حوار : منار السيد
له من اسمه نصيب فهو ساطع في سماء البطولات وجنة الخلد،استمد من اسمه قوته وصلابته، لم يعرف معنى المستحيل ولم يستسلم للآلام فهو الشهيد الحي الذي عاش ليكون قدوة لنا لصلابته وتضحياته، وبعد استشهاده أصبح الشهيد الحي الذي مازلنا نروي حكاية صموده في دفاعه عن وطنه وصلابته لتحمل الآلام وإصراره على خدمة الوطن لآخر نفس في حياته،إنه الشهيد العميد ساطع النعماني الذي أصيب إصابات بالغة في قسم بولاق الدكرور في يوليو 2013 وعاش بالآلام 5 سنوات حتى وافته المنية منذ 3 سنوات،"فهو الشهيد الحي عاشق تراب الوطن" كما وصفته لنا زوجته المناضلة د. نسرين العزازي والتي استمدت من بطولاته الصلابة والقوة لتكافح من أجل ابنهما ياسين ابن الـ11 عاما.
بعد 3 سنوات من رحيل الشهيد البطل.. كيف استطعت اجتياز هذا الابتلاء الصعب؟
حتى الآن لا أستطيع الحياة بدونه فهو كان السند لنا جميعا، الزوج المحب المتحمل للمسئولية والابن البار لعائلته، والأخ والأب الحنون فهو بطل في إنسانيته وحبه لوطنه فهو بطل بالفعل والقول فهو القائد في عمله وفي بيته، كان سندي أنا وياسين ونحيا على سيرته العطرة وحكاية صموده وبطولاته التي لم أكن أعرفها إلا بعد استشهاده، وكم أنا فخورة وابنه على مواقفه الإنسانية والبطولية التي يحكي عنها كل من يعرفه، وحاليا أتذكر كلمات ساطع وأفعاله لأحدثها لابنه فهو أب ترك لابنه ذكريات جميلة بالرغم من فترات الآلام فهو كان يتحامل على نفسه ويخرج معنا ويلعب مع ابنه ويتحدث معه، فهو كان شخص يتميز بقدرته على الاحتواء، فهو أيقونة الوطنية التي نتعلم منها حب الوطن.
مواجهة الشهيد للإرهاب الغاشم ليست الأولى،فماذا عن مواجهته لهم فترة التسعينيات؟
تزوجنا عام 2005 والبطل كان يعمل بمطار 6 أكتوبر ثم انتقل إلى قطاع الترحيلات بمحكمة الجيزة حتى قسم بولاق الدكرور، ومنذ عمله بالشرطة كان يخدم في المنيا وأسيوط وقد شارك في مرحلة مقاومة الإرهاب في فترة التسعينيات في الأقصر حينما كان هناك إرهاب غاشم على السياح في المعابد وكان هو وزملائه على خط الدفاع،وكان من الممكن أن يتعرض للإصابة والاستشهاد في أي وقت لكن لم يخطر ببالنا يوما أن هذا قد يحدث، فكلما تكونين في الموقف يرفض عقلك تصديق أي خطر قد يواجهك.
وماذا عن أحداث يناير 2011؟
أتذكرفي هذا الوقت ومع احتراق الأقسام ظل الشهيد ساطع خارج المنزل لمدة أسبوع وشاهد أهوال كالكثير من ضباط الشرطة في هذه الفترة، حيث إنه عاد إلى المنزل بصعوبة بسبب المهاجمين من البلطجية ومثيري الشغب، وكانت فترة صعبة حيث لم أستطع التواصل معه، ومنذ وقتها وبدأ القلق والخوف يؤرقني أكثر من ذىقبل وبدأت أعيش معه مرحلة من الخوف الدائم عليه.
كيف استعد الشهيد البطل لأحداث فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة؟
كان الشهيد ساطع في إجازة مرضية في هذا التوقيت وبالرغم من ذلك قرر النزول وقطع الإجازة وحينما عارضته أصر على ذلك وبالفعل ذهب لعمله وبما أنه حالة طوارئ كنت أعرف أنه سيقضي ليلته في العمل وهى الليلة التى ألقى فيها مرسى خطابه، وبعدها حاولت الاتصال به للاطمئنان عليه لكنه لم يرد ولم يخطر ببالي مطلقا أن أصيب بمكروه لذلك حاولت الاتصال أكثر من مرة، وبعدها اتصلت بي أحد صديقاتي وسألتني إذا كان الشهيد ساطع في القسم أنلا وحينما سألتها لم تجاوبني عن السبب، حتى تأكدت من سياق الحديث أن مكروها ما أصابه.
كيف حدث الهجوم على قسم بولاق الدكرور الذي أصيب من خلاله الشهيد؟
فوجئ ساطع بمجموعة كبيرة من أهالي بولاق الدكرور واقفين فوق كوبري ثروت ومجموعة من أهالي بين السرايات في أول شارع المروة وقالوا له إنه يوجد ملثمون يضربون النار بطريقة هجومية وطلب من الأهالي العودة لمنازلهم خوفا عليهم وتقدم هو للمواجهة وبعدها أصيب بطلق ناري في الوجه وقام الأهالي بنقله للمستشفى على دراجة بخارية، بعدها تم نقله لمستشفى الشرطة، وعندما ذهبنا إلى المستشفى وجدت الجميع يطمئنني بالرغم من أنه ظل 12 ساعة بالعمليات لأنه نزف كثيرا وأثر ذلك على وظائف الجسم كاملة بعدها دخل في حالة غيبوبة لأكثر من 60 يوما، وحينما ساءت الحالة سافر للخارج لاستكمال علاجه، واستمرت رحلة العلاج 5 سنوات.
لم يستسلم الشهيد للآلام وبعد عودته أصر أن يعود إلى خدمته بصفوف وزارة الداخلية، فما السبب وراء إصراره على ذلك؟
عاد إلى مصر وكله أمل وتفاؤل ببدء حياة جديدة وكان في منتهى الإيجابية والنشاط، وأول مافكر هو تقديم طلب لوزارة الداخلية ليعود إلى العمل مرة أخرى وبالفعل تم الموافقة على الطلب والتحق بقطاع العلاقات الإنسانية،وبذل مجهودا كبيرا في مقاومة الاستسلام والآلام الناتجة عن الإصابة.
وماهي القلادة التي أهداها الشهيد البطل لسيادة الرئيس؟
حينما حضر الشهيد البطل حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة كلية الشرطة بحضور الرئيس السيسى بتاريخ 29 يوليو 2015، قام بإهداء الرئيس قلادة عليها دمه تعبيرا عن عشقه لبلده، فيما قام الرئيس بتقبيل رأسه تقديرا لتضحياته، وهذه القلادة التي كان يرتديها الشهيد البطل خلال إصابته في اشتباكات بين السرايات واختلطت دمائه بها حتى تركت أثرا عليها، فلم يجد هدية للرئيس أكبر من قلادة اختلط دمه بها لتقديمها له.
ماذا عن حضور الشهيد البطل لافتتاح قناة السويس؟
دائما كان ساطع يقول إنه فقد بصره لكنه يرى بعيون المصريين ودائما كان يشعر بمكانته في قلوب المصريين ونحن أيضا حتى الآن نشعر بهذه المكانة، فيكفي تقدير سيادة الرئيس وحضوره الجنازة وتقديره للشهيد، كما أنه كان دائم حضور الندوات والمؤتمرات وتوجه بطلب لسيادة الرئيس لرغبته في حضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، وفي يوم 6 أغسطس 2015، ظهر في المنصة الرئيسية للحفل، بعدما استجاب الرئيس عبدالفتاح السيسي لطلبه أثناء حضوره تخريج إحدى دفعات كلية الشرطة، قبلها بأيام، وهو ما تم الاستجابة له.
وماذا عن العملية الأخيرة التي وافته المنية فيها؟
كانت صدمة غير متوقعة فهو سافر لاستكمال إحدي العمليات المتبقية في مستشفى سانت ماري بلندن، وفي يوم الأربعاء الذي توفي فيه اتصل بنا في الصباح وأخبرني أنه حجز في طائرة التاسعة مساء ليعود إلى مصر وغمرتني السعادة أنا وياسين وكنا ننتظره، حتى فوجئت بخبر وفاته.
كيف عرف ياسين بخبر استشهاد والده؟
عندما علمت بالوفاة جلست مع ياسين وتحدثت معه عن آلام والده وأنه تعب وقد اختاره الله ليرتاح من عذابه، وقلت له إنه يراك ويشعر بك لذلك يجب أن يكون فخورا دائما بك وحينما تشعر باشتياق له ادعي الله كثيرا، وطبعا لم يقاوم الطفل دموعه وانهياره ولكنه دائما يقول "فخور إني ابن البطل"، ومازلت أنا وابني ياسين نكمل حياتنا بالسيرة الطيبة لوالده الشهيد البطل .
ساحة النقاش