كثرت شكاوى الأمهات والآباء من جحود الأبناء والبنات ، أو لنقل فى بعض الحالات تجاهل الأم وحجب أى معلومات عنها بدعوى أن الأبناء والبنات لا يريدون أن يشغلوا بالها بمشاكلهم وأمورهم الخاصة ! من قال لكم هذا الكلام أيها الأبناء والبنات؟ ومن قال لكم أن أمهاتكم يردن أن يعشن بمعزل عن مشاكلك واهتماماتكم ؟ إنه كلام غير مقبول خاصة إذا كانت بلا عمل ومتفرغة تماما لأولادها!

لدى مئات الرسائل تدور حول ذلك المعنى المؤلم؟ يتساءلن لماذا يعزلنى أولادى بعيدا عن مشاكلهم واهتماماتهم؟

لماذا لا أكون الناصحة الأمينة لأولادى بحكم خبرتى فى الحياة وأرشدهم بقدر المستطاع إلى سواء السبيل؟ لماذا لا يستمعون إلى ولماذا يعتبرون كل كلمة انصحهم بها تدخلا فى حياتهم الشخصية والعائلية!..

وأقسم أن ما أسمعه أكثر من الرسائل فهل أصبح جحود الأبناء والبنات ظاهرة فى مصر ؟ وهل وصلت الأنانية بالبعض لدرجة استنكار الاستماع إلى نصيحة الأم ؟ لكن كان أكثر ما حز فى قلبى وآلمنى هو دموع الأمهات واحساسهن بأن حياتهن ذهبت هباء بعد أن استشعرن أن سؤال الأبناء عنهن فى بعض الأحيان ليس إلا من باب الواجب فقط وليس من داخل القلب !! ما هذا الزمن الكريه ؟

 

 

كانت الرسالة التى لفتت نظرى وحيرتنى فعلا هى رسالة السيدة هنية مصطفى وهى مربية فاضلة سابقة والآن على المعاش وتقول فى رسالتها أن سنها الآن 68 سنة وأنها مصابة بكل أمراض التقدم فى العمر علاوة على الحزن والاكتئاب الذى يسبب كل الأمراض.

كتبت السيدة هنية مصطفى .. أرجوكى أن تكتبى إسمى فقد أصبحت لا أخشى شيئاً بعد أن وصلت إلى مرحلة اليأس من كل شئ ! ولا أخفى عليك يا سيدتى أننى كنت من أشد الناس تمسكاً بالحياة لكننى أصبحت الآن أتمنى الموت وفى فمى وقلبى مرارة من أقرب الناس إلى وهذا هو أصعب ما فى الموضوع!

وفى عدة صفحات كبيرة روت لى السيدة هنية حكايتها منذ البداية قالت :

- تربيت فى بيئة محافظة فى منطقة اسمها المطرية كانت كل شوارعها عبارة عن بيوت متوسطة الحال كل بيت مكون من طابق أو طابقين (كان هذا زمان عندما كنت صغيرة السن) وكان والدى موظفا بوزارة الحربية وأمى ربة بيت متمكنة ومدبرة وشديدة النظافة!

وربما تتعجبين من جملة شديدة النظافة فقد عرف أنها النشاط والدقة فى النظافة وكان بيتنا (بيبرق) من كثرة الاهتمام بالمسح والكنس والتلميع والغسيل والترتيب !

كنت البنت الثالثة للأسرة بعد أخين كبيرين وكنت أعتبر المساعدة الأولى لأمى فى أعمال البيت المريح اللامع ومع ذلك فقد تخرجت فى كلية التربية وعملت مدرسة فى إحدى المدارس وتقدم لى مدرس زميل محترم وتم زواجنا كأروع ما يكون زواج فتاة وفتى من الطبقة المتوسطة التى انقرضت الآن وأصبح الناس إما أغنياء جداً وإما فقراء جداً !! وهذا حديث آخر سوف أوافيك به فى خطاب آخر لكننى أريد أن أحكى لك اليوم حكايتى مع الزمان والأقدار!.

واستطردت السيدة هنية .. كان حظنا ممتازاً أنا وزوجى فقد كنا قد رزقنا بطفل جميل ثم جاءت سفرتنا المباركة إلى الكويت وهناك عشنا ثمانية أعوام فى وفاق وعمل دائب وجمعنا مبلغا محترما من المال وكان الشئ الوحيد الذى أقلقنا هو أننى لم أحمل بطفل بعد ابنى الأول رغم أن كل الفحوص كانت تدل على أننى سليمة وزوجى سليم ، ، لكن هكذا كانت إرادة المولى عز وجل !

وعدنا إلى القاهرة وإلى أعمالنا وصار الابن الوحيد موضع اهتمام كل العائلة وأعدنا الفحص والنتيجة أنها إرادة الله وعدنا إلى أعمالنا وذات يوم أغبر جاءنى زملاء زوجى وهم يحملون جثته فقد أصيب بجلطة فى المخ خر بعدها صريعا وهو يقوم بعمله فى مدرسة البنين الثانوية التى كان يعمل بها !

كان ابنى يومها فى العاشرة من عمره وكان صبيا نابهاً جميلاً وديعاً فيه كل الصفات الطيبة وكانت صدمته فى والده رهيبة فقد كان شديد التعلق به !

وقررت أن أعيش لإبنى وألا أتزوج وتدرجت فى وظائف التربية والتعليم حتى وصلت إلى درجة وكيلة مدرسة ثم ناظرة مدرسة وكان ابنى قد إختار كلية الحقوق لكى يدرس بها وكانت حياتنا ميسرة فقد كنا نعيش فى بيت نملكه ولنا رصيد محترم فى البنك وكانت لى وظيفة مرموقة وكنت قد نسيت أمر الزواج كما عاهدت نفسى فماذا حدث فى حياة الحاجة هنية بعد ذلك .

الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية .

 

المصدر: سكينة السادات - مجلة حواء

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,764,556

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز