كتبت : سكينة السادات
يا بنت بلدى من الذى قال إن هناك سنا معينة للزواج؟ إن الزواج هو إجراء أكثر ما ينطبق عليه عبارة القسمة والنصيب، وهو فعلا قسمة ونصيب، فقد تصادفه فى مقتبل العمر فتهنأ به أو تشقى به حسب قسمتك ونصيبك، وقد لا تقابله إلا متأخرا وهذا لا يعيبه أو يمنعه أنت وقسمتك ونصيبك، وكما قلت فليس هناك سن معينة للزواج، وقد جعله الله سبحانه وتعالى مودة ورحمة وأساس لبناء الأسرة واستمرار الحياة التى قوامها المواليد والوفيات وكلاهما شرعه الله بقواعد وقوانين، أما الزواج فقوامه حسن الاختيار والتفاهم والتعاون والود والمودة، وأما الموت فليس لنا يد تحكمه فهو يحدث بأمر الله تعالى ولا نستطيع أن نستعجله أو نؤجله، فهو قرار سماوى لا حيلة لنا فيه!
حكاية اليوم جاءتنى من قارئتى المربية الفاضلة عبلة السيد وطلبت منى أن أكتب اسمها الحقيقى لأن الأمر لا يعيبها فى شىء بل ورأى الآخرين حتى تتأكد من أنها تسير على الطريق الصحيح، وفهمت من كلامها أنها شديدة الاقتناع برؤيتها للأمر لكنها تريد رأيا حاسما جازما حتى لا تتردد فى اتخاذ القرار وإليك حكايتها كما روتها لى بكل صراحة!
قالت الأستاذة عبلة السيد، 54 سنة، أتحدث إليك من المدينة التى أعيش فيها أنا وأسرتى وهى الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية التى اشتهر أهلها بالجود والكرم وسماحة الأخلاق، وقد نشأت فى أسرة متوسطة الحال، فوالدى كان مدرسا للغة العربية ووالدتى ابنة عمه ربة بيت قديرة، فقد تولت هى ووالدى مسئولية تربيتنا وتنشئتنا على كل المحبة والتسامح والخصال الجيدة، فنشأنا أنا وإخوتى الذكور وهما أخوان يصغراني فى السن، وأنا الأخت الكبيرة التى كانت ولاتزال تعتبر الأم الثانية لهما، وتعلمنا جميعا تعليما عاليا فى الكليات والمعاهد العليا وبكامل اختيارنا وفضلنا أن نكون مثل أبى نعمل فى ميدان التدريس نعلم الصغار والكبار، ونجحنا بفضل الله سبحانه وتعالى فى الحصول على التقدير والمديح بفضل حبنا للمهنة التى اخترناها!
وأختصر لك التفاصيل وأصل إلى نقلة قوية فى حياتنا وهى وفاة أمى الفجائية دون سابق إنذار، فقد كنا قد تناولنا طعام العشاء الخفيف المعتاد وشاهدنا التلفزيون وذهب كل منا إلى فراشة وفى الصباح لم تستيقظ أمى كعادتها تعد لنا الإفطار، ووجدناها قد فارقت الحياة أثناء نومها فكانت أول صدمة تصيبنا منذ أن وعينا على الحياة!
ومرض أبى بعد وفاتها مرضا شديداً وللأسف لحق بها بعد عدة شهور من وفاتها وأصبحت أنا وأخواى الصغيران يتامى أما وأبا فى فترة قصيرة!
وتستطرد قارئتى المربية الفاضلة عبلة السيد ولما كنت الأخت الكبيرة فقد توليت مباشرة مسئولية البيت ورعاية مصالح أخواى اللذين كانا وقت وفاة أبوان لم يتخرجا من الجامعة بعد، وكنت قد سبقتهما وتخرجت قبل ثلاث سنوات، وأيامها وقبلها بكثير تقدم لى العديد من العرسان من المدرسين وجار لنا كان يعمل مهندسا معماريا وآخر قريبى من ناحية أمى وكان ضابطا بالجيش، فاعتذرت عن قبول أى منهم لانشغالى برعاية شئون بيتنا وكرست كل وقتى لكى أساعد أخواي فى الدراسة ورعايتهما فى البيت، وكنت أنفق كل راتبى على البيت فلم يكن معاش والدى يكفى نفقات الدراسة الجامعية واستئجار شغالة لكى تساعدنى فى التنظيف والطهى والغسيل، وقد حرصت على أن يكون أخواي فى القمة ووفرت لهما كل ما يريدان من كتب وملابس ولوازم حتى لا يشعران بفقدان الأب والأم، حتى كانت السنة النهائية لهما فى الجامعة فكثفت جهودى لكى يحصلا على الامتياز والتفوق.
وبحمدالله وفضله تخرجا والتحقا بالعمل فى إحدى المدارس الخاصة أو يسمونها مدارس اللغات، وبدأت سيدات الأسرة ينبهننى إلى أننى رفضت كل العرسان الذين تقدموا إلى وآن الآن أن أفكر فى الزواج لأن أخواى نسبيا أصبحا فى غير حاجة إلى رعايتى الدائمة هذا ما كانوا يظنونه، لكنهما فى واقع الأمر كانا يعتمدان على اعتمادا كليا فى كل شىء.
واستطردت قارئتى عبلة السيد.. وكنت أخفى على أخواى الصغيران اللذين اعتبرتهما الابنين اللذين لم ألدهما أننى أنفق كل راتبى بل أحيانا أقترض قروضا صغيرة أسددها فورا عندما تكون هناك ضرورة لشراء ملابس جديدة لهما أو خزين فى البيت، وسارت الأمور هكذا حتى كانت المفاجأة التى وقفت أمامها كثيرا، الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية.
ساحة النقاش