بقلم: ابراهيم شارود
الملكة كليوباترا هي آخر ملوك الأسرة المقدونية التي حكمت مصر منذ وفاة الإسكندر الأكبر عام 323 قبل الميلاد وحتى احتلال مصر من قِبَل روما عام 30 قبل الميلاد، ولأسباب سياسية أطلقت على نفسها لقب "إيزيس الجديدة" وهو لقب ميزها عن الملكة كليوباترا الثالثة والتي زعمت أيضا أنها تجسيد حي للآلهة إيزيس.
وعندما توفى بطليموس الثاني عشر في 51 قبل الميلاد انتقل العرش إلى ابنه الصغير بطليموس الثالث عشر وابنته كليوباترا السابعة، وقع الملك بطليموس الثالث عشر تحت تأثير مستشاريه الذين عملوا على إبعاد كليوباترا وطردها من الإسكندرية للانفراد بالسلطة، فلجأت إلى شرقي مصر واستطاعت تجنيد جيش من البدو لاستعادة موقعها عند وصولها إلى بيلوزيوم (بور سعيد حاليا) حيث كان يتصدى لها جيش أخيها، وصلت سفينة القائد الروماني بومبي على إثر هزيمته في معركة فرسالوس (48 ق.م) فما كان من أوصياء الملك إلاأن دبّروا مقتله وقدّموا رأسه إلى القائد المنتصر يوليوس قيصر الذي وصل الإسكندرية في 2 أكتوبر عام 48 ق.م، وقد نجحت كليوباترا في اختراق صفوف خصومها بعد أن حاول أخوها بطليموس الثالث عشر التقرب إلى القيصر حيث وجدها فرصة لإعلان ولائه الكامل، وعمل قدر طاقته على تملّقه والتقرب إليه وبفعل ذلك أمل أن يحظى بدعم الرومان للانفراد بعرش مصر إلا أنه تبين لبطليموس أنه أخطأ في حساباته واستدعى قيصر كلً من بطليموس وكليوباترا إلى الإسكندرية وأعلن دعمه للملكية، أثناء ذلك الوقت كان لشعب الإسكندرية ملكة أخرى في أذهانهم في نوفمبر عام 48 قبل الميلاد ومع حبس قيصر وكليوباترا في القصر الملكي أعلن الشعب السكندري الأخت الملكية الصغرى أرسينو الرابعة ملكة لمصر.
أمضت كليوباترا ويوليوس قيصر شتاءً طويلًا محبوسين في قصر الإسكندرية ولم تأت التعزيزات الرومانية إلا بحلول مارس عام 47 قبل الميلاد والتي صار فيها يوليوس وكليوباترا حلفاءً سياسيين ومحبين، وعند تحرير قيصر هرب بطليموس الثالث عشر وغرق في نهر النيل بينما أُسرت أرسينو الرابعة الملكة التي حكمت وعاشت لفترة قصيرة من الزمن وأُخذت إلى روما، وقد أُعيدت كليوباترا التي صارت أرملة إلى عرشها بكامل الدعم الروماني وتزوجت أخاها بطليموس الرابع عشر الذي كان يبلغ من العمر حينها 11 عامًا، وقد حملت العروسة وفي يونيو عام 47 قبل الميلاد ولدت كليوباترا ابنًا سمته بطليموس قيصر (الذي عُرف بقيصريون) نسبةً لوالده، أما قيصر والذي كان متزوجًا في الأصل من زوجة رومانية كان غير قادر على الاعتراف بابنه المصري بشكلٍ رسمي ولكن قبل مقتله سعى لتمرير تشريع في روما يعطي له الحق بالزواج من امرأة ثانية ومنح الشرعية القانونية لطفلٍ وُلد في أراضٍ أجنبية.
كانت العلاقة بين قيصر وكليوباترا أبعد ما تكون عن مجرد شغف عاطفي متهور فقد كان الطرفان سياسيين مخضرمين ولم يكن لأحدهما بأي شكل من الأشكال أن يُعتبر ساذجًا، وقد قوت وحدتهما الجسدية تحالفهما السياسي وكان له مدلول سياسي مثالي كانت ستظل مصر مستقلة إلا أنها وقعت تحت حماية روما التى كانت تستفيد من كرم مصر بكونها أخصب أراضي العالم.
وفي عام 46 قبل الميلاد حاز قيصر على النصر في روما نصرًا أردى الملكة المخلوعة "أرسينو" مقيدة في السلاسل أمام الشعب الروماني، وقد اتبعت كليوباترا ومعها بطليموس الرابع عشر قيصر إلى روما وبقيا هناك لنحو عام على نفقة قيصر الخاصة، وقد كانا حاضرين ليشهدوا منح قيصر لكليوباترا تمثالًا ذهبيًا في معبد فينوس جينتريك، وقد عادا إلى مصر فقط عند مقتل قيصر في الخامس عشر من مارس عام 44 قبل الميلاد ومات بطليموس الرابع عشر فور عودته إلى مصر وليس من الأكيد إن كان موته بفعل حادث أم تخطيط ومع عدم وجود أي وريث ذكر أخر للعرش صار قيصريون البالغ من العمر 3 سنوات هو بطليموس الخامس عشر وتفردت كليوباترا بمقاليد الأمور.
بموت قيصر انطلق الثلاثي مارك أنتوني وأوكتافيان وماركوس ليبيدوس للقبض على من اغتاله "بروتوس وكاسيوس"،وهنا اتخذت كليوباترا قرارا حكيمًا بالتحالف مع الثلاثي، ورفعت أسطولًا للإبحار نحو أوكتافيان ومارك أنتوني، إلا أن سفنها دمرها الإعصار، وأثناء انتظارها لتجهيز الأسطول الثاني جاءت الأخبار بهزيمة القتلة وتولى حكم الإمبراطورية الغربية أوكتافيان "الوريث الشرعي لقيصر"، بينما حكم مارك أنتوني الإمبراطورية الشرقية،ومع ضعف كليوباترا أصبحت فى حاجة لمن يحميها، ولأول مرة خانتها غريزتها واتخذت القرار الخطأ -التحالف مع مارك-.
ساحة النقاش