كتبت : سكينة السادات
يا بنت بلدى
حكيت لك الأسبوع الماضى طرف من قارئتى المربية الفاضلة عبلة السيد (54سنة) ابنة محافظة الشرقية بل تفتخر بأنها ابنة مدينة الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية، وقد حكت لى أنها تربت فى بيت فاضل قداسه أب يعمل مدرسا للغة العربية فى إحدى المدارس الثانوية، وزوجة هى ابنة عمه ربة البيت المحترمة المتفانية المثقفة أيضاً، وقالت إن لها أخوين من الذكور يصغرانها بعدة أعوام، وقالت متفاخرة أنها وأخويها اختاروا العمل بالتدريس مثل والدها الذى كان له احترامه وتقديره فى كل أنحاء المحافظة، وقالت إنها خلال دراستها تقدم لها الكثير من العرسان من المدرسين مثل والدها وقريب لها ضابط بالجيش ومهندس وغيرهم لكنها اعتذرت للجميع إذ كانت الأسرة قد فوجئت بوفاة الأم وهى نائمة بدون سابق إنذار أو مرض، وقال الأطباء إنها أصيبت بسكتة قلبية أثناء نومها وكانت النهاية، ولم يتحمل والدها الصدمة فلحق بها بعد عدة شهور وأصبحت هى وأخواها يتامى أما وأبا فى عدة شهور قليلة!
ولم يكن أخواها قد تخرجا بعد فكان من الطبيعى أن تتحمل مسئولية البيت ونفقات دراستها الجامعية، فقد كان معاش والدها لا يكفى لكل النفقات وكانت تنفق راتبها وتستدين أحيانا قروضا صغيرة تسددها فورا بعد أن تحصل على راتبها ولذلك فقد اعتذرت لجميع من تقدموا للزواج منها بأنها لا تستطيع أن تتزوج وتترك أخويها وحدهما.
وتحملت عدة سنوات من أجل أخويها الصغيرين وحتى تخرج أخواها وتوظفا فى إحدى مدارس اللغات وتحسنت الأحوال قليلا ونبهتها سيدات الأسرة أنها رفضت من تقدموا لها من أجل أخويها والآن هما قد تخرجا ويعملان ويجب أن تفكر فى الزواج وإلا فاتها قطار الزواج، ولما كانت تعرف أن أخويها يعتمدان عليها اعتمادا كليا فى الحياة سواء كان البيت أو العمل أو أى شىء آخر كما عودتهما بعد أن فقدا الأم والأب، فقد صممت على ألا تترك أخويها وحدهما ولكن كانت هناك مفاجأة فى انتظارها لم تستطع أن تتجاهلها!
واستطردت قارئتى عبلة السيد.. فوجئت بأحد زملائى فى هيئة التدريس بالمدرسة التى أعمل بها يخبرنى بأنه علم بأننى مرشحة للسفر إلى الخارج كإعارة للتدريس بإحدى دول الخليج، ووضعت فى حيرة شديدة كيف أترك أخواي وحدهما وهما لا يعرفان شيئا عن أمور الحياة بعد، وقال زميلى المحترم أننى أستطيع أن آخذ أخى معى بالعمل هناك ولكى يكون (محرما) أى رجلا من أهلى يساندنى وفى نفس الوقت يمكن أن يستفيد ماديا لكى يدخر نفقة زواجه، وأيقنت من كلام زميلى واستشرت أخواى فقرر الصغير أن يلازمنى وفعلا وجدنا له فرصة عمل هناك ورأيت فى ذلك حلا لضائقنا المالية وقروضنا التى كانت لا تنتهى فضلا عن الرواتب الضئيلة التى يتقاضاها المدرس مهما كانت المدرسة التى يعمل فيها، وقال الجميع أنها فرصة لا تعوض، وأن أخى الآخر يمكن أن يستأجر (شغالة) لخدمته طوال فترة غيابنا، وفعلا استخرنا الله سبحانه وتعالى وسافرنا وبدأنا العمل وكنت أطمئن يوميا على أخى الآخر فى الزقازيق، وعلمت أنه يريد أن يخطب إحدى قريباتنا ولكنه لا يمتلك مهرا ولا شقة ولا شبكة، فطمأنته بأننى سأرسل له كل ما يلزمه من مال حتى يتمكن من الزواج من الفتاة التى اختارها والتى كنت أعرف عنها أنها محترمة ومتدينة ولا يعيبها شىء، وفعلا بدأت أدخر من راتبي بل صرت أبخل على نفسى وأؤجل الإنفاق على ........... حتى أساند أخى بالزواج، وقررت أن أعفى شقيقى الذى يصاحبنى من المصاريف على أن يدخر راتبه أيضا لكى يتمكن من الزواج عند عودتنا من الإعارة، ومرت السنوات يا سيدتى وانتهت فترة الإعارة وفوجئت بالمسئولين فى تلك الدولة الشقيقة بتجديد الإعارة لى أنا وأخى فترة أخرى وأخرى غيرها أيضاً، وقررت أنا وأخي الاكتفاء بهذه الفترة فى الغربة ونعود إلى الزقازيق ومعنا من المال ما يكفى لكل ما نريد ونتمنى!
واستطردت قارئتى عبلة السيد وتنبهت إلى أن أخواي قد تزوجا بالفعل وانتقلا إلى بيتيهما مع عرائسهما وصرت وحدى فى البيت فى سن متأخرة على مشروع الزواج، بل إن قريبة لى جاءت لزيارتى ولمحت لى بأن أحد أقربائنا يريد أن يتقدم للزواج لكنها قالت: "بس أنا خايفة يكون طمعان فى القرشين اللى معاكى ومش ضامناه"، وتذكرت أننى كبرت على الزواج فى نظر الكثيرين ولابد أن يكون الآتين للزواج منى طمعانين فى مالى خاصة أننى اشتريت فيلا جميلة فى أحد أحياء الزقازيق الراقية وأعيش فى مستوى عال جدا!
ماذا أفعل يا سيدتي أقبل العريس الذى يمكن أن يكون طامعا فى مالي أم أكفى خيرى شرى كما يقولون واستعوض الله سبحانه وتعالى فى سنوات عمرى التى ضحيت بها من أجل أخواي وأقنع بذلك؟
يا أيتها المربية الفاضلة ليس بالضرورة أن يكون المتقدمون إليك كلهم طامعين فى مالك ربما أحدهم يرغب فى أنيس يؤانسه وربما كما تقولين أن أحدهم ما زال يحبك منذ أن كان زميلك فى إحدى المدارس قبل السفر، الزواج حق شرعى للمرأة والرجل إذا توفر فيه شروط الأمن والأمان والطمأنينة .............، وربما يتقدم إليك من هو أكثر ثراء منك ولا يريد إلا الصحبة والونس، واعلمى أن الزواج قسمة ونصيب فعلا فإذا كان مقسوما لك الزواج فسوف تتزوجين إذا شاء المولى العزيز، وما زال فى عملك وأمامك مشروعات كثيرة بعد المعاش منها إنشاء حضانة مثلا نسأل الله أن يقدم لك كل ما فيه خير!
ساحة النقاش