كتبت : إيمان عبد الرحمن
لم أكن أتخيل أن قصة حبنا التي توجت بالزواج سيكون مصيرها الفشل، فالبعد بيننا وإهماله الدائم لمشاعري ومقارناته الظالمة بيني وممثلات السينما أحدثت جرحا عميقا في علاقتنا، حاولت كثيرا الإصلاح لكنه كان دائم الانتقاد لي والصد، فأنا رومانسية بينما يحتل العمل مقدمة أولوياته، فكان الانفصال حتميا، نعم انفصلنا بسبب الإهمال".
هذه حالة تجسد تأثير الإهمال على الحياة الزوجية والذي نناقشه في هذا التحقيق عبر سرد بعض التجارب ومحاورة المختصين للوقوف على أسبابه وكيفية تجنبه.
كشفت دراسة حديثة صادرة عن مكاتب التسوية بمحاكم الأسرة أجريت على عينة عشوائية من المطلقين، ارتفاع نسبة الخلافات الزوجية بسبب إهمال السيدات الاهتمام بأنفسهن بعد الزواج لـ56%.، كما خلصت الدراسة لجوء الرجال لمحاكم الأسرة فى دعاوى النشوز والطاعة بسبب الملل وعدم تجديد الزوجات لأنفسهن، وقد احتلت النسبة أكثر من 45%. من العينة، بينما أشارت الدراسة مقارنة الأزواج لزوجاتهم لما يشاهدونه فى الأفلام من نجمات التليفزيون وعلى صفحات التواصل الاجتماعى وأحاديث أصدقائهم عن حياتهم الخاصة لترتفع نسبة الطلاق والخلع بين أفراد العينة لـ32%. بينما أشارت نسبة كبيرة من سيدات العينة إلى أن الزوج يهمل الزوجة دائما بحجة الانشغال بالعمل.
المقارنات والمسئوليات
تقول هدي الشربيني، صيدلانية: تزوجت عن قصة حب وبعد زواج دام خمس سنوات وانشغال الزوج الدائم فكرت في الانفصال أكثر من مرة لشعورى المستمر أننى مجرد آلة في المنزل تلبي احتياجات أفراد الأسرة دون أن يشعر بى زوجى أو يهتم بمشاعرى، لكن دائما ما تثنينى أمي عن تلك الفكرة بسبب أبنائى.
وتحكي رانيا المهدي، ربة منزل أن زوجها دائم المقارنة بينها وزميلاته في العمل، ولا يقدر تركها العمل من أجل الأسرة، وتقول: أنا أم لتوأم، أعاني الأمرين بسببهما، لكنه دائم الانتقاد لي، لدرجة أنني طالبته بالبحث عن مربية لابنينا حتى أتفرغ للاهتمام بنفسي مثل زميلاته في العمل.
الروتين وعدم التجديد
كانت هذه بعض التجارب الواقعية التي كان الإهمال سببا مباشرا في سرقة السعادة الزوجية، ولكن ماذا عن الأسباب وكيفية العلاج؟
تشرح د. ريهام عبد الرحمن، مدربة التنمية الذاتية والإرشاد الأسري أسباب الجفاف والإهمال العاطفي قائلة: عدد سنوات الزواج الطويلة ليست سببا مباشرا في إحداث الجفاف العاطفي بل هو ينتج عن الروتين وعدم التجديد في الحياة الزوجية، لذلك يقول خبير التنمية الذاتية الكندي "روبين شارما " ما لم يتجدد يتجمد، والجمود هو الموت، لذلك الروتين اليومي هو السبب الأول في البرود العاطفي، فالحياة الزوجية المملة والخالية من المفاجآت واستعادة الذكريات سببا خطيرا، بجانب التدخل في حياة الآخر بطريقة سلبية خاصة أمور العمل فيتجنب إحدى الطرفين الحديث مع الطرف الآخر خشية من اللوم أو التذكير بالعيوب وعدم الدعم الإيجابي بل على العكس يعطي له الطاقة السلبية، فيحدث الفتور العاطفي بين الأزواج.
وتضيف: يوجد سبب خطير جدا لا نلتفت إليه كنتيجة للسوشيال ميديا التي اخترقت حياتنا، وهو النفاق الاجتماعي على هذه المواقع وإحساس الزوجة أن زوجها مقصر معها ولا يفعل مثل الآخرين فتحدث غيرة ومقارنات غير عادلة تؤدي إلى فجوة في علاقتهما، لذلك يجب أن نعي جيدا ليس كل ما ينشر حقيقيا، وليست كل الصور وما يكتب دليل على السعادة فكثيرا ما يكون الواقع مغايرا تماما لما نراه، كما يجب الالتفات إلى خطورة التربية الاجتماعية الخالية من العاطفة والمودة، فتربية أولادنا تربية صارمة خالية من العاطفة وكلمات الود والتحبب، ومن أهم أعراض الجفاء العاطفي الصمت بين الزوجين، لذلك يجب على الزوجين دعم الآخر بطريقة إيجابية، والمشاركة الوجدانية والمساندة النفسية.
العبء النفسي
تتفق معها د. إيمان عبدالله، استشاري العلاقات الأسرية وتقول: المشكلة الرئيسية من وجهة نظري أن كلا طرفي العلاقة ينتظر من الآخر الاهتمام ولا يبادر به، وعندما لا يجد ما يتوقعه تحدث الفجوة العاطفية بينهما خاصة مع إحداث الحياة اليومية والمسئوليات وتربية الأبناء والتى يقع معها كل طرف تحت ضغط وعبء نفسي كبير قد يصل إلى حد الاضطرابات النفسية وإلى الاكتئاب بسبب "الهجر النفسي".
وتتابع: يعد عدم التعبير عن المشاعر من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الجفاء العاطفي، وغياب الحوار والتفاهم بين الزوجين، فضلا عن الفراغ العاطفي الناشئ عن انشغال الزوج الدائم بالعمل والأصدقاء وتحوله إلى رصيد بنكي فقط ينفق على أسرته، بجانب غياب المشاعر والرومانسية بين الزوجين ما يسبب لا مبالاة وإهمال وفجوة عاطفية قد تصل أحيانا لطلب الزوجة الطلاق، كما أن اهتمام الزوجة وانشغالها الدائم بالأبناء على حساب الزوج سبب خطير لانهيار الحياة الزوجية وشعور الزوج بأنه ليس رقم واحد في حياة زوجته وهو ما يقتل كل المشاعر بينهما وربما يؤدي إلى تفكير الزوج في الزواج بأخرى، لذلك أنصح كل زوجة أن توازن بين مسئولياتها ولا تهمل نفسها وزوجها فالمرأة الذكية يمكنها لعب كل الأدوار بحرفية دون الإخلال بأي مسئولية.
الاهتمام مطلب لا يطلب
تنصح د. إيمان عبد الله الزوجة ألا تطلب صراحة من الزوج الاهتمام لأنه لا يطلب لكن عليها أن تبادر بالاهتمام وعدم الحديث الدائم عن الخلافات والمشكلات والمبادرة بالصلح وتفهم مشكلات وضغوطات العمل التي يتعرض لها الزوج، مع محاولة التجديد وكسر الروتين بينهما، ومساندة الزوج ودعمه لتحقيق أمنياته أو طموحاته العملية، مع أهمية عدم المقارنة بين الطرف الآخر والأقارب والمعارف واللوم الدائم فكل هذه الأسباب تؤدي إلى فجوة في المشاعر يصحبها إهمال وملل.
وتختم حديثها قائلة: السعادة لا ترتبط بمال بل بالقناعة والرضا فيمكن تحقيقها بأبسط الأشياء إذا اتفق الطرفان على ذلك واهتما بحل ما بينهما من مشكلات
ساحة النقاش