصحيح لشريك الحياة، فأعلى نسبة طلاق في أول ستة أشهر من الزيجات ووصلت إلى 60% من عدد الزيجات وهو رقم رهيب، للأسف هذه النسبة تكون في الطبقات الأعلى ماديا واجتماعيا، لذلك فالأخلاق يجب أن تأتي أولا عند النظر إلى مواصفات شريك الحياة لابنة العائلة وليس بمستواه المادي فقط، كما أن التربية عامل مهم في تقييم المتقدم لنيل طلب يد ابنة الأسرة، لكن ما نراه من اختلال في منظومة القيم لدى المجتمع التي بالفعل انعكست على تفكيرنا وتقييمنا للأمور جعلت العائلات تهرع إلى التقييم المادي ظنا منها أنه الأمان والضمان لحياة سعيدة وهو ما ثبت خطأه بالتجربة الحياتية فكم من زيجات كلفت مبالغ طائلة وفشلت.
هل تعتقدين أن المشكلة في الأهالي أم في الشباب؟
المشكلة الأكبر هي عقد المقارنات وفي ظل ما نعيشه من فضائيات ومسلسلات ووسائل التواصل الاجتماعي ترسم البنات أحلامهن بطريقة غير واقعية بالمرة، ويتمنين الزواج من ثري، كما تتسبب فى فرض الأهالي متطلبات كثيرة تعجز الشباب عن الوفاء بها وفي نفس الوقت إذا تمت ترهقهم ماديا وتترك آثرا سيئا على المحيطين بهم الذين يعقدون مقارنات ويحرصون على تقليدهم، وللأسف أن نسبة العنوسة في تزايد مستمر بسبب مثل هذه الممارسات المجتمعية الخاطئة.
هل تتذكرين قصة كمثال على أن المال لا يكفي لزواج ناجح؟
نعم بالطبع، كنت أعمل في مكان بجانب قسم شرطة وفوجئنا بعربات تنقل أثاث عروس لتسليمها للقسم وكان الأثاث واضح عليه أنه غال جدا، وظهر هذا أيضا في السيارات التي تقل أهل العروسين وكان الأثاث لا يزال جديدا وكأن الزيجة لم تمر عليها أيام فقط، وعلمنا بعد ذلك أن هذا الزواج كان بين أبناء عائلات ثرية وانتهي في قسم الشرطة لتسليم قائمة المنقولات التي كانت تقدر برقم خيالي، فالمال لا يضمن زواجا ناجحا ولا حياة سعيدة، فكم من حالات أعرفها من خلال عملي بدأ الزوجان حياتهما بأقل التكاليف وبإمكانيات بسيطة لكن تم الاختيار على أسس سليمة من تربية وأخلاق وتوافق اجتماعي وفكري ومن الله عليهما بالبركة ويعيشان سويا في سعادة، فالمال لا يشتري سعادة ونقصانه لا يقل منها.
وما الحلول التي قد تحد من المبالغة في تكاليف الزواج؟
أولا يجب أن يكون الموضوع نابعا من الأهالي، وقد ظهرت بعض المبادرات الناجحة في هذا الشأن في بعض قرى الصعيد، بأن اتفقت عائلات القرى على قائمة موحدة بالمتطلبات لكل أهالي القرية والاستغناء عن أشياء كثيرة من الأمور المبالغ فيها، وهذا الأمر كان ناجحا لأن أكثر ما يفسد الأمور هو عقد المقارنات بين الأقارب والمعارف لكن بتوحيد قائمة المتطلبات ومنها مبلغا بسيطا للشبكة استطاعوا الحد من المشكلة، وانتشرت هذه المبادرات وآخرهم مبادرة في إحدى قرى محافظة الدقهلية فقد دشن أهالي قرية ميت تمامة مبادرة لخفض تكاليف الزواج، عن طريق إلغاء المهر والاكتفاء بشبكة بسيطة ما سهل الأمر كثيرا على أهالي هذه القرى وأتمنى تعميم هذه المبادرات، ثانيا على مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة أن تتبنى وضع هذه القوائم الميسرة لتعميمها على القرى والمحافظات التي ستلاقي صعوبة في تنفيذها خاصة العواصم وتشجيع الشباب على عدم المغالاة والتباهي لتسهيل إتمام الزيجات.
بم تنصحين الأهالي عند الاتفاق على زيجات أبنائهم؟
أنصحهم بألا يغالوا في متطلبات الزواج من شبكة ومهر وتجهيز عش الزوجية ولا يرهقوا أنفسهم ماديا ولا أهل العريس، فالحياة أصبحت صعبة ويمكن أن تمر بأقل مما نسمع عنه وأن تصبح زيجات ناجحة، وأن ينظروا أولا إلى مصلحة أبنائهم وبناتهم من خلال اختيار الشريك على أساس الأخلاق والتربية ومراعاة ظروفه المادية وعدم التمسك بمتطلبات مرهقة لا فائدة منها.
ساحة النقاش