كتب : عادل دياب

يعشن معنا بأفكارهن وأعمالهن العظيمة، فلا ننسى أن المصرية كانت قديما ملكة متوجة بينما العالم يعيش في الكهوف، وظلت حديثا في المقدمة تسبق غيرها بخطوات. إنهن نساء رائدات نتذكرهن ونفخر بهن.

[email protected]

 لم تنجب صفية زغلول، لكنها عاشت أما لكل المصريين، ومثالا يحتذى في الإخلاص لوطنها ولقضية الاستقلال، والإخلاص لزوجها والوفاء له في حياته وبعد وفاته، عاشت وليس في حياتها إلا "تحيا مصر حرة مستقلة" والإيمان بالشعب المصري العظيم، والوقوف إلى جانب الزوج الذي بدأت حياتها معه وهو المحامي ورجل القانون المرموق، ليصبح بمساندتها زعيم الأمة وأمل استقلالها ومصدر إلهامها سعد باشا زغلول.

هي الابنة الصغرى لرئيس الوزراء المصري مصطفى باشا فهمي، ولدت سنة 1878 وعاشت حياة أرستقراطية مرفهة، ولقبت باسم صفية زغلول بعد زواجها، كما جرت العادة لدى الطبقة الأرستقراطية في ذلك الوقت، واللافت أن زوجها كما أبيها أصبح رئيسا لوزراء مصر، وكان طبيعيا أن تشعر بالسعادة بسبب ذلك، فأي فخر أن تكون ابنة رئيس الوزراء ثم زوجة رئيس الوزراء، لكن صفية هانم لم يسعدها تولي زوجها الوزارة، وكانت تقول للوفود التي حضرت للتهنئة "يجب أن تقدموا لي العزاء وليس التهنئة، إن زوجي سعد زغلول هو واحد من أكبر زعماء الأمة، أما الآن فهو في مكان أقل بكثير، فما قيمة رئاسة الحكومة مقابل زعامة الأمة؟!"، وعندما قدم الباشا استقالته من رئاسة الوزراء، استقبلته مبتهجة قائلة "هذا أسعد يوم في حياتي، مهمتنا الكفاح وليس تولي المناصب".

إنها شخصية المرأة الوطنية العظيمة، التي لا تغريها مظاهر السلطة ولا بهرجة القصور، وهي من ولدت ونشأت في القصور، هذه الشخصية القوية المترفعة المثقفة هي ما جعلتها من أوائل النساء اللاتي يخرجن في المظاهرات للمطالبة بالاستقلال أثناء ثورة 1919، وكانت مع هدى شعراوي على رأس مظاهرة اتجهت لميدان التحرير، وحين تصدى لهن القائد الإنجليزي قائلا إن ما يمنعه من إطلاق النار عليهن هو أنهن من النساء، خلعن النقاب وبدأن الهتاف مطالبات بالاستقلال في تحد شجاع لسلطات الاحتلال.

وعقب نفي زوجها الزعيم سعد زغلول إلى جزيرة سيشل، أعلنت حملها للواء الثورة، وفتحت بيتها للوطنين والثوار، وأصدرت بيانا قرأته سكرتيرتها على الحشد المجتمع أمام بيتها، والذي أصبح معروفا ببيت الأمة، تقول فيه "إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعدا، فإن شريكة حياته السيدة صفية زغلول تشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وأن السيدة صفية في هذا الموقع تعتبر نفسها أما لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية".

كان لكلماتها أبلغ الأثر، فهتف أحد قادة المظاهرة قائلا "تحيا أم المصريين"، ومنذ ذلك اليوم اكتسبت اللقب الذي ظل ملازما لها وعرفت به إلى الأبد.

وتحت ضغط الثورة، وبعد أن اعتلت صحة الزعيم سعد زغلول بسبب مناخ جزيرة سيشل، نقلته سلطات الاحتلال إلى مستعمرة جبل طارق، وظلت صفية تضغط وترسل البرقيات للسلطات البريطانية، إلى أن سافرت لزوجها في جبل طارق وظلت معه حتى عاد إلى أرض الوطن منتصرا. لقد نجحت الثورة وحصلت مصر على الاستقلال سنة 1922، صحيح أنه لم يكن استقلالا كاملا، لكنه كان كافيا ليقوم المصريون أخيرا بإصدار دستور 1923 وتأليف وزارة يرأسها زعيم الأمة سعد باشا، وكانت مصر بذلك أول الدول استقلالا عن الاحتلال، وهو الاستقلال الذي سيكتمل تماما بعد ثورة 1952.

لقد كانت السيدة صفية علامة مضيئة في تاريخ الحركة الوطنية المصرية وفي تاريخ حركة تحرير المرأة، كانت مثقفة ثقافة رفيعة، وتركت رصيدا كبيرا في وجدان المصريين، وبعد وفاة زوجها ظلت تحمل وطنها في قلبها وهي تطل كل يوم من شرفة منزلها على ضريحه، حتى انتقلت إلى جوار ربها في 12 يناير 1946 تاركة وراءها سيرة عطرة لامرأة مصرية جديرة بالتوقير والاحترام.

المصدر: كتب : عادل دياب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 257 مشاهدة
نشرت فى 25 مارس 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,852,037

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز