سماح موسى
عالم آخر يقبع خلف أسوار الجامعة يحلم به الكثير من طلاب الثانوية العامة، يرونه فرصة للتحرر بعد أن كانوا سجناء طيلة مدة الثانوية العامة التى مثلت كابوسا زرع الرعب في قلوبهم، لكن هل الحياة الجامعية وردية كما يظن الكثير من الطلاب أنها مجرد لعب ورحلات ومساحة حرية وفرصة لإقامة علاقات عاطفية أم مرحلة تتعاظم خلالها المسئولية؟ وما المنظور الصحيح الذي ينبغي توصيله لأبنائنا عن الجامعة؟ وما الضرر الذي يمكن أن يقع على الفتاة والفتى في الجامعة جراء العلاقات العاطفية المندفعة والمتهورة غير المحسوبة؟ وكيف ينظر الشباب والفتيات والأمهات والآباء لهذه العلاقات ؟
في البداية تقول حورية عبدالرازق، طالبة بالفرقة الرابعة بجامعة الإسكندرية: عندما التحقت بالجامعة كنت منغلقة ودوما أمشي وحيدة وهدفي الوحيد هو التخرج، وأتردد جدا من طلب معلومة أو شيئا من الشباب زملائي خوفا من أن يفهمني أحدهم بشكل خاطئ أو أن يتحدث عني زملائي، وبعد عامين في الجامعة تعرفت على زميلاتي البنات واللائى شجعنني على التعرف على زملائى وأقنعونى أن أحد زملائي معجب بي ويريد أن يتحدث معي فوافقت، أصبحنا نخرج سويا حتى وعدني بالزواج بعد التخرج، لم أضع حدودا للتعامل معه حتى جاءت الصدمة فكان هدفه من الارتباط أن أنفق عليه.
ويقول محمد السيد، طالب بالفرقة الثالثة بجامعة القاهرة: منذ أول يوم بالجامعة أتعامل مع زميلاتي البنات بكل احترام وأخوة، فلدي أخوات بنات ولا أحب أن يتحدث عنهن الناس بسوء، وإن كنت قد أعجبت بزميلة لي لكن لم أتحدث معها خوفا عليها من كلام الناس، قررت أن أرتبط بها رسميا بعد تخرجي إذا ما زالت لم ترتبط بآخر، فالجامعة مكان للعلم فقط ليس للتعبير عن المشاعر واللعب ببنات الناس.
وتتفق مي أحمد، طالبة بالفرقة الثانية بجامعة المنصورة مع محمد وتقول: كوني تربيت وكبرت بقرية تابعة لمحافظة الدقهلية لها تقاليدها أرفض تماما الاختلاط، فما أطلبه من الشاب من الممكن أن توفره لي زميلتي، أقدر والدي وسمعته الذى سمح لي بالالتحاق بالجامعة للعلم والحصول على شهادة جامعية ليفتخر بي لا لأكون وصمة عار له، فأنا أغلق باب الاختلاط نهائيا.
مراعاة عادات المجتمع
يعلق د. محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس على العلاقات التى تنشأ بين الشباب فى الجامعة قائلا: على الأبناء أن يعلموا أن الجامعة مكان للعلم له قدسيته كحرم جامعي في إطاره يتعلم الطلاب، لذا ينبغي أن تكون العلاقة بين الجنسين وفق هذا الإطار، ولا مانع من فتح حوار لتبادل الآراء والتعاون في تحصيل المعارف لكن في إطار طبيعة مجتمعنا الشرقي الذي يحكمه الدين والأعراف السوية، لابد أن يلتفت الشاب أن زميلته بالجامعة هي أخت له، وعلى الطالبة أن تعي أن كل تصرف محسوب عليها، فالجامعة مجتمع ضيق الكل فيه ينظر إلى الآخر بعين الرقيب.
ويضيف: يجب أن ترفض الفتيات داخل الجامعة تصويرهن إلا إذا كان بملتقى علمي، فقد لفت انتباهي في الفترة الأخيرة ما يحدث من كلا الجنسين التصرفات الخاطئة في حفلات التخرج وهو ما يؤكد أن هناك خللا في فكر ورؤى أبنائنا للتفريق بين الصواب والخطأ.
مرحلة المراهقة
تقول د. آية عبد المجيد، استشاري نفسي وأسري: تحكم العلاقة بين الجنسين داخل الحرم الجامعي عوامل كثيرة أهمها النواحي الشرعية بحكم أن مجتمعنا متدين، فالاختلاط له حدود من الناحية الشرعية لا نتغافل عنه، وتحذير الأبناء من خطورة العلاقات التى تنشأ بين الشباب يبدأ مع التنشئة، من خلال تعريفهم أن هناك حدودا للتعامل والحوار الذى يجب أن يكون في إطار الصداقة والدراسة، كما لا يصح المقابلات خارج حدود الجامعة أو المحادثات الليلية.
وتتابع: هناك ضوابط نفسية تؤثر على الشباب من الجنسين داخل الجامعة، فكل منهما يميل للكلمة الحلوة، خاصة الفتاة التى تعيش فى بيت يفتقد أفراده التعامل بشكل إنساني وبعيدة كل البعد عن الحنان والاحتواء، فعندما تخرج هذه الفتاة لمجتمع الجامعة ويسمعها شاب كلمة طيبة تنجذب إليه، وعلى الآباء أن يكونوا على درجة كبيرة من الوعي في التعامل مع أبنائهم فى هذه المرحلة والتحذير بشكل مستمر من مخاطر الاختلاط، وضرورة التمسك بالتقاليد والعادات التى تحكم المجتمع الذى تربينا فيه.
أما د. محمد محمود صبرة، استشاري الصحة النفسية والإرشاد النفسي بالجامعة الأمريكية فيقول: معظم خريجي الثانوية العامة أو الثانوي الفني يعتقدون أنهم يقدمون على مرحلة حب، فهذه خصائص مرحلة المراهقة - 18 :20 عاما- وهذه المرحلة تتطلب أدوارا وجهودا مكثفة من عدد من الجهات أولها الشاب نفسه الذى يجب أن يراعى تعاليم دينه فى معاملته مع زميلاته، بجنب الدور الذى تقوم به مؤسسات الدولة المختلفة كمراكز الشباب ووسائل الإعلام فى غرس العادات والتقاليد الأصيلة لمجتمعنا الشرقى وأن معظم الآباء تزوجوا بالطريقة التقليدية بعد انتهائهم من شهاداتهم الجامعية والانخراط فى العمل.
أبعاد للعلاقة
توضح د. عزة أحمد صيام، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة بنها أن ثمة أبعاد كثيرة تحكم التعامل بين الشباب داخل الجامعة أهمها التعاون والمؤازة والنظرة الأخلاقية خاصة للفتاة، لافتة إلى أن التعاون يكون في حدود المحاضرات والتحصيل العلمي، محذرة الفتاة من الانخراط فى علاقات عاطفية أثناء الدراسة الجامعية قائلة: إذا شعرت الفتاة أن العلاقة خرجت عن إطارها الطبيعي لابد من أن ترفض التعامل مع الشاب.
وتقول د. آية صلاح، أستاذة علم الاجتماع: تفرض طبيعة المجتمع الجامعى على الطلاب التعاون من خلال المشاركة في الأبحاث ومشاريع التخرج، لكن لابد أن نحافظ على ثوابتنا المجتمعية والدينية بحيث نبتعد عن الرسائل الخاصة أو المقابلات الشخصية خارج الجامعة.
وتضيف: كونت الدراما صورة ذهنية لدى الشباب أن الجامعة مكان للتعارف والحب والزواج حتى وإن كان بعد التخرج، ما يجعل الفتاة تعتقد خطأ أن زميلها معجب بها من خلال كلمة قالها دون قصد فتنجرف وراء مشاعرها لتصدم بعد ذلك بالحقيقة، لكن على الشاب والفتاة التعامل مع المرحلة الجامعية على أنها مرحلة دراسية تؤهلم لسوق العمل وتصقل من مهاراتهم وخبراتهم وحصيلتهم العلمية والمعرفية.
ساحة النقاش