بقلم : سكينة السادات
أسوأ ما يمنى به الإنسان في الحياة هو عدم الاستقرار والسعادة فى بيته! فالبيت مفروض أن يكون هو الواحة الآمن التى يستريح فيها الإنسان من هموم العمل وظلم الناس لبعضهم البعض أحيانا وأن تكون تعيسا شقيا فى بيتك لأسباب لا دخل لك بها فعلا أسوأ ما يصيب الإنسان فى حياته!
قالت لى السيدة نجية (38 سنة): أنا إنسانة بسيطة جدا من أسرة تعتبر فقيرة إذ أن لى ستة من الأشقاء والشقيقات لم يحصل أى منهم على أكثر من دبلوم صنايع فقد كان الحمل ثقيلا على والدى الذى كان يعمل باليومية فى الحقول التى حولنا وكانت أمى تحاول بشتى الطرق أن تقدم لنا كل الضروريات فكانت تربى الدواجن وتبيع البيض (والجبن القريش) حتى تساعد أبى فى المصاريف، وكما يتبين لك نحن نعيش فى الريف لكنه ريف القاهرة فنحن نسكن فى إحدى الجزر الموجودة فى النيل ووسيلتنا الوحيدة للتنقل هى المعدية التى تقلنا من جزيرتنا إلى شاطئ كورنيش النيل حيث القاهرة العامرة التى نذهب إليها كلها أردنا بيعا أو شراء أو الذهاب للطبيب أو الصيدلية وقد تعودنا هذه الحياة أبا عن جد، فسكان الجزيرة يعرفون بعضهم البعض رغم أن حولنا أراضي زراعية شاسعة يعمل فيها أبى ومعظم شباب الجزيرة! وبيوتنا ريفية بعضها مبنى بالطوب الأحمر والبعض الآخر ما زال مبنيا بالطوب اللبن المصنوع من الطين الذى هو لين جداً وقابل للانهيار فى أية لحظة لكن بيتنا والحمد لله رب العالمين كان مبنيا بالطوب الأحمر وكنا نعتنى به اعتناء فائقا فظل فى أحسن حال إلى اليوم!
واستطردت السيدة نجية لم أصل فى دراستى إلا إلى السنة الثانية الإعدادية ورأى والدى أن الزواج خير للبنات وكانت اختاى اللتان يكبرانى قد تزوجتا وعاشتا بعيدا عن الجزيرة فى إحدى قرى محافظة الجيزة، وعندما تقدم زوجى وأهله لخطبتى قال إنه لم يحصل إلا على دبلوم صنايع وأنه يعمل فى أحد محلات بيع الأخشاب لكن أسرتى وافقت عليه إذ أنه من أسرة طيبة فى جزيرتنا ولهم بيت جميل على الشاطئ مليء بالخير، ووالده يمتلك عدة قراريط يزرعها ويبيع محصولها من البلح الأمهات والبلح الأحمر، وكانت والدته معروفة بأنها سيدة محترمة كريمة إلى أبعد الحدود، وطبعا وحسب عوائدنا فإن زواج الابن وإقامته تكون فى بيت العائلة!
واستطردت السيدة نجية.. ورجحت كفة زوجى من بين من تقدموا لى فقد كان طيبا هادئا محترما لم يسمع أحد عنه إلا كل خير، ومن هنا عافرت أمى وجاهد أبى حتى جهزانى بالضروريات المعقولة وتم زفافى إلى زوجى الطيب وانتقلت إلى بيت أسرته وكنت أسعد الناس بخدمة حماى وحماتى اللذين كانا يحبانى حبا جما!
وكان يعيش معنا فى البيت أخ يصغر زوجى بعدة سنوات أما البنتان شقيقتا زوجى فقد تزوجتا فى الجزيرة، وكانت تربطنى بالجميع أواصر الحب والاحترام وكنت أخدم والد ووالدة زوجى من أول طلوع الفجر حتى يناما وأنا مسرورة جدا، فقد كانا نعم الناس، وحملت فى ابنى الكبير مصطفى وفرحت به جدته وجده ولم يقل جهدى ونشاطى حتى بعد أن أنجبت ابنى الذى يليه أحمد، وكانت حماتى تطلب من أن تأتى بمن تساعدنى فى شئون البيت وبيوت الفلاحين، يا سيدتى يبدأ العمل فيها من الفجر إلى الغروب بدون هوادة، فهناك رعاية المواشى والطيور والنظافة والطهى وحلب الجاموسة والبقرة وتنظيف (الزريبة) ورعاية الأولاد وقبلهما الجد والجدة! وعشت حياة راضية وكان الجميع يطلب من شقيق زوجى وهو يعمل فى إحدى الشركات بالجيزة، كانوا يطلبون منه أن يتزوج، وكانت حماتى تعرض عليه كثيرات من بنات العائلات والبيوت المحترمة لكنه كان يتهرب من إبداء الرأى حتى علمنا يا سيدتى أنه يحب إحدى الفتيات من غير أهل الجزيرة بل من القاهرة نفسها وأنه يريد أن يتزوجها رغم أن أسرتها لهم سيرة سيئة فى مجتمعهم فهم من أهل الشقاق والخناق ولديهم مشاكل كثيرة مع جيرانهم، وقال حماى أن مثل هذه الفتاة لا تصلح أن تكون زوجة لابنه فهى قاهرية لا تعرف من شئون بيوت الفلاحين شيئاً، وقالت حماتى هذه الفتاة لن تستريح هنا وعليك أن تبحث عن غيرها لكن عمران شقيق زوجى تمسك بها وقال إنه لن يتزوج غيرها!
•
واستطردت السيدة نجيبة.. وطلبت أسرة العروس مهرا وشبكة وقام والد زوجى بمساعدة ابنه فى مصاريف الزواج وأعددنا للعروس حجرة جميلة ومفروشات جديدة، وجاءت سناء إلى البيت فى زفة كبيرة بالقوارب المزينة بالأنوار والأعلام وأقيمت الأفراح وتم زفاف عمران إلى سناء وكنا جميعا فى خدمة العروسين!
واستطردت السيدة نجيبة.. ومنذ أن دخلت سناء البيت لم يعجبها أى شيء وكانت تتهكم على معيشتنا، ثم كانت الكارثة عندما توفى والد زوجى فجأة ولحقت به حماتى بعد ثلاثة شهور من وفاته وبعد أربعين يوما من وفاة حماتى انقلبت حياتنا رأسا على عقب، سناء تريد أن نبيع بيت الأسرة ونترك الجزيرة وتعيش فى القاهرة، وبدأت المتاعب الحقيقية والأسبوع القادم أكمل لك الحكاية!
ساحة النقاش