كتب : عادل دياب

يعشن معنا بأفكارهن وأعمالهن العظيمة، فلا ننسى أن المصرية كانت قديما ملكة متوجة بينما العالم يعيش في الكهوف، وظلت حديثا في المقدمة تسبق غيرها بخطوات. إنهن نساء رائدات نتذكرهن ونفخر بهن.

 

[email protected]

 

إذا كنت تعرفين أنها السيدة نعيمة الأيوبي، فأنت واحدة من القلة التي تعرف اسم أول محامية مصرية، ذلك لأن الغالبية العظمى، إما أنهم لم يسمعوا بالاسم من قبل، أو قرأوا أو سمعوا أنها السيدة مفيدة عبد الرحمن، والحقيقة أن السيدة مفيدة التي تخرجت في كلية الحقوق عام 1935 هي أول محامية تفتح مكتبا خاصا للمحاماة، أما أول محامية تخرجت في كلية الحقوق عام 1933 وأول محامية تم قيدها في سجلات النقابة عضوا، فهي ابنة محافظة الإسكندرية السيدة نعيمة الأيوبي.

والدها الكاتب المؤرخ إلياس الأيوبي، لكن شغفها بالمحاماة جاء كما قالت من عمها، وكان محاميا محبا للمهنة فخورا بها، وكان يثير شغفها واهتمامها تمثلها للمشهد المهيب لروب المحاماة، ووقفة المحامي في المحكمة، مدافعا عن المظلومين ساعيا لرد الحق لأصحابه، وعبرت عن هذا المعنى بعد أول جلسة لها في محكمة، قائلة “إنني لن أترافع إلا في قضايا المظلومين لأنتصف لهم من الظالمين وسأخصص حياتي لخدمة المهنة التي شغفت بها منذ كنت طفلة، ومنذ رأيت عمي محاميا يفخر برداء المحاماة على أي شيء آخر في حياته” واتخذت هذه العبارة شعارا لها منذ ذلك اليوم، وقد أعجب زملاؤها من المحامين بموقفها هذا على رومانسيته، واعتبروه دليلا على نقائها وتقديرها للمهنة.

كانت الأيوبي أول طالبة مصرية نجحت في امتحان ليسانس كلية الحقوق، وجاء ترتيبها الثالثة عشرة على الدفعة، رغم أنها تعرضت لمرض شديد قبل الامتحانات بفترة قصيرة، كما كانت واحدة من بين أول خمس فتيات التحقن بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) عام 1929.

ما حدث أن نعيمة بعد أن انهت دراستها الابتدائية في مدرسة محرم بك بالإسكندرية، انتقلت مع عائلتها للقاهرة، لتنهي تعليمها الثانوي بمدرسة الحلمية الجديدة الثانوية للبنات، في ذلك الوقت لم يكن التعليم الجامعي متاحا للفتيات، لكن الأيوبي وزميلات أول دفعة طالبات بالجامعة؛ سهير القلماوي، فاطمة سالم، زهيرة عبد العزيز، وفاطمة فهمي، تقدمن بطلب لرئيس الجامعة أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، كما قررن اللجوء لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين طلبا لمساندته، وكان من حظهن أن الأستاذين الكبيرين من رواد التنوير المؤمنين بأهمية تعليم المرأة.

تقول الأيوبي في حوار أجرته معها مجلة الاثنين والدنيا “رأينا أن نلجأ إلى أستاذنا طه حسين، الذي وعدنا بالمساعدة على تحقيق حلمنا في الالتحاق بالجامعة، شريطة أن نلتزم الصمت حتى لا تنتبه الصحف إلى رغبتنا فيتدخل الرأي العام ويفسد مساعيه، وبالفعل لم تعرف الصحافة بالأمر إلا بعد صدور قرار الموافقة على التحاقنا بالجامعة، لكن ظلت النصيحة قائمة”.

نجحت خطة الدكتور طه، وأصبحت نعيمة وزميلاتها طالبات أول دفعة فتيات في الجامعة، أربع منهن في كلية الآداب ونعيمة في كلية الحقوق، عن هذه الفترة قالت الأيوبي “كان الجو الجامعي غريبا علينا، وكنا غرباء فيه، كان الجميع يرقبون حركاتنا وسكناتنا كأننا مخلوقات عجيبة تظهر على الأرض للمرة الأولى، وكنا نتحاشى أن نتحدث إلى الطلبة، أو نقترب من الأماكن التي يكثر وجودهم فيها، وإذا حيانا أحد تجاهلنا التحية، وهكذا أمضينا وقتا طويلا في شبه عزلة، حديثنا همس، وخطواتنا استراق، كانت المرة الأولى التي سمع فيها الطلبة صوتي، حينما اعتدت السلطات على استقلال الجامعة، فثرت مع الثائرين”.

جاء عام 1933 وكان عاما فاصلا في حياة نعيمة، حيث تصدرت صورتها الصفحة الأولى بصحيفة الأهرام، كونها أول فتاة تتخرج في كلية الحقوق، برفقتها في الصورة زميلاتها الأربع أول خريجات كلية الآداب، لتبدأ نعيمة حياتها العملية، وتقرر العمل بالمحاماة، وتصبح أول محامية في تاريخ نقابة المحامين.

وكان دخولها الأول إلى أروقة المحاكم للدفاع عن ثلاثة من رموز الحركة الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزي، هم السياسي فتحي رضوان وأحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة، والصحفي حافظ محمود، ورغم كل الصعوبات والتحديات التي واجهت المرأة في كل عمل تصدت له للمرة الأولى إلا أن مجتمع القضاة ومجتمع المحامين رحب بوجود الأيوبي وزميلاتها بعد ذلك في هذه المهنة.

بالطبع لم يخل الأمر من بعض الضغوط وبعض المنافسة، لكن الوعي وروح العدالة التي تصبغ هذا الحقل الإنساني الثري، جعلت تقبل المرأة في مهنة المحاماة أسهل كثيرا من مهن غيرها، أو كما قالت الأيوبي “كان أهم شيء هو توضيح أهمية الجدية والعمل لتحقيق الأهداف”.

المصدر: كتب : عادل دياب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 406 مشاهدة
نشرت فى 14 أكتوبر 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,697,124

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز