<!--<!-- <!--
للعيد بهجته وذكرياته التي لا تنسى، تلك الذكريات التي تظل عالقة بالقلب والعقل، فالعيد لدى الأسرة المصرية له طعمه وشكله الخاصين، حيث يتزاور الأهل ويخرج الشباب والأطفال أصدقاء وجيران في ألفة ومحبة إلى الحدائق والمتنزهات للمرح واللعب.. وعيد الفطر يحتل مكانة خاصة حيث يأتي بعد صيام 30 يوما، وصلاة وتعبد وتلاوة قرآن، لذا ما أن يعلن موعد العيد حتى ينطلق الأطفال بشكل خاص إلى الإعداد لخطط قضاء يوم العيد، حيث ينطلقون إلى الملاهي والحدائق والسينمات وغيرها من أماكن الترفيه، سواء في صحبة الأب والأم أو الأقارب أو الأصدقاء.. وللعيد ذكرياته التي لا تنضب لدى الأدباء والكتاب وفي هذا التحقيق نتعرف على بعض منها.
عيد زمان
الكاتب والروائي السيد نجم : ارتبطت طفولتي فى الاحتفال بعيد الفطر أو العيد الأضحى بالنيل.. فور أن بدأت أتذكر الاحتفال بالعيد أيام الطفولة، لم أجد سوى محورين للكتابة. المحور الأول هو إتمام صلاة العيد، وأظن أن هذه الخطوة إن لم تتم لا استشعر بمقدم العيد، وهو ما حدث فى إحدى السنوات.. ويبدو أن الاستيقاظ مبكرا، مهما كان موعد نومي فى الليلة السابقة أو فى ليلة العيد، هو الطقس الذي بدونه لا يأتي العيد! ثم الإسراع لتلقى "العيدية" والإفطار على عجل لملاقاة الأصدقاء الصغار، وهم بالطبع غالبا من الصبية الجيران. ولا أدرى من كان صاحب فكرة الذهاب إلى منطقة قصر النيل وغالبا سيرا على الأقدام، حيث كنت أسكن فى حي العباسية وعلى مقربة من شارع رمسيس. وهناك تتنوع النشاطات، إما بالبقاء فى حديقة "الحرية" أو باستئجار القارب الصغير الذي نقوده عن جهل بكل ما يلزم، حتى كانت المرة التي داهمتنا فيها الأمطار حتى باتت المشكلة العودة سريعا إلى الشاطئ، وهو ما لم يحدث، لأن القارب غرس فى كومة طين بالقرب من إحدى جوانب النهر.. وأصبحت مشكلة أقسى من البلل بسبب الأمطار، لأتذكرها الآن!
أما المحور الآخر فهو ما ورد إلى رأسي الآن: كيف اختلفت بعض العادات الآن، تلك التي ارتبطت بالعيد؟ مثل ضرورة شراء ملابس جديدة، أو ملابس العيد وهو ما لم أعد ألاحظه كظاهرة غالبة عند المصريين، وأيضا تضاؤل فكرة زيارة المقابر، على الأقل فى القاهرة الآن، وهو الطقس الذي كنت ألاحظه فى طفولتي، وان لم أمارسه.. والأكيد غلبة شراء كعك العيد جاهزا، بعد أن كان لإعداده فى البيوت المصرية طقسا يشارك فيه كل أفراد الأسرة.
وان بقيت عادة "المعايدة" منذ أيام الطفولة حتى الآن، ولكن باستخدام "الماسيج" بالموبيلات والبريد الالكتروني!
العيد يجمعنا
د.عزة خفاجي أستاذ ورئيس قسم بكلية العلوم- جامعة الأزهر : كنت أنتظر مقدم العيد وأفرح به، خصوصا فى اليوم الأول منه. وكنت استيقظ مبكرة مع خروج أبى مع شقيقي الذكور للصلاة، فلم يكن من المعتاد خروج البنت للصلاة فى الساحات أو المساجد، كما هو الحال الآن. ثم ارتداء ملابس العيد الجديدة، والتي تشترى خصيصا بهذه المناسبة. وعادة ما كنت ولا كانت الأسرة تفطر وحدها، غالبا ما كانت بعض الأقارب تتواجد مبكرا لتناول كعك العيد معا. ولم نكن نعرف ولا هو شائع، شراء الكعك مجهزا من المحال، بل كنت معي شقيقتي ليوم أو يومين نجلس إلى جوار أمي نصنع الكعك والغريبة والمنين، وان لم نشارك فعليا إلا بعد أن كبرنا، كانت مهمتنا فى طفولتنا الصغيرة ليس أكثر من نقش الكعك! وما أن تتوالى الساعات حتى نستقبل بقية الخالات والعمة الوحيدة والأعمام، حتى لا ينقضي اليوم إلا وقد استقبلنا أغلب أفراد العائلة.. كبيرها وصغيرها. حتى ارتبط العيد فى طفولتي بالزيارات العائلية و"اللمة"، التي يبدو أنها هانت الآن كثيرا.
عروس اسمها القاهرة
الشاعرة نجاة علي أتصور أن استمتاعتي بأيام العيد والبهجة التي كنت أشعر بها مازالت مرتبطة بذكرياتي أيام الطفولة,حيث كنا نحلم بليلة العيد لنرتدي الثياب الجديدة التي اشتراها أبي لي ولإخوتي، وفي الصباح كان يأخذنا أبي إلى عمتي و بقية أقاربنا وبعدها إلى الحدائق العامة لنلهو هناك بينما كنت أنا أتحايل على أبي كي يتركني مع جيراننا الأقباط كي أذهب معهم إلى السينما التي كانت في نفس الشارع حين كنت أسكن في حي شبرا، وأبي كان كثيرا ما يرفض، وأمي تثور.لكن أمام رغبتي الشديدة يضعف أبي ويتركني أنا وأخوتي كي نذهب مع جيراننا، كنت وقتها أشعر فعلا ببهجة العيد وكنت أرى العيد في كل شيء، في فرحة الناس، وفي الزينات المعلقة ، القاهرة تصبح عروسا فعلا بتألقها وبنظافتها التي حُرمنا منها فيما بعد.
الآن لم يعد العيد يحمل بالنسبة إليّ نفس البهجة، بل على العكس أصبحت أخشى مجيئه، لأني أخشى الحزن الذي أراه مرسوما في كل شيء، وأوله وجوه الناس التي تشعر بالعجز أمام أطفالها التي تجد نفسها غير قادرة على شراء أقل شيء يدخل عليهم البهجة وهو لبس العيد,أيضا أصبحت شوارع القاهرة في شكل يدعو للرثاء فعلا,القبح يطل بوجهها في كل شيء. عن نفسي نادرا ما أخرج في العيد,لا أحب أن أتعذب أكثر بتلك المناظر التعيسة التي تعيشها القاهرة.
فرحة العيدية
القاصة والروائية هويدا صالح : ربما لم تكن هناك فرحة ننتظرها نحن الصغار أكثر من فرحة العيد كنا نتحمل الصوم في حر الجنوب ، ونتحمل العطش والجوع نحن الصغار طوال الشهر انتظارا لليلة العيد نتجمع جميعا على أسطح وعتبات الدور وننتظر المنادي الذي يعلن في القرية أن ليلة العيد غدا .. قليلة هي البيوت التي كانت تمتلك راديو تذاع فيه الرؤية ويذاع فيه الاعلان عن أن غدا هو العيد .. لذا كان المنادي هو من يعلنها في طرقات وشوارع القرية .
نظل نفرح ونهلل ، ثم نتعاون أنا وأخوتي في تنظيف المنزل مع أمي انتظارا للصباح الذي سهل علينا فيه الأعمام
والأخوال ..وبعد أن نفرغ ، كل واحدة تتفرغ لإعداد ملابس العيد .. نطمئن على كل شئ الفستان والحذاء والحقيبة الصغيرة التي تبيت فيها العيدية انتظارا للغد ولمجئ الحلب أو الغجر بالمراجيح والألعاب أختي الصغرى تعلق حذاءها على الشماعة الخشبية بجانب الفستان .. تدخل أمي فترى الحذاء معلق على الشماعة فتغرق في الضحك وتنادي على أبي وتريه الحذاء المعلق ويضحكان .. وحين يبين النور من الشباك نقفز ثلاثتنا نرتدي ملابسنا ونسرع لإيقاظ الأب والأم ونسرع للخارج دون أن نستمع إلى صيحات الأم التي تطلب منا أن ننتظر لتناول إفطارنا .. لكن أصوات الأطفال حول عربات ومراجيح الغجر يصم آذاننا .. فنسرع وكل واحدة تتحسس العيدية التي أخذتها في المساء من الأب.
ساحة النقاش