كتب : طاهـر البهـي
لم تكن السينما والفيديو المصرية ببعيدة عن أوجاع المجتمع؛ فالفن هو مرآة للمجتمع، يرى بها صورته بوضوح الشمس، وكانت القضية السكانية حاضرة بقوة على الشاشتين الفضية والصغيرة، حتى الغناء الشعبي، ابتداء من الفيلم العبقري "أفواه وأرانب" لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والفتى الأول محمود ياسين، إلى "عالم عيال عيال" لسميرة أحمد، والحفيد، تحفة عاطف سالم وكاريوكا ومدبولي .. إلى جانب مسلسلات التليفزيون .. فهل نجح الفن في التصدي للقضية السكانية؟! هذا ما نناقشه..
بلاتوه: من فيلم "أفواه وأرانب" إخراج هنري بركات 1977:
(أنا بحبك يا نعمة/ حبتك العافية يا بيه) بهذا الحوار شديد البساطة والمشاهد الصادقة، استطاع بركات أن يترك تأثيرا بالغا على المشاهد في قضية الزيادة السكانية يعالج الفيلم قضية عدم التخطيط الأسري، فنعمة )فاتن حمامة( تعيش مع شقيقتها الكبرى وأسرتها المكونة من زوجها عبد المجيد وأولادهما التسعة، عبد المجيد سكير من أجل نسيان ديونه، وللخلاص من وضعهم المزري يرى عبد المجيد وزوجته أن تقبل نعمة من زواج المعلم البطاوى، الذى ترفضه نعمة وتهرب إلى المنصورة، وهناك تجد نعمة عملا في المنصورة في مزرعة محمود بيه، الذي سرعان ما يقع في حبها خصوصا بعد انفصاله عن خطيبته، بعدها تعود نعمة لتخبر أختها بنية محمود بيه الزواج منها لتكتشف ما وقع بعد هروبها، كل هذا وسط تسلل المشاهد التي توضح عجز أسرة نعمة على مواجهة عدد أسرتها الكبير.
تعليق: ترى الناقدة الكبيرة ماجدة موريس: أن على الفن دورا كبيرا وشاقا ومؤثرا فيما يتعلق بالتصدى ومعالجة المشكلات و القضايا المجتمعية والتى يأتى فى مقدمتها مشكلة الزيادة السكانية، بشرط أن تأتي أفكاره خارج الصندوق من أجل خلق أجواء توعوية مهمة للقضاء على مشكلة كبيرة تهدد التنمية والبناء في مصر، وقد أصبح القاصي والداني يعلم علم اليقين ما تنطوي عليه هذه القنبلة الموقوتة من مخاطر شديدة الخطورة على الاقتصاد القومى، بل وعلى شكل الحياة على أرض الوطن، وتؤكد أنه على الجميع الوقوف في خندق واحد مع تحرك الدولة للحد من آثارها خلال السنوات القليلة المقبلة قبل أن تلتهم الأخضر واليابس، ومن هنا فإنها تشيد بمشاهد بعينها تعتبرها عبقرية وسابقة لعصرها من » أفواه وأرانب « فيلم سينمائي مؤثر مثل لسيدة الشاشة فاتن حمامة، وتدعوا إلى استكمال هذا الدور من خلال الأعمال الفنية النظيرة.
بلاتوه: الحفيد 1974 المخرج عاطف سالم
زينب أم لديها 7 أبناء، يتقدم شفيق للزواج من ابنتها نبيلة، وهو إنسان مكافح يرغب في النجاح في مستقبله ومستقبل نبيلة، لذلك يتفق معها على ألا تنجب إلا بعد إنهاء دراستها، بعد ملاحظته ورطة والدتها مع كثرة الإنجاب، المثير أن والدة نبيلة تعارض هذه الفكرة بعد أن تتفق سرا مع نبيلة أن تنجب رغما عن رغبة زوجها، حيث توحي لها ألا تتناول حبة من حبوب منع الحمل حتى ترزق بمولودها الأول، وبالفعل تمتنع نبيلة عن ذلك، ويتحقق الحمل فيشيط زوجها غضبا، وبعد أن يكتشف شفيق أن زوجته لم تحافظ على اتفاقهما بتأجيل الإنجاب يترك لها البيت، ونرى في الفيلم حالة الضجيج والأعباء المادية لكثرة الإنجاب.
داخل الكادر: يقترب الناقد الكبير محمود قاسم من الصورة، معلقا على تناول السينما لهذه القضية: ظهرت قضية الزيادة السكانية على السينما المصرية، والدراما التليفزيونية، منذ منتصف السبعينيات، وامتدت لحقبتى الثمانينيات والتسعينيات، وحتى دخول الألفية الجديدة، تتابعت الأعمال سواء الجيدة أو الرديئة على الشاشات المختلفة، لتتناول هذه القضية بما يعود بالنفع على المجتمع كله، حتى نجد زخما من إنتاج الأفلام التى تناولت قضية تنظيم الأسرة، بتعدد الرؤى، أبرزها كان في فيلم الحفيد عالم عيال « 1974 للمخرج الكبير عاطف سالم، وفيلم للمخرج محمد عبدالعزيز، إنتاج 1976 ، تلاه فيلم ،» عيال إخراج بركات، عام 1977 ، وتوالت الأعمال » أفواه وأرانب « السينمائية، حتى اختفت مواجهة في فترة » قضية تنظيم الأسرة « القضية ما مؤخرا وهو ما يستدعى العودة إلى الاهتمام بهذه القضية بصورة مكثفة من خلال الأعمال السينمائية والدرامية وبخاصة مع عملية البناء والتنمية التى نعيشها حاليا.
زووم: يصف قاسم، معالجة السينما للقضية بقوله: إن الدراما التليفزيونية والسينما في مجملهما، عجزتا عن حل الأزمة رغم تطرقهما لها ، على حد تعبيره، مضيفا: السينما والدراما التليفزيونية قدمتا أعمالا كثيرة لتوعية المشاهد بأهمية تنظيم الأسرة، على مدار 4 عقود، ولكن دون جدوى، وفي رأيه أن ذلك ربما كان بسبب تعاملها مع الأمر في سياق كوميدى، كما فى فيلم للفنانة سهير البابلى، التى قدمت شخصية » ليلة عسل « الطبيبة، كامرأة محبة للإنجاب حتى بعد سن متأخرة. فيما أكدت الناقدة الكبيرة ماجدة موريس، على أن الدراما المصرية كان لها تأثير قوى فى تناول قضية تنظيم الأسرة، وحققت نتائج جيدة في وقت ظهور هذه الأعمال، منها للراحل أسامة أنور عكاشة، ،» وما زال النيل يجرى « مسلسل مشيرة إلى أن التناول الدرامى المباشر، الذى قدمته الفنانة القديرة كريمة مختار، عندما جسدت شخصية طبيبة تقدم إرشادات للمواطنين في إحدى مبادرات وزارة الصحة، كان له نجاح كبير، وكان ذلك منذ أكثر من 20 عاما.__
ساحة النقاش