لم يبق إلا أيام معدودة ونستقبل معا شهر رمضان الكريم الذى قال عنه رسولنا المصطفى «صلى الله عليه وسلم» «أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار».

هذا الشهر الذى تضاء فيه الدنيا بمصابيح من النور والهداية والخير والبركة .. وأيامه النورانية التى تضم بين نفحاتها ليلة من أعظم ليالى الدهر .. التى تنزل القرآن فيها على رسولنا الكريم وقال عنها الخالق جل علاه «إنا أنزلناه فى ليلة القدر .. وما أدراك ما ليلة القدر .. ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها» .. فهى رحمة لنا والرسالات السماوية جميعها وخاتمها الإسلام أساسها الرحمة وغاية هدفها الرحمة .

وهكذا تكمن الحكمة من هذا الشهر والحكمة من الصيام هى الرحمة لكل من حولنا من التواصل الأسرى والتراحم والإيثار .. والبر والعطف على المحتاج والفقير .. أن نسارع إلى تلمس كل أبواب الخير والأعمال الصالحة ونحن نتوجه إلى المولى تعالى بالإخلاص فى العبادات مع المعاملات مع كل من حولنا لتستقيم حياة البشر .. أن نمد أيدينا لكل من يحتاج إلينا من عون ومن بينهم من يتعفف عن إظهار حاجته .. فلنسع إلى هؤلاء نعين الكل على إكمال رسالته مع أسرته .. من تقديم شنطة الخير من طعام إلى جمع الأموال من التبرعات والزكاة والصدقات من أجل خلق فرص عمل لمشروعات صغيرة تعينهم على الحياة .. ولنمد أيدينا إلى هؤلاء الشباب الذين يحتاجون لمن يعينهم على الزواج والحياة الكريمة .. وأن نضفى بسمة على وجه وقلب كل طفل يتيم .. ما أجمل أن نمد أيدينا لكل مريض بالرعاية والتبرع من أجل المساهمة بالعلاج .. وبالمال والمجهود ومن خلال أيضا جهودنا ممن يتطوعون فى الجمعيات المدنية.. فلنتعاون جميعا النساء مع الرجال الفتيات والفتيان الصغار والكبار على البر والتقوى .. ولتكن دعوة عامة لأن نستعيد قيمنا وحبنا بالتآخى والكرم والشهامة والتسامح .. مع حرصنا على عباداتنا من صلاة وصوم وزكاة .. وأن نعيد طرق استعدادنا لاستقبال رمضان بعيدا عن هذا البذخ والتبذير فى تخزين المواد الغذائية استعدادا للشهر مما يشجع بعض التجار الجشعين على استغلال هذا الموسم فى ارتفاع الأسعار الجنونى ..

الصوم الحقيقى

وللأسف الشديد يحول البعض هذا الشهر إلى شهر للطعام بدلا من ترشيده والصوم الحقيقى عنه فالهدف ليس الإمساك لساعات ثم الانطلاق دون ترشيد إلى هذا التبذير المبالغ على موائدنا بما يزيد ويفيض بما يضر بصحتنا ويصيبنا بالسمنة والتخمة وما ينتج عنهما من أمراض خطيرة من قلب وضغط وسكر .. ولتكن دعوتنا إلى الحكمة من «صوموا تصحوا» وقول رسولنا الكريم «المعدة بيت الداء إذا صحت صح البدن» فلنستقبل هذا الشهر المبارك بكل الحب والترحاب بما يليق به الذى ضم أعظم الانتصارات من غزوة بدر وإنتصار الحق على الباطل ونصرة الله للمسلمين على المشركين لإعلاء دعوة التوحيد لله الواحد وعبادته، و«انتصارات العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر» لنستعيد روح الإيثار والتضحية والتراحم بين أفراد الشعب والجيش من أجل استرداد الكرامة والأرض .. فلنستعيد هذه القيم من جديد .. ولنعلم أجيالنا كيف يكون الحب الذى يبث فينا الانتماء لنتغلب معا على كل التحديات والصعوبات .. عندما نجتمع على فعل الخير من عبادات ومعاملات معا حتى نحوز رضا الخالق دائما وليس فقط أيام شهر رمضان المباركة بل نستمد منها ونستمر عليها طوال أيام وأشهر العام .. وقتها فقط لن يكون بيننا محتاج أو فقير أو ضعيف لننعم جميعا بالرضا وبالخير والحب .

وبكل الحب نؤكد على دورك المهم والأساسى سيدتى إلى ترشيد الاستهلاك والحد من السلوكيات والإسراف والتبذير فى المأكولات والمشروبات التى تلتهم ميزانية الأسرة وتربك أحوالها وتخلق الخلافات بين الزوجين وتحول الشهر الكريم من حكمة الصوم إلى موسم الإسراف والمبالغة فى تناول الطعام وهى صور مرفوضة وخاصة ونحن مقبلون على بداية عام دراسى جديد تتزايد فيه الأعباء والنفقات بعد أن أجهدتنا أيضا مصروفات المصيف والأجازة ونحن سيدتى هنا لسنا مع المنع والحرمان ولسنا مع مظاهر البهجة التى تتوج روح الشهر الكريم ولكن مع توجيه هذا الإنفاق الزائد إلى التراحم والتكافل الاجتماعى لنصل إلى كل المحتاجين من حولنا وندعوك سيدتى زوجة وأماً وامرأة عاملة أم ربة بيت أن تكونى متسامحة مع من حولك وأن تربى أبناءك على هذا التسامح ولتضربى بنفسك المثل والقدوة فلنتحلى بالحلم والهدوء بعيدا عن العصبية والمشاحنات ولتشجعى زوجك وأبناءك على مشاركتك المسئولية داخل وخارج المنزل حتى يصبح لدى كل منكم الوقت والجهد للحوار الجميل الهادئ وليعم الحب أرجاء البيت ويمتد معنا إلى الشارع والعمل .. وأيضا شجعى أبناءك على ممارسة يومهم بنشاط بعيدا عن الكسل والخمول والنوم طوال النهار والسهر طوال الليل .. ولندرب صغارنا على حكمة الصوم مع تنظيم حياتهم فى فترة الإجازة ممارسة رياضة خفيفة تمنحهم الحركة والحيوية والنشاط .. ولنا جميعا لنمارس أعمالنا خارج بيوتنا .. بعيدا عن تعطيل سير أمور الناس بحجة أننا فى أيام الصوم وما نراه من كثرة الاجازات فى هذا الشهر الكريم ولنتمسك بالتسامح بعيدا عن العصبية و«اللهم إنى صائم» . على كل ما يسئ إلى الآخرين فالصيام ليس فقط إمساكا عن الطعام والشراب لنشعر ونرق على المحتاجين والفقراء ولكنه أيضا إمساك عن الغضب والعصبية من أجل أن نتدرب على التسامح .. والحلم سيد الأخلاق فالله قد يغفر فى بعض عباداته ولكنه لا يغفر أبدا فى الإساءة لتعاملاتنا مع البشر.. فلنحرص على معاملاتنا مع عبادتنا ابتغاء مرضاة الله .

لا تمنعوا

فيروز قيثارة الوادى

كان أمرا محزنا ومؤلما لنا جميعا ما سمعناه من الخبر المؤسف من منع الفنانة فيروز التى أحبها الجميع عن الغناء لأغانيها من قبل ورثة الرحبانى .. بعد أن كانا دائما كيانا واحداً صنع هذا الفن الشامخ الجميل لتشدو به فى كل العالم .. وفيروز التى نعرفها للأجيال الجديدة التى لم تعايش رحلة كفاحها .. فلم يكن الطريق إلى القمة التى وصلت إليها مفروشا بالورود كما يتخيل أبناء هذا الجيل لقيثارة غناء العرب فيروز .. الفنانة العربية التى حطمت أرقام مبيعاتها وتذاكر حفلاتها ما يفوق مبيعات فرانك سيناترا المغنى العالمى وحصلت على العديد من الأوسمة والجوائز بعد أن تربعت بفنها على عرش قلوب الملايين .. فيروز التى اعتبرت رمزا لشاعرية الأغنية العربية وفارسة تدعو لقضية بلادها والعروبة .. ومن أجل ذلك بعث المثقفون العرب عام 2005 رسالة وجدانية إلى الحكومة اللبنانية طالبوا فيها أن يكون يوم ميلادها عيدا وطنيا وعيدا للحب والحرية والشموخ والنور الذى تجسده بفنها .. فأغنياتها التى تسمو بالوجدان وصوتها الملائكى ينطلق بين جبال الأرز :

أعطنى الناى وغنى .. فالغنى سر الوجود

وأنـــين الناى يبقـى .. بعد أن يفنى الوجود

وكبرنا معها نتنسم رحيق الحب وأحلام الرومانسية وهى تهمس : علمونى حبك علمونى .. على حبك فتحولى عيونى

وفى صوتها مناجاة شعب فحين تغنى تستنفر فينا الوطنية وتفجر براكينها فى وجدان كل إنسان عربى من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب .. من أجل قضاياه فكانت من أول من تغنى لينهض كل فلسطينى وكل عربى حين غنت بكلمات الرحبانية ولحنها زوجها عاصى وأخوه منصور الرحبانى على أرض مصر ومن خلال إذاعتها «بصوت العرب» أغنية «راجعون» ليلهب همم الفلسطينيين للعودة لاسترداد بلادهم ثم أغنية «لأجلك يا مدينة الصلاة يا قدس» :

لأجلك يا مدينة الصلاة أصلى .. لأجلك يا زهرة المدائن .. يا قدس يا مدينة السلام.

وتهب من أجل حماية المقدسات تشدو بصوت قوى هادر يشق السماء ويجمع كل الأديان لنجدتها ..

تعانق الكنائس القديمة .. وتمسح الحزن عن المساجد

يا ليلة الإسراء .. يا درب من مروا إلى السماء

الطفل فى المغارة وأمه مريم .. وجهان يبكيان

لأجل من تشردوا .. لأجل أطفال بلا منازل .. واستشهد السلام .. فى وطن السلام .. الغضب الساطع آت

سأدق على الأبواب .. وسأفتحها الأبواب .. القدس لنا .. والبيت لنا وبأيدينا يا قدس سلام

بحبك يا لبنان يا وطنى

وحين هبت تنفض عن لبنان ما يمر به من تمزق وحروب أهلية واعتداءات إسرائيلية وغنت لها لحبها الأول فى كلمات ولحن زوجها وأخيه: العاصى ومنصور :

بحبك يا لبنان يا وطنى .. بشمالك بجنوبك .. بحبك يا وطنى

وفيروز التى ولدت بقربة بجبال الأرز بلبنان عام 1935 لوالدها «وديع حداد عامل المطبعة الوديع الذى أحبه الناس وأمها الرائعة الطيبة التى أحبها الجيران فتربت على الجب وعشقت أغانى أسمهان وليلى مراد التى كانت ترددها مع المذياع وهى تجمع الزهور البرية - كانت البداية عام 1946 عندما اكتشفها الأستاذ «محمد فليفل وأخوه» وهما أستاذان بمعهد الموسيقى اللبنانى وكانا يبحثان عن مواهب جديدة فألحقاها بالمعهد وعلماها الغناء العربى الأصيل وكيفية توظيف قوة الصوت .. وبعدها اكتشفها الملحن «حليم الرومى» عند امتحان الإذاعة اللبنانية وكانت تسمى نهاد حداد وهو اسمها الحقيقى قبل أن يصبح اسمها «فيروز» تيمنا بكنوز وجمال الأحجار الكريمة.. لتلتقى بعدها بالإخوين رحبانى عندما قدمها إليهما كفنانة تليق بالنغم الحديث من أغنياتهم القصيرة التى لا تتجاوز الدقيقتين وهى موسيقى مغايرة لما هو سائد لدى العرب استمداها من «سيد الدرويش» الفنان المصرى ولكن بنمط آخر للغناء.. فانطلقا معا فى سماء الفن.

المصدر: رئيسة التحرير ايمان حمزة - مجلة حواء
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 677 مشاهدة
نشرت فى 10 أغسطس 2010 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,814,367

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز