<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";} </style> <![endif]-->
علقة غرامية لصاحبة السمو
وأما المضروبة، فهي " الأميرة ماتلدا"، ولية عهد مملكة قريبة من نورمانديا هي مملكة الفلاندر، والأبنه الوحيدة لوالدها الشيخ العالي القدر بين رؤوس أوربا المتوجة في القرن الحاي عشر.
وكان وليم الأبن الوحيد كذلك لأبيه الدوق... ولكن أمه لم تكن أميرة، ولا زوجة شرعية لأبيه، بل عشيقة من العامة. وقد أعترف الدوق بأبنه القوي الجميل، ورباه التربية التي تليق لوارث عرش. فشب الفتى فارسا مقداما إلى حد التهور، إذا ثار غضبه لم يقف عند حد في سبيل الإنتقام..
ولم يكن وليم قد رأى ماتيلدا، ولكنه سمع بها، ورشحتها مكانتها وجمالها وجرأتها وتربيتها للزواج منه، فأرسل رسله يطلبونها، ووافق الجميع بما فيهم والدها. أما ماتيلدا نفسها فرفضت. وكانت أعز أميرة في أوربا وأشدهن أنفة وكبرياء، ولم يسع والدها إلا أن يمتثل لرأيها...
وما كان في الأمر ما يستوعب حنق وليم لو أنه وقف عند هذا الحد. ولكن طريقة رفض ماتيلدا خطبة وليم كانت خارقة لجميع التقاليد. إذ صاحت على مسمع من جميع أهل البلاط، أمام والدها، وبين أذني وفد نورمانديا الرسمي:
- لن أتزوج لقيطا... فقد كانت أمه عاهرا وعاد الوفد وتلطف في إبلاغ الرد الملكي إلى مسامع وليم. ولكن الحقيقة لم تلبث أن وصلت إليه بحذافيرها بعد برهة، فلما تأكد من صحة هذه الألفاظ ثارت ثائرته. وتملك الجزع جميع رجال السياسة في الدولتين.
وكان المعروف أن وليم لا يسكن على التعريض صراحة أو تلميحا بأمه، لأنها كانت سوأته وعورة مجده، فما أن يشتبه في التعريض بها حتى يمتشق سيفه، ولا يغمده إلا بعد أن يسيل الدم على جوانب الشرف الرفيع!
هذا إذا كانت الإهانة- أو مظنة الإهانة- صادرة من رجل. ولكنها هذه المرة صادرة من ذات سوار، من فتاة. نعم إنها معروفة بشدتها وفروسيتها وبراعتها في الصيد وألعاب السيف.. ولكنها فتاة على كل حال... فماذا عساه فاعلا؟.
هذا هو السؤال الذي لم يجد له الناس جوابا.؟ ولكن الجواب كان عند وليم
ففي ذات يوم وقفت عند مشارف مدينة ليل- عاصنة الفلاندر- كوكبة من المسافرين في ملابس التجار، على صهوات الجياد، أمام خان من تلك الخانات التي كانت تحيط بأسوار المدن الكبرى من الخارج.
وعلى الرغم من ملابس التجار، كانت طريقة ركوب هؤلاء الشبان الخمسة تدل على إنهم من المحاربين المحترفين، وكانت لهجة أحدثهم سنا لهجة آمرة: تنبيء هن أنه ولد في العز والسلطان، فلاشك أنه قائدهم.
وبعد أن استراح الفرسان وطعموا واستبدلوا بثيابهم ثيابا حسنة، سألوا صاحب الخان عن موضع القصر الملكي، ثم دخلوا من السور، وانتظر أربعة منهم عند مدخل الساحة المفضية إلى القصر، أما الخامس، ذلك الشاب الحديث السن النافذ النظرات فترجل واستمر سائرا إلى أن بلغ باب سور القصر، وبعد أن أبرز ورقة للحارس تركه الحارس يدخل، فأجتاز للسلم والدهاليز، ورآه الخدم متجها في عزم إلى جناح صاحبة السمو الأميرة ماتيلدا. وكانت الثقة والأنفة اللتان تطلان من سحنته ونظراته تلجم ألسنتهم وتسمرهم في أمكنتهم، فلم يثوبوا إلى أنفسهم ويفكروا في إعتراض طريقه إلا وكان قد مرق كالسهم إلى حجرة الأميرة...
وفي غير تردد دفع الباب ففتحه على مصراعيه، وعرفها على الفور من الصور التي كانت عرضت عليه، ومن وصف جمالها الباهر، وملابسها الفاخرة. ولما رأته نهضت واقفة وسألته:
- من أنت؟ وماذا تريد؟
فوقف صامتا برهة، ثم قال بتؤدة وهو يتقدم نحوها:
- أنا وليم دوق نورماندي. وليم اللقيط! ثم انقض على ضفيرتي شعرها الرائع المسدلتين على صدرها وجمعهما في قبضة يده من تحت ذقنها مباشرة، وجذبها نحوه بعنف حتى لفحت أنفاسه الحارة وجنتيها وصاح بها وهو يهزها بشدة:
- أتظنين لأنك إمرأة أنك مستطيعة أن تهيني وليم عاهل نورماندي وتنجين من مغبة فعلتك. أتظنين أن قرابتك من ملك فرنسا وسواه من رؤوس أوربا المتوجة تعصمك من تأديبي؟ هيا أركعي على ركبتيك وأطلبي مني الصفح!
وأبت كبرياء ماتيلدا أن تصرخ، مع إنه كان يهزها بعنف، وراح يحاول إرغامها بكل قوته على الركوع على ركبتيها، فجعلت تقوم في صمت، وتتلوى في كل وضع، ولكنها أستماتت لكي لا تهبط جاثية على ركبتيها، إلى أن بح صوته، وتصبب بالعرق، فيئس من إخضاعها ودفعها بقوة فوقعت على الأرض، وغادر الحجرة، ثم عاد من حيث أتى، إلى أن لحق برفاقه فجعلوا ينهبون الأرض بحيادهم حتى أجتازوا الحدود...
وكان صدر وليم ميدانا للعواطف المتعارضة فأي إمرأة في مكانها كانت تصرخ باكية، وتجثو بسرعة على ركبتيها وهي ترتعد فزعا. والغالب أن يغمى عليها. أما هذه! رباه! إنها تكاد تكون محاربا من الفرسان، ولولا إنها غادة بارعة الحسن. ما أحراها أن تكون أما تنجب الأبطال، وعروسا لبطل بين الرجال! لقد فشل في إذلالها... وهي بهذا أثبتت أنها ند له... ند لوليم الجبار...
ولم تبلغ ماتيلدا النبأ لوالدها، ولكن الوصيفات تناقلنه، فلم يسعه إلا أن يرسل جنوده لمحاربة نورماندي. واستمرت الحرب سجالا مدة شهور طويلة، إلى أن أعلنت الهدنة ووقعت معاهدة للصلح
وبعد أن تم توقيع المعاهدة، وقف وليم ليقول أغرب عبارة يمكن أن ترد على لسانه:
- إني أشترط لتوطيد هذا السلام أن أصهر إلى أمير الفلاندر، خاطبا للمرة الثانية أبنته ماتيلدا..
وتوقع الجميع أن تثور الحرب مرة أخرى، لأن ماتيلدا- وهي سبب الحرب- سترفض ولاشك تلك الإهانة الجديدة، ولكن ما كان أشد دهشة الجميع حين وقفت بقامتها المهيبة لتقول بأناة:
- قد قبلت خطبة الدوق الجليل، وليم عاهل نورماندي!
ولم يسع والدها الشيخ سوى أن يسألها عن سر هذا التحول في سلوكها نحو الأمير، فقالت:
-أبتاه، لقد رفضت الدوق قبل أن أعرفه حق المعرفة. فلاشك إنه على قدر من الشجاعة والعزة عظيم، وإلا لما تجاسر على المخاطرة بنفسه ليضربني في قلب قصر أبي!....
وهكذا كانت " العلقة" رسول غرام لدى قلب صاحبة السمو إنها حواء، مهما اختلفت الأزياء، والأجواء، والألقاب والأسماء...
أما الضارب العاشق فهو " وليم الفاتح" دوق نورماندي، الذي غزا إنجلترا وغير التاريخ....
ساحة النقاش