ست الحبايب.. ياحبيبة.. يا أغلى من روحى ودمى ياحنينة وكلك طيبة.. يارب يخليك يا أمى.. كلمات من القلب كانت تشدو بها الفنانة فايزة أحمد رحمها الله.. ومازالت تهز مشاعرنا عرفاناً بقوة الأمومة من الحب وتضحياتها التى لاتنضب تقدم عليها كل أم بحب غريزى لأبنائها من لحظة أن ينمو جنيناً إلى أن يخرج إلى الدنيا وهى أجمل لحظة بالنسبة لها، رغم المعاناة والألم الذى لايستطيع غيرها تحمله.. وهى منحة ربانية خلقها الله بها مع ما أودعها من كنز الحنان والأمومة الغريزية منذ ميلادها كأنثى وخروجها إلى الدنيا.. على عكس الرجل الذى تتمثل الابوة بداخله كمشاعر مكتسبة وحنان الأم هو أجمل معانى الحب وهو الذى يمنح الوليد الأمان مع أول صرخة يعلنها معبراً عن خوفه من المجهول مع افتقاده للفردوس الآمن برحم أمه وخروجه من الجنة.. لتحتويه بحضنها الدافىء بالحب وتروى ظمأه بلبنها ليشتد البنيان.. لتظل الأم دائماً هى المرفأ الآمن لنا مهما مرت السنوات.. فالعظماء دائماً مايذكرون فضل الأم.. بل إليها ينسبون نجاحاتهم.. ودعمها لهم..

وفى مصر نسمع ونرى النجوم فى كل مجالات الحياة يرون كيف أنهم يسارعون إلى أحضان الأم يلوذون به من ضغوط الحياة ويستمدون منها الحكمة وخبرة الحياة.. ورغم أنها قد لاتكون على قدر كبير من التعليم الذى وصل إليه الأبناء ولكنها لديها من الذكاء الفطرى وتجارب الحياة مايجعلها قادرة على تقديم النصيحة المخلصة الصادقة..

فعنها قال الكاتب الكبير «أنيس منصور» كانت دائماً المرفأ والحصن الآمن الذى أرتاح إليه أنعم بدعواتها وخبراتها.. كانت طفولتى مرتبطة بحياة الترحال بين قرى الريف وراء أبى الذى كان يعمل مأمور تفتيش للزراعة فى المنصورة فشجعتنى والدتى أن أتخذ الكتاب رفيقاً وصديقاً فى مواجهة الحرمان من الاستقرار وأن أحرم من دوام الارتباط بالأصدقاء والأهل.. فكانت والدتى تعوضنى هذه الغربة وتخفف من وطأتها علىّ كطفل صغير وعلمتنى أن الحركة بركة وكيف أستمتع بالترحال فعشقت السفر والحرية.. وأعجبت فى صغرى بحياة الغجر فهم يتنقلون ويسافرون فى حرية دون قيود المجتمع والأسرة.. بل إننى ذهبت للعيش معهم ولكنهم أعادونى لأهلى.. وقتها ضربتنى والدتى خوفاً علىّ.. كم أحببت هذه الأم وبكيت ومازلت أبكى فراقها فقد دفعتنى للتفوق والقراءة.. وحفظ القرآن فى طفولتى.. ولأتخرج من كلية الآداب قسم الفلسفة التى عشقتها وأكون أول دفعتى بدرجة امتياز ولأخوض مجال الصحافة والسفر وأشبع أحاسيسى بكل ما أراه من عادات وغرائب الناس والبلاد وأكتبه لى ولغيرى من أدب الرحلات.. وكما هى أمنيتى للشباب أن يتعلم ويتفوق ويسعى ويصبر ولايكل.. ويقرأ ويعمل مهما كانت المعوقات فيتحقق بذلك الأمل.

الأسطورة العظيمة

أما يوسف السباعى الذى كان أديباً روائياً كبيراً تألقت رومانسيته كفارس للرومانسية فى روائعه الخالدة «رد قلبى».. بين الأطلال كان يقول دائماً عن أمه أولى الحبيبات فى حياته هى والدته التى كان يلقبها «بالأسطورة العظيمة» التى صنعتنى بعد وفاة والدى فكانت الأم والأب لى ولأخوتى الثلاثة.. تعيننا على الحياة بالحب والصبر والدعوات الدائمة لله بالستر حتى تكفينا الجنيهات العشرة «معاش والدى» مستعينة بقطعة أرض صغيرة تمتلكها.. وقد عاش حياته محباً للأدب.. رغم أنه التحق فى شبابه بالكلية الحربية ليحقق رغبة أمه ليصبح ضابطاً بسلاح الفرسان بالجيش.. فكان أديباً وفناناً يؤمن أن الحياة لاتكون إلا بالحب والعدل والسلام ولن يكون ذلك إلا بالأخذ بأسباب العلم مع الإيمان بالله هكذا علمته والدته بحكمتها فآمن بأن الحياة ليست حلماً قائماً على الخير وحده.. ولكن علينا مقاومة الشر فى كل صوره فلن يحصده إلا من زرعوه.. وقد جسد ذلك فى روايته «نحن لانزرع الشوك».

الحياة أمومة وامرأة

أيضا الكاتب والأديب رجاء النقاش والذى كانت حياته أنشودة من البساطة الشديدة والعمق والبلاغة الموجزة والعذوبة والرقة والشاعرية وكان منها ثلاثون عاماً من الشعر والشعراء.. عباقرة ومجانين فى حب نجيب محفوظ.. وكتابه «ملكة تبحث عن عريس» يجسد البطولة فيه للمرأة ويؤكد دائماً على أن المرأة هى الحياة فكل مشاعر الإنسان ترتبط بالمرأة وكل التجارب الناجحة أو المشكلات تبدأ بالمرأة وتنتهى إليها.. كان يردد دائماً أن نماذج النساء اللاتى عرفتهن علمتنى أن أحب المرأة وأحترمها وأن أعرف لها قدرها ودورها فى الحياة.. وقد كانت أمى فلاحة لاتقرأ ولاتكتب مثل الكثير من نساء جيلها.. ولكننى رأيت هذه الأم مدرسة من الحياة والفطرة والذكاء الطبيعى.. رأيتها تتحمل من المتاعب والأهوال ما لا تتحمله الجبال.. تتحمل وتصبر وتضحى عند الضرورة حتى تصل إلى المرحلة الخطيرة التى تصبح التضحية حتى آخر قطرة من الحياة.. من أمى تعلمت مشاعرى نحو المرأة وإيمانى بدورها فى الحياة ولا أظن أننى أختلف فى هذه المشاعر والإيمان مع غيرى من الناس فالكل يؤمن أن المرأة هى روح الحياة وهى المحرك لها والقادرة وحدها على أن تغذينا بالفرح فى هذه الدنيا فتتمسك بها رغم أننا نعرف أن نهايتها قد لاتسرنا ولا ترضينا.. ولكن بفضل المرأة فى صورها المختلفة ننسى هذه المشاعر ونتناساها أو نفتعل النسيان.

أمى جعلتنى أتحدى المستقبل

كانت أمى أولاً ومساندة أبى وأخوتى سبباً فى تغلبى على اليأس الذى تملكنى منذ وعيت على الدنيا لأجدنى مختلفا عن كل من حولى صغارا وكبارا، فقد ولدت بدون أطراف بلا ذراعين أو ساقين.. هكذا حدثنا «نيكولاس فرجيسيك» الشاب الاسترالى الذى تحدى الظروف والعقبات بقوة الإرادة ليصل إلى قمة النجاح فى حياته العملية فى عالم الاقتصاد وإدارة الأعمال والعقارات حيث يرأس حالياً شركتين كبيرتين وناجحتين فى الولايات المتحدة بعد أن حصل على شهادتين جامعيتين وعمره لايتعدى الخامسة والعشرين عاماً.. ويقول: لقد حولتنى أمى وأسرتى من طفل حزين وحيد.. يريد أن يجرى ويلعب ويسبح مثل غيره من الأطفال إلى إنسان محب للحياة مستمتع بها، فقد عجزت الأجهزة التعويضية عن مساعدتى لأنها أثقل من وزنى دائماً.. مما دفعنى للتفكير للأسف بالانتحار فى فترات الىأس والإكتئاب والإحباط ومرارة الوحدة.. ولكن أقنعتنى والدتى أننى الذى أحدد نظرة الآخرين لى.. فإيمانى بنفسى أولاً وثقتى بها هى التى تشعر الآخرين أنك لديك قدرات مثلهم وأنك ناجح.. علمتنى أن الله لاينسى عباده وكنت أتساءل لماذا؟.. ولكننى تعلمت أن إيمانى القوى بالله يجعلنى أرضى وأتقبل حياتى ولكن أعمل على تغييرها للأفضل مثلما قرأت عن أشخاص غيرى نجحوا وتحدوا الظروف مثل هيلين كلير المعجزة التى تحدت أنها صماء بكماء عمياء واستطاعت أن تثبت وجودها للعالم وتؤلف الكتب وتحصل على الدكتوراه فى القانون وتتعلم كيف تسمع الناس وتستمتع بالموسيقى من خلال الذبذبات.. وتستمتع بجمال الطبيعة وتراها باللمس.. وكانت تؤمن وترد أننى أشعر بالسعادة لأن الحياة تكتسب عظمتها لأننا ولدنا لنؤدى أموراً سامية وللأسف هناك من لايقدر ما أنعم الله علينا حتى الأصحاء!.

الشاب «نيكولاس» فقد تعلم بتشجيع والدته كيف يكتب بقدمه الصغيرة الوحيدة كيف يكتب ويرسم وتعلم ذلك فى خمسة شهور فقط وتعلم أن يحفظ توازنه ويتعلم المشى والإعجاز أن تعلم السباحة مستخدماً قدمه وقوة الدفع بجسده من خلال المدربين المتخصصين وأيضا رياضة الفروسية وركوب الخيل يمسك ويوجه زمام الحصان بفمه، واستطاع أن يلتحق بالمدارس ويكون الصداقات وليجسد الأمل لكل الشباب مؤكداً على دور أمه الأساسى فيما وصل إليه ودور أبيه وأخويه وقد التقينا به فى مؤتمر بمكتبة الاسكندرية عندما جاء إلى مصر بعد أن سافر حول العالم وانتقل بين 22 دولة واحتفت به مصر التى أحبها من طفولته وقال إنه كان يعشقها ويرسم أهراماتها بمساعدة والدته وأعددت الإبحاث عن حضاراتها الفرعونية فى دراستى وتمنيت أن أزور أهراماتها وأراها على الطبيعة ومعى والدتى.. ووجه دعوته للشباب لاتيأس مهما كانت الظروف وحقق نجاحك!

وأول رائدة للفضاء

أما أول رائدة فضاء تنطلق حول الكرة الأرضية «فالنتيناتير شكوفا» الروسية والتى شاهدها البشر تقود سفينتها الفضائية لتدور ست دورات حول الأرض على بعد 233 كيلو متراً لتصبح بطلة العالم ولتضع فى معجزة حداًِ فاصلاً بين عهد الرعب من اختراق الفضاء عام 1963 وترجع ذلك الفضل إلى أمها التى دفعتها لتصبح من عاملة فى مصنع النسيج مثل والدتها.. مثل أول رائد فضاء يورى جاجارين عام 1961 فحين تساءلت فى انبهار وتعجب: وماذا بعد ذلك؟! أجابتها أمها: «الآن.. حان دوركن أنتن النساء».. وعندما عاد جاجارين لأرض الوطن وفى الاحتفال به سألته فالنتينا هل تستطيع النساء أن تغزو الفضاء؟ فأجاب مشجعاً: نعم فنحن فى زمن المساواة ولا فرق بين رجل وامرأة.. فتقدمت بأوراقها لمعهد رواد الفضاء.. واجتازت كل الاختبارات الصعبة بفضل تشجيع والدتها وحماسها.. أما هى فقد كانت أماً ناجحة حرصت على أن توفق بين كل مسئولياتها العملية كرائدة فضاء وزوجة لرائد فضاء مثلها وأم لابنة صغيرة غمرتها بكل الحب والرعاية وكانت تؤكد على أن أمومتها جعلتها قادرة على تنظيم وقتها لتعمل وتبدع وعندما تعود تنجز احتياجات بيتها بفضل الأجهزة الكهربية ومساعدة من تثق بهم من الحضانات التى تطمئن على رعاية ابنتها أثناء عملها.

وكانت سعيدة بهذه الأدوار التى تحقق بها نجاحاتها وتقول ليس هناك شىء يقف أمام نجاحك كامرأة فإصرارك على النجاح هو السبيل.. وقد أصبحت ابنتها بعد ذلك طبيبة ولديها زوج وابن.

المصدر: رئيس التحرير ايمان حمزة - مجلة حواء
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 724 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,814,180

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز