كتبت : سكينة السادات
قارئتي المحترمة السيدة أمينة 54 سنة، الموجهة الأولى للغة العربية بالمدارس الثانوية الحكومية، اتصلت بي هاتفيا ثم جاءت لزيارتي، وسعدت بلقائها فقد وجدت فيها المرأة المصرية المكافحة المثقفة المتعلمة واسعة الأفق القابلة للحوار والتفكير في كلمة، فقلت لها على عكس بعض قارئاتي اللائي يكن مقتنعات ببعضالآراء فإذا لم تتوافق نصيحتي مع قناعاتهن في حين يتذمرن ويعارضنني في الرأي لكني أراعي أن يتسع صدري وأدرك أنهن لا يبغين النصيحة بل يردن موافقة على ما اتخذنه مسبقا من قرار،
فأعاود المحاولة حتى أنتزع وعدا لصالحهن بالاستماع إلى النصيحة ومحاولة تنفيذها لأن فيها الصالح العام للأسرة والأطفال والمستقبل .
أما قارئتي السيدة أمينة فقد وجدت فيها الأفق الواسع والاهتمام بالواقع ومحاولة مسايرته، وفي النهاية لا يهمني سوى مصلحة أحبائي قراء وقارئات مجلة حواء.
***
قالت السيدة أمينة: سوف أحكي لك كل الظروف والأوضاع بصدق وصراحة وأبدأ بنفسي فأنا أنتمي إلى أسرة متوسطة الحال، أبي كان موظفا حكوميا، وأمي ابنة عمه ربة بيت، ونحن أربعة إخوة ولدان وبنتان وأنا الابنة الوسطى بين إخوتي الذين واللائي اجتهد أبواي حتى نلنا نحن الأربعة تعليما جامعيا محترما، وتخرجت أنا في كلية دار العلوم وعملت مدرسة بالمدارس الحكومية، وتخرج إخوتي من كليات القمة الطب والهندسة وذلك بفضل كفاح الوالدين وبفضل المحبة والتفاهم بين الأبوين وتعاونهما الصادق وروح الحب والمودة التي كانت تسود بيتنا .
المهم.. في المدرسة التي عملت بها قابلت أول رجل في حياتي وهو زوجي ووالد ابنتي الوحيدة وولداي اللذين يصغرانها بعدة أعوام وعشنا حياة سعيدة بمعنى الكلمة، فقد كان زوجي صورة من أبي عليهمارحمة الله ولهما رضوانه تعالى، كان زوجي أبا وزوجا كريما ورب أسرة مسئول، وكان يحب ابنته )البكرية( والوحيدة د. منى حبا شديدا، وكانت منى ابنتنا متعلقة به بشدة، وبدأ وكأنه لم بيحب سواها رغم أنني أنجبت له ولدين توأم يصغرانها لكنه كان يعاملها بحب وحنان زائد وكأنها صديقته المفضلة في البيت.
***
واستطردت السيدة أمينة.. ومن فضائل زوجي علي أن شجعني على العمل المتقن الجاد ومن ثم فقد حصلت على الترقية تلو الترقية، وكان أستاذا للتاريخ والجغرافيا وله مؤلفات تعتمد عليها الوزارة في بناء الكتب المدرسية، وباختصار كانت حياتنا هادئة إلا من بعض المضايقات اليومية التي تصادف كل بيت، وكانت محدودة للغاية بالنسبة إلينا، وكبرت ابنتي منى ودخلت الجامعة الأمريكية ودرست حتى حصلت إلى الماجستير والدكتوراه في علوم التاريخ والجغرافيا باللغة الإنجليزية، وساعدها والدها وتخرجت ثم التحقت بالعمل في الجامعة الأمريكية، وكنت أنا ووالدها سعداء بتفوقها، وكانت منى ولا تزال جميلة وهادئة ومنظمة ونظيفة في كل ما تلمسه بيدها، ولم تكن في يوم من الأيام متعلقة بأحد الشباب من الأقارب أو زملائها، وكان والدها هو محور كل اهتمامها حتى كان أسود يوم في حياتي وحياتها عندما سقط زوجي مغشيا عليه في عمله وحملوه إلى أقرب مستشفى ثم حملوه إلى بيتنا بعد ساعتين جثة هامدة! انهرت تماما وانهارت ابنتي وأصابتها صدمة جعلتها صامتة لا تبكي ولا تصرخ ولا تتكلم، بل انتابتها حالة ذهول وعدم تصديق بأن والدها قد غاب عن الدنيا، وكانت تكاد لا تتناول إلا القليل من الطعام والشراب، واستعنت بأحد الأطباء النفسيين الذي بذل جهدا كبيرا حتى بدأت رويدا تتعافى، وبدأت بالعودة إلى عملها نصف الوقت نظراً لظروفها الصحية، ثم عادت ابنتي إلى الحياة ولكنها عادت إنسانة أخرى غير منى المرحة المتفتحة الضاحكة المشاغبة، عادت إنسانة منطوية على نفسها صامتة حزينة..
والأسبوع القادم أكمل لك الحكاية بإذن الله تعالى
ساحة النقاش