كتب : عادل دياب

يعشن معنا بأفكارهن وأعمالهن العظيمة، فلا ننسى أن المصرية كانت قديما ملكة متوجة بينما العالم يعيش في الكهوف، وظلت حديثا في المقدمة تسبق غيرها بخطوات. إنهن نساء رائدات نتذكرهن ونفخر بهن.

إذا كانت السيدة نعيمة الأيوبي هي أول محامية تخرجت في كلية الحقوق عام 1933، وأول محامية تم قيدها في سجلات النقابة عضوا، فإن السيدة مفيدة عبد الرحمن التي تخرجت في كلية الحقوق عام 1935 هي أول محامية تفتح مكتبا خاصا للمحاماة، وأول محامية تمارس المهنة أمام المحاكم، وأول محامية ترفع دعوى أمام محكمة النقض، وأول محامية ترفع دعوى أمام محكمة عسكرية في مصر.

مفيدة عبد الرحمن من مواليد حي الدرب الأحمر بالقاهرة في 19 يناير 1914، والدها الخطاط الموهوب عبد الرحمن محمد، الذي عرف عنه أنه كتب المصحف الشريف بخط يده 19 مرة، كان رجلا فنانا موهوبا، أبا لخمس بنات إحداهن مفيدة، كان مستنيرا مؤمنا بأهمية تعليم الفتاة، فألحق مفيدة بمدرسة داخلية للبنات، وهي في الخامسة من عمرها، آملا فيما تحظى به المدرسة من سمعة طيبة، فقد كانت مشرفاتها البريطانيات مشهورات بالنظام والترتيب الصارم، وهو ما اكتسبته بالفعل مفيدة، التي استمرت في التعليمحتى التحقت بمدرسة السنية وحصلت فيها على شهادة البكالوريا.

كانت مفيدة في ذلك الوقت تحلم بدراسة الطب مثل أختها الدكتورة توحيدة، لكنها تزوجت مبكرا، قبل امتحان البكالوريا، بعد أن تقدم لها عريس مقبول، هو الكاتب وتاجر الكتب والمصاحف محمد عبد اللطيف، ومن حظها أنه مثل أبيها رجل مستنير مثقف، شجعها على استكمال دراستها والالتحاق بالجامعة، فكانت أول امرأة متزوجة تلتحق بكلية الحقوق.

عن هذه الفترة ذكرت أنها تزوجت وهي لا تعرف كيف تسلق بيضة، لكنها بتفهم زوجها أصبحت بعد فترة ست بيت تعد الموائد العامرة، وأن زوجها كان رجلا محبا للعلم، فلما أحس منها شوقا للدراسة شجعها على العودة إليها، واقترح أن تدرس الحقوق فوافقت.

في البداية فكرت في الالتحاق بمدرسة الحقوق الفرنسية، فوفر لها زوجها مدرسا للغة الفرنسية، لكن بعد فترة قررت وزوجها الالتحاق بكلية حقوق جامعة القاهرة.

في البداية رفض عميد كلية الحقوق الموافقة على التحاقها بالكلية بعد معرفته أنها متزوجة وأصر على مقابلة زوجها، وبالفعل توجه معها زوجها لمقابلة العميد وساندها وتعهد بتقديم الدعم اللازم لها لتتم دراستها، فما كان من العميد إلا أن رحب بها بين الطلاب، لتلتحق بالكلية وهي أم لابنها الأكبر عادل، وتتخرج فيها عام 1935 وهي أم لخمسة أبناء.

عن هذه المرحلة من حياتها قالت “لقد حظيت بأسرة مترابطة متحابة، سواء في كنف أبي أو زوجي، الذي كان صاحب فضل كبير في تعليمي، كان يعاونني في العناية بالصغار حتى أتمكن من المذاكرة، ثم دعمني في عملي بالمحاماة، وكان لا يغار من نجاحي، بل كان نجاحي يحفزه، لهذا أنا مدينة لزوجي بالقسط الأكبر من النجاح، ولذلك عندما نجحت وصرت عضوة في البرلمان وفي مؤسسات كبيرة، كنت حريصة أن أعد لزوجي ملابسه وأمسح حذاءه بنفسي، وكنت أرى في ذلك فخرا لي.. فمفيدة في البيت هي الزوجة التي تحب أن تؤدي واجبات الزوجية”.

عقب تخرجها في الجامعة، عملت مفيدة بإحدى الوظائف الحكومية براتب تسعة جنيهات، لكنها سرعان ما تركت الوظيفة واتجهت للعمل بالمحاماة عام 1939، وتم قيد اسمها في جدول نقابة المحامين في نفس العام، لتمضي فترة التمرين بمكتب الأستاذ أحمد نجيب برادة.

مع أول قضية حصلت على أول حكم بالبراءة لموكلها، فحققت شهرة واسعة، وأصبح أصحاب القضايا يطلبونها بالاسم، لتفتتح لنفسها مكتبا بجوار المطبعة التي يمتلكها زوجها، ولتصبح أول محامية تفتح مكتبا خاصا، ويصبح مشهدا معتادا أن تترافع أمام المحاكم، حتى وهي حامل قبل الولادة بأيام، وقد تكرر هذا المشهد كثيرا، لأن الأفوكاتو مفيدة أنجبت تسعا من الأبناء؛ سبعة أولاد وبنتين.

لم تكن ريادة الأفوكاتو مفيدة قاصرة على المحاماة فحسب، فقد أصبحت أول سيدة تشغل عضوية مجلس إدارة بنك عام 1962، كما انتخبت عضوا بمجلس النواب لمدة 17 عاما متصلة، وترأست الاتحاد الدولي للمحاميات والقانونيات بالقاهرة، كما كانت أول محامية تترافع أمام محكمة النقض والمحاكم العسكرية، وتعاونت مع الأمم المتحدة في قضايا تخص المرأة والأسرة، وأنشأت العديد من مكاتب توجيه الأسرة وبيوت الطالبات المغتربات، كما أصبحت عضوا بمجلس نقابة المحامين، وشاركت في إعداد العديد من القوانين الخاصة بالأسرة، ولم تتقاعد عن العمل إلا حين بلغت الثمانين من عمرها.

وقد رحلت عن عالمنا في الثالث من سبتمبر عام 2002 عن عمر يناهز 88 عاما، بعد رحلة كفاح وعطاء حافلة، وعن حياتها قالت “الحقيقة كان مشواري طويلا جدا جدا، حياة كلها سعادة مع ما داخلها من المتاعب والمشكلات العويصة، لكن إيماني بالله سبحانه خفف عني المتاعب”.

المصدر: كتب : عادل دياب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 480 مشاهدة
نشرت فى 21 أكتوبر 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,825,588

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز