كتبت : سكينة السادات
حكيت لك الأسبوع الماضى من حكاية قارئتى السيدة عائشة ) 38 سنة( وهى جامعية تعيش فى إحدى قرى الصعيد الجوانى، وحكت لى كيف أنهم ما زالوا فى الصعيد يعيشون حياة عائلية متماسكة وملتزمة، فهناك دائما كبير للعائلة يعتد برأيه وتعرض عليه كل أمور العائلة.
وقالت إن كبير عائلتها هو عمها الكبير الذى يكبر والدها 5 سنوات، وأن والدها هو الأخ الأصغر وأن العم الكبير رجل محترم يعمل فى أعمال كثيرة مثل زراعة أفدنة كثيرة جدا ويمتلك مصانع لمنتجات الألبان وتغليف الخضر وتصديرها، ويعمل أيضا فى المقاولات والنقل والاستيراد والتصدير، يعنى يعمل فى كل شىء، وهو الذى يوزع الأعمال على أسرته وعلى القرية كلها، حتى عمدة القرية فإنه يلجأ إليه فى أى مشكلة تعترضه، وتقريبا كل شباب القرية يعملون فى مصانعه ومعامله وشركاته بما فيهم والدها وإخوته، وعندما تخرج أخواها الكبيران عملا مع العم فى شركة المقاولات، وتخرجت أختها وتزوجت من قريب لهم اختاره الأب والعم معا وعملا فى شركة الاستيراد والتصدير، وقالت عائشة إنها تخرجت فى كلية التجارة وبعد تخرجها استدعاها عمها الكبير إلى منزله، فأصابها الخوف والوجل ولم تعرف سبب استدعائه لها، ولم تأكل طول اليوم حتى قابلت عمها فى بيته وسألها عن زميل لها بالجامعة فقد تقدم والده لأخذ رأيه فيها قبل أن يطلبها من أبيها، وهل تقبله زوجا وهو من أسرة فقيرة جدا لا تضاهى أسرتها فى الثراء، قالت عائشة إنها لم تسمع عن ما يعيبه وأن الأمر متروك لأبيها وعمها وأنها لا ترفضه إذا وافقا عليه والأمر متروك للأسرة!
***
واستطردت السيدة عائشة.. وتركت أمر إبلاغ والدى بما قاله عمى لأمى، ومرت عدة أيام وقال والدى لى ونحن نتناول طعام العشاء.
- يا عائشة عمك يطلبك للعمل معه فى مكتب الاستيراد والتصدير وسوف يكون عملك فى تصدير الفاكهة من الأرض الشرقية وتشرفين على كل شىء، هل أنت موافقة؟
قلت له: طبعا موافقة يا أبى وإلا لماذا التحقت بالجامعة وذاكرت وتعبت أربع سنوات إذن؟ قال أبى: وهل تعرفين أن أسامة زميلك فى الجامعة سوف يزورنا غدا مع والده ووالدته لكى يطلب يدك؟
قلت له: لا أعرف يا أبى، قال أرجو أن ترحبى بهما أنت ووالدتك فقد وافق عليه عمك بعد أن سأل عنه، والفقر ليس عيبا يا ابنتى وسوف يعمل أسامة مع عمك ويكون زميلا لك فى مكتب التصدير والله يوفقكما بإذن الله .
قلت له تحت أمرك يا والدى وتحت أمر عمى وما تقررانه سوف أفعله بالحرف الواحد!
***
واستطردت السيدة عائشة.. وقام عمى يا سيدتى بمساعدة أسامة الذى أصبح زوجى بعد ذلك بمساعدة فى كل شىء ولم يحمل أسرته مالا يطيقون وأصبح هذا الجميل طوقا فى عنق أسرة زوجى إلى الأبد وتزوجنا، وفعلا كان ولا يزال زوجى أسامة من أفضل وأطيب الناس فى هذه الدنيا تدينا وأدبا وخلقا ومعاملة، وأنجبنا ولدا وبنتا، ولم يبخل علينا عمى الحاج عبدالجليل بأى شىء، فصار لنا بيتا جميلا وحياة مستقرة بفضل راتبى مع راتبه وبفضل الله سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد، وقد شجعت زوجى على مساعدة أسرته ووالده كبير السن وما زال لديه إخوة وأخوات كثيرات تحت رعايته .
***
واستطردت السيدة عائشة.. أسمعك تقولين وأين هى المشكلة إذن يا عائشة؟ المشكلة يا سيدتى أننى أنا وزوجى فى شركة الاستيراد التابعة لعمى الكبير والتى أصبحنا مسئولين عن جزء مهم منها نلاحظ تلاعبا فى سداد بعض المستحقات من بعض موظفى الحسابات بالشركة، وقد وجهتهم إلى ذلك وقالوا أنهم يسيرون على هذا النهج منذ سنوات عديدة ولا نستطيع أنا وزوجى أن نرى ما يفعلونه حراما ونهبا وفى نفس الوقت نحن لا نجرؤ على أن نقول للعم الكبير هذا الكلام وإلا اتهمنا بالجحود والخيانة وعدم الولاء، علما بأنه إذا حدث ما يعيق عمل هذه الشركة فإن مصيرى أنا وزوجى إلى الطريق العام والجوع والتشرد نحن وأولادنا، وفى نفس الوقت كنت أتمنى أن تكون لقمتنا حلالا صافياً لا تشوبها شائبة، فنحن من أسرة متدينة نخاف من القرش الحرام والوبال الذى يسببه، وفهمت من بعض الموظفين أن عمى لم يحقق فى الأمر عندما عرض عليه وطلب الاستمرار فى العمل كما اعتادوا؟ ماذا أفعل هل أسكت وآكل عيش أنا وزوجى وفى قلبى غصة وألم مما يحدث؟ ليس أمامى شىء آخر فإننى أموت وأوارى التراب أنا وزوجى قبل أن نشي بالرجل الذى أكرمنا وفتح بيتنا وجعل لنا كيانا أنا وكل أسرتى وكل أسر القرية وشبابها علما بأن الناس سرعان ما تصدق السيئات وتنسى الحسنات ولا أطيق على صاحب الفضل علينا بعد الله سبحانه وتعالى أن يصيبه أى ضرر أو ضرار، ماذا أفعل يا سيدتى؟
***
كما تقولين يا عائشة أن عمك إنسان متفهم متواضع متدين ولن يقبل أن يأكل مال أحد، وهو فى غنى عن ذلك المال، عليك أن تجدى الفرصة لكى ينتبه عمك لأفعال هؤلاء الموظفين وأن يفهم وأن يعطى كل ذى حق حقه، وربما فى المرة الأولى لم يجد وقتا لبحث هذا الموضوع ولكننى وعلى ضوء وصفك لعمك فإنه لن يرضى عن أى خلل فى أعماله والله سبحانه وتعالى يوفقك أنت وزوجك وأولادك ويرزقك رزقا حلالا بإذن الله.
ساحة النقاش