<!--<!--

<!--[endif]-->

تصلين فى موعدك الذى حددته أنت تماماً، حيث (كازينو السعادة) المطل على نهر النيل..

تجلسين ..

تخرجين نصف المرآة الصغيرة القابعة داخل حقيبتك الجلدية السمراء، تلقين نظرة سريعة على ما وضعته على وجهك من بدره تفتيح والكحل الذى خططت به أعلى وأسفل عينيك، وعلى لون الروج الأحمر هل بهت لونه أو لا.. ؟!! وعلى ملابسك التى لم تتأثر من سوء المواصلات ..

رحت تحدقين فى الكرسى القابع أمامك على نفس الطاولة فى سعادة غامرة..

تفتحين حقيبتك بعد غلقها، تجرجين منديلاً ورقياً تمسحين به مرة ومرات الكرسى القابع أمامك تأهباً للجلوس عليه يأتيك النادل مسرعاً، تسبقه إليك ابتساماته، بعد أن لمح طيف جلوسك من بعيد..

- مساء الخير يا فندم..

يقولها النادل وعلى وجهه مازالت تجلس بشاشته، يضع أمامك ورقة طويلة ذات الألوان الأربع، قد دون عليها أسماء وأسعار المشروبات، تحدقين فيها تارة، وتارة ثانية إلى الكرسى الخالى القابع أمامك -على نفس الطاولة- فى صمت، ثم تلتفتين إلى النادل الواقف أمامك كعمود النور المائل ناحية اليمين، تخرج كلماتك رقيقة ناعمة تسبقها ابتسامة مصنوعة بإتقان :

- انتظر قليلاً

- حاضر .. تحت أمرك..

يقولها النادل منصرفاً وعيناه على الكرسى الخالى..

رحت تحدقين نحو الباب الرئيسى لمدخل (كازينو السعادة) تارة، وتارة أخرى إلى عقارب الساعة التى مازالت تدور دون توقف، وتارة ثالثة إلى الكرسى الخالى..

- هاء .. هاء .. هاء .. هاء .. هاء هاء

- هاء .. هاء .. هاء .. هاء .. هاء هاء

تأتيك الضحكات عالية.. صافية كلون السماء، خارجة من الأعماق، بعد أن حملها الهواء كعصفور، تلتفتين ناحية اليمين حيث مصدر الصوت، تطفو أنوثتك الغائبة فجأة، تطفو فوق أرض الواقع، تذوبين عشقاً وأنت تشاهدين تلك الفتاة الجالسة على الطاولة بعد أن تركت يديها تنعمان فى أصابع الشاب الجالس أمامها تغمضين عينيك، ليس خجلاً لما ترينه، ولكنك لكى تؤدى نفس الدور، بعد أن تغلغل بداخلك، وجاء عليك الدور كى تؤديه أفضل من تلك الفتاة، تمدين يديك طول ذراع، تنتظرين النشوة التى حتماً سوف تسرى فى أوصالك سريعاً جلياً، تفتحين عينيك بعد وقت طويل.. طويل جداًو تجدين الكرسى لم يزل خالياً، فى ضيق وخيبة أمل رحت تسحبينهما فى بطء شديد والألم والحسرة يعتصرانك ..

تجدين نفسك تصرخين فى ألم وصمت، تلك الصرخات التى لم ولن يسمعها إلا ذاتك المنهكة:

- أين هو ؟!! ولماذا هو دائم التأخر هكذا .؟!! لقد تأخر كثيراً عن موعده، على أن أنصرف الآن.. نعم أنصرف الآن، فأنا لست بجاريته، أنا لست أى شيئاً قد وضعه جانباً على الرف، وعندما يريده يمد يده لأخذه، أنا لست كذلك .. أنا لست كذلك .

يدفعك غضب تأخيره للوقوف، تعلقين حقيبتك على كتفك، تهمين بالانصراف، تتراجعين عن موقفك سريعاً مثل كل المرات الس­ابقة، ترمين بجسدك مرة أخرى، ولسان حالك يقول فى خضوع وضعف:

- ولكنى أحبه.. نعم أحبه بشدة، على أن ألتمس له ألف عذر لتأخيره، لا ليس عذراً واحداً بل ألف عذر وعذر، على أن أنتظره حتى يعود، وعندما يأتى لن أبتسم فى وجهه، سوف أظهر له مدى غضبى، كى يعلن اعتذاره على الملأ ، نعم على الملأ، لن أقبل اعتذاره بصوت مهموس بينى وبينه مثل كل مرة، بل على الملأ وبعد ذلك نكمل حديثنا الذى لم ولن ينتهى، نبدؤه بالحب وبالحب ينتهى .

- مساء الخير يا فندم.

تخرجين عن هدوئك، تزعقين فى وجه النادل :

- انتظر قليلاً..

يرد عليك فى أدب جم، ومازالت الابتسامة تجلس متربعة فوق وجهه الشاحب كلون الليمونة :

- أنا آسف .. إنها من شروط الجلوس فى المكان..

تردين عليه وعيناك مازالتا معلقتين على الكرسى الخالى، وعندما لم يرد عليك حبيبك الجالس أمامك على الكرسى الخالى، رحت تقولين فى ألم:

- أية شىء ..

يقول النادل بعد أن رأى العرق يتساقط بغزارة من وجهك :

- آيس كريم ..

تحركين رأسك فى ألم من أعلى إلى أسفل ..

تتحرك رأسك دون إرادتك لتنظر إلى هؤلاء الأحباب.. العشاق الجالسين سوياً على طاولتهم اثنين .. اثنين ، تأكلك نار الغيرة والألم، تعودين وتحدقين تارة فى وجه الباب الرئيسى لمدخل (كازينو السعادة) وتارة أخرى إلى عقارب الساعة التى مازالت تدور دون توقف فى يدك، وتارة ثالث إلى الكرسى الخالى..

- هاء .. هاء .. هاء .. هاء .. هاء هاء

- هاء .. هاء .. هاء .. هاء .. هاء هاء

تصمين أذنيك فور سماع الضحكات التى دوماً يحملها الهواء خصيصا من أجلك..

تهدأ الضحكات رويداً.. رويداً، تطبعها ضحكات ثانية، وثالثة ، تسألين ذات؛ المنهكة:

- على أى شىء هم يضحكون ..؟! ترى أيضحكون لجلوسى وحيدة ..؟! فجلوسى وحدى لن يدوم.. نعم لن يدوم دقائق وسيحل على حبيبى، دقائق وسوف أجعلكم تبكون.. نعم تبكون بعد أن تعلنوا حظكم العسر، سوف تتبدل ضحكاتكم إلى بكاء مستمر، وحسرة تسكن قلوبكم، دقائق وستسمعون صوت ضحكاتنا وهى تكاد أن ترج المكان لقوتها، فجمال حبيبى لم ولن يوصف، فقد اخترته واختارتى بدقة من بين ملايين البشر..

فجأة ..

تشعرين بوجود جبل «الآيس كريم» الذى انهار وذاب داخل كأسه، تتعجبين .. تسألين نفسك فى ذهول :

- متى ..؟!! وكيف جاء به النادل ..؟!!

تعودين وتحدقين فى وجوه الأحبة الملتفين من حولك فى ثنائية وتناغم بديعين، تحدثين نفسك فى همس :

- لماذا تأخرت حتى الآن..؟!!

- هاء .. هاء .. هاء .. هاء .. هاء هاء

- هاء .. هاء .. هاء .. هاء .. هاء هاء

راحت الضحكات تلتف من حولك، ينساب خيط من المرارة إلى قلبك لتزيدك صمتاً على صمتك ..

يخرج صوتك هامساً مرتعشاً حزيناً:

- حبيبى أين أنت الآن ..؟!

حبيبى .. ترى أين حبيبى؟!

فى عصبية شديدة تفتحين حقيبتك، تخرجين هاتفك المحمول، فى عجالة راحت أصابعك تضرب أرقامه العشرة، تفتحين (الاسبيكر) حتى تسمعى وتسمعى من حولك كلمات .. كل كلمات الاعتذار، التى سوف يعلنها حبيبك عبر هاتفك المحمول، سريعاً يأتيك الرد من تلك الفتاة التى لا تهدأ ولا تنام أبداً:

- الهاتف المطلوب غير موجود بالخدمة..

هوت صفعة قوية على وجهك..

تعيدين المحاولة مرة ثانية ورابعة وعاشرة، يأتيك نفس الرد..

تموتين كل يوم أملاً ويأساً، وليس على لسانك سوى :

(الصبر.. الصبر)

- هاء .. هاء .. هاء .. هاء .. هاء هاء

- هاء .. هاء .. هاء .. هاء .. هاء هاء

عادت الضحكات - التى لن تتوقف - تلتف من حولك لتزيدك ألماً ويأساً..

تهمسين فى ألم والانكسار:

- أعلم أن ما أراه وأعيشه هلوسة.. نعم هلوسة وأخيلة لا يراها ولا يتعايشها أحد غيرى، رغم أنى أبحث عنه فى الشوارع والأزقة والطرقات، وفى منامى وصحوى، أنتظره طيلة عمرى السابق واللاحق، وحتى الآن لا أعرف لى حبيباً ترى هل سيكون لى حبيب حتى يجالسنى ويصير الكرسى الخالى غير شاغر..؟!!

 

المصدر: محمود أحمد على - مجلة حواء
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 739 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,905,161

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز