كتبت : سكينة السادات
لعلها من أغرب الحكايات التى صادفتها فى حياة صفحة “قلوب نسيت الرحمة” التى بفضل الله سبحانه وتعالى أكتبها منذ أكثر من نصف قرن! ومن خلالها قرأت وسمعت ورأيت أغرب الحكايات التى كنت أكتب بعضها وأمتنع عن كتابة البعض الآخر لما فيه من قسوة وعنف!
أما حكاية اليوم فهى تحمل سؤالا مهماً: هل يحق لأحد الأبناء أن يحتكر الاهتمام بالأم “وخاصة إذا كانت فى سن كبيرة ومريضة” دون سائر الأبناء ويكاد يمنع باقى أولادها من الاقتراب منها بدعوى أن تلك هى رغبتها هي؟ علماً بأن الأم المسنة - 85 سنة- تعانى من عدة أمراض بدنية علاوة على بشائر مرض الزهايمر الذى أحياناً يفقدها ذاكرتها فتنسى أسماء أولادها الآخرين دون أن تنسى اسم ابنها الذى يحتكرها ويلازمها بالطبع.
إنها حكاية عجيبة سوف أحكيها لك مع بعض التفاصيل كما حكتها لى الابنة الوحيدة لتلك الأم وأشقائها الثلاثة وهى تبكى ولا تعرف كيف تتصرف مع أخيها الذى أعيتها الحيل معه من أجل أمها المريضة المسكينة!
***
قالت السيدة صفية - 55 سنة- وهى تبكى بحرقة من شدة الألم النفسى الذى تعانيه ولا تعرف كيف تواجهه فقد جربت كل الحلول والتجارب بلا فائدة.
قالت: لابد أن أحكى لك عن أصلى وفصلى منذ البداية حتى يصل إليك إحساسى بالألم الدفين وذلك لأننى أقف مغلولة اليدين أمام الأم التى أوصانا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: “أمك.. ثم أمك.. ثم أمك” صدق رسول الله، وهى ليست أى أم عادية بل هى أم صالحة مؤمنة بالله ورسوله وقفت إلى جانب أبى طيلة حياته ووقفت معنا بعد وفاته ولم تقصر مع أحد من أبنائها فى شيء، فهى أم تستحق كل التقدير والتكريم خاصة فى سنوات عمرها الكبير وأمراضها المزمنة ومرضها الأخير المؤلم ألا وهو الزهايمر أى فقدان الذاكرة!
***
واستطردت السيدة صفية.. والدى كان يعمل تاجراً للأراضى وكان موسراً ووالدتى ربة بيت تمت له بصلة القربى من بعيد وكنا أسرة من أربعة أولاد ثلاثة ذكور منهم اثنان ولدا قبل أن أولد ثم جئت أنا الابنة الوحيدة بعد ذكرين ثم جاء أخى الأصغر وهو من أشكوه إليك اليوم لكى تنصحينى ماذا أفعل معه بعد أن جربت معه كل شىء بلا فائدة!
تخرج أخواى الكبيران فى الجامعة وبدآ العمل مع والدى فى مكتبه، بالإضافة إلى التحاقهما بأعمال حكومية فى الصباح، وتخرجت من كلية الآداب ولم أعمل فقد كنت فتاة مدللة “مبسوطة” مادياً فلم أتعجل العمل، وتقدم لى مقاول شاب كان يعرفه والدى ويمتدحه كثيراً وكان والده صديقاً لوالدى وهم من ناحية المال أكثر منا ثراءً وجاهاً.. وطبعاً وافقت الأسرة عليه ووافقت أنا أيضاً فلم يكن هناك ما يعيبه وتزوجنا، وتزوج أخواى الكبيران، أما أخى الذى يصغرنى بعدة أعوام فقد كان لا يزال فى كلية الحقوق عندما توفى والدى وأغلق مكتبه واكتفى إخوتى الكبار بالعمل الحكومي.
وأصبح لكل منهما حياته الخاصة وبيته وأولاده وبقيت أمى فى بيت الأسرة مع أخى الصغير الذى كان لا يزال فى الجامعة!
***
واستطردت السيدة صفية.. وظلت أمى بعد وفاة والدى مريضة وممتنعة عن الطعام ونحن من حولها نحاول أن نخفف عنها، وكان أخى الصغير أحمد هو الذى يعطيها الدواء والماء ويشرف على طعامها وكل احتياجاتها، وفى تلك الفترة من الزمان كنا نزورها أنا وإخوتى الكبار يومياً ونشترى لها كل ما تطلبه وكان هو أى أخى أحمد لم يتخرج بعد من الجامعة حتى تخرج وحصل على ليسانس الحقوق وأوجدنا له عملا فى أحد المكاتب الخاصة، وبدأ يعمل ولكن كان اهتمامه الأول بأمنا وكان هذا يسعدنا جميعا، ومرت السنوات سريعة ورفض أحمد الزواج بحجة أنه لا يريد أحداً يضايق أمه، حاولنا أن نثنيه عن عزمه ونسيت أن أقول لك إننى اشتريت الشقة التى كانت تقيم فيها أمى مع أخى باسم أمى من مالى الخاص حتى لا ينازعها فيها أحد ثم بدأت المأساة التى لم نجد لها حل إلى الآن!
الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية!
ساحة النقاش