كتبت : أميمة أحمـد
لا تجد أحدا من جيل الثمانينيات وما قبلها إلا وحدثك عن الفوازير بوصفه ذكرى مشتركة بين الجميع، ولا يأتي شهر رمضان المبارك إلا وتحرك مؤشر البحث اللإلكتروني تجاه نيللي وشريهان وفطوطة! لماذا ارتبط في أذهاننا لمة شهر رمضان حول الفوازير؟! لماذا كانت آمال فهمي ونيللي وشيريهان وسمير مصدرا للبهجة؟ حاولنا أن نناقش الأمر مع المتخصصين فكان هذا التحقيق..
عندما فكرت الإذاعية الراحلة آمال فهمي في شكل جديد يضيف إلى الإذاعة رونقا وتجديدا؛ فجاءتها فكرة الفوازير، نجحت في أن تجمع الأسرة بجانب الراديو لسماع الفزورة وحل اللغز، ولاقت الفزورة المسموعة شعبية كبيرة، إلى أن فكر المخرج محمد سالم أن ينقلها إلى الشاشة الصغيرة بمشاركة ثلاثي أضواء المسرح، وأصبحت الفوازير لها مكان ثابت على الخريطة.
الملحن المعروف سمير حبيب كانت له مشاركة مهمة في فزورة "فطوطة" التي قدمها سمير غانم وفهمي عبد الحميد، والذي لحن أيضا لسمير غانم ونيللي وشريهان، في البداية يقول لنا: رحيل العباقرة من المخرج الكبير فهمي عبد الحميد والشعراء الكبار صلاح جاهين وعبد الرحمن شوقي، جعل هناك صعوبة كبيرة أمام استمرارية الفوازير، فهؤلاء كانوا بمثابة المطبخ الذي تخرج منه الفزورة، وبرحيلهم رحلت الفزورة فكانوا عباقرة عظماء إلى جانب أنهم عملوا مع نجوم استثنائيين مثل سمير غانم ونيللي وشريهان، يتذكر حبيب تلك الأيام بقوله: عملت معهم وأتذكر سمير غانم مثلا الذي كان بمثابة مؤسسة بمفرده يفكر بنفسه بكل تفاصيل الفزورة دون الاستعانة مثلا بمصمم أزياء أو شخص ليكتب له العبارات، نيللي كانت تغني وتقدم الاستعراض وتبتكر حركات كانت مبدعة ومثلها شريهان التي كان ليس لها مثيل، بالطبع إذا اجتمع هؤلاء ستكون النتيجة التي كما رأيناها، واستطرد قائلا: عندما قدمنا فزورة "فطوطة" لم تكن علاقاتي بسمير غانم جيدة، فقد كان غير مقتنع بي على الإطلاق، ولكن بعد أن سمع لي لحن المقدمة، بدأ في الالتفات لي وشكرني، أتذكر أيضا أنه عندما قدمت تصوري لصوت "فطوطة"، كانت هناك مشكلة أنهم غير مقتنعين بأداء الصوت؛ فأشرت أما عند التفكير في لون بدلة فطوطة، كنت قد لاحظت أن سمير غانم يتناول الخضراوات كثيرا فاشرت عليه بالبدلة الخضراء فأعجبته، ونشأت بيني وبين سمير علاقة صداقة حتى اليوم.
ترى الفنانة مروة عبدالمنعم أن اختفاء الفوازير ترك أثرا كبيرا في حياتنا، خاصة لجيلنا الذي تربى عليها فأصبحت ذكرى جميلة لأجيال مختلفة، وفي رأيي أن سبب اختفائها يرجع إلى زيادة تكلفتها، تختتم مروة قولها: أنا من أمنياتي تقديم الفوازير ولكن أين المنتجون؟
أما الناقدة السينمائية الكبيرة ماجدة موريس فترى أننا افتقدنا الفوازير كثيرا، وتضيف: أفتقد كثيرا فوازير شهر رمضان، حيث كنت أنتظرها يوميا لسماع كلمات التتر بأصوات أبطالها، وكثيرا ما أحن إلى صوت زوزو نبيل في فزورة ألف ليلة وليلة وأسعد بها كثيرا، أعتقد أن فوازير رمضان نشأت في ظروف أخرى غير التي نحن بها الآن فكان تليفزيون الدولة المصري هو المهتم بها وكان هناك فنانون استثنائيون لديهم القدرة على الاستعراض والرقص ويتدربون لشهور طويلة على كل ما يخص الفزورة، وكان هناك أيضا المخرج المبدع فهمي عبدالحميد والكاتب صلاح جاهين، إلى جانب الإذاعة التي كانت في قمة مجدها هذه الفترة وكانت هي الخطوة الأولى في نشأة الفوازير، كان شهر رمضان مقسم إلى فترة ما قبل الإفطار حيث يستمع الجميع إلى الإذاعة حتى موعد مدفع الإفطار ثم يستمعون إلى الفوازير والتي كانت عبارة عن حلقات صغيرة لكن كانت بالغة الإبهار، وبعد الإفطار بساعة ونصف يبدأ التليفزيون في عرض البرامج والفوازير بداية من سمير غانم ونيللي وشريهان، لم يعد لدينا مخرجون في عبقرية فهمي عبدالحميد، فأنا كنت أعرف أن الفوازير كانت تستغرق صناعتها العام بأكمله فكانت تخرج بالشكل الرائع الذي نعرفه.
أما كاتبة الطفل والسيناريست الكبيرة فاطمة المعدول، فتؤكد أن السبب في اختفاء الفوازير هي تكلفتها العالية وكان الإنتاج قديما من التليفزيون المصري أما الآن فالإنتاج أصبح للشركات الخاصة والتي هدفها الربح أكثر، تضيف: أرى أن الفوازير كانت عبارة عن فقرة منوعات جميلة جدا وأتمنى لو نتجه إليها ثانية فنحن لدينا الكثير من المؤلفين والمخرجين الرائعين والممثلين الذين في استطاعتهم تنفيذها بشكل جيد جدا أمثال نيللي كريم والتي قدمت أيضا فوازير في مرحلة ما في صغرها.
ونختتم الرأى بقول الناقد الفني محمد شوقي: الفوازير في رمضان كانت متعة مؤكدة، لا تنقطع عن بيت مصري، وعندما نعود إلى البدايات نجد أنها بدأت في أواخر الستينيات مع ثلاثي أضواء المسرح وتناوب عليها أكثر من فنان أعتقد أن أهمها كان فوازير نيللي، هذه الفوازير تعد أيقونات للإنتاج التليفزيوني؛ لدرجة أنه قيل لا يمكن أن يكون شهر رمضان بدون فوازير، ومع مرور الوقت اندثرت الفوازير من فوق شاشة التليفزيون، وأنا أتذكر أن نيللي قالت في أحد الحوارات عندما سألها صحفي: هل ستقدمين فوازير مرة أخرى، قالت كيف أقدم الفوازير في عصر "الكليبات" والفضائيات فالفوازير لها مواصفات خاصة، لدرجة أنني أتصور أن المشاهد نفسه أصبح غير شغوف بالفزورة، فغزو مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات المنوعات العالمية جعل الجمهور عزوفا عن فكرة الفزورة!
ساحة النقاش