اشتعلت حدة المنافسة بين سيدات الأحزاب وخاصة الحزب الوطنى على الفوز بالترشيح فى دوائر كوتة المرأة بمجلس الشعب، فقد وصل عدد المتقدمات للترشيح من الحزب الوطنى فقط 700 سيدة فى مختلف المحافظات يتنافسن على 64 مقعدا فى مجلس الشعب.
والسؤال الذى يطرح نفسه، هل تمثيل المرأة فى مجلس الشعب قضية عددية تحسمها زيادة عدد النائبات عن طريق الكوتة؟، أم قضية تتعلق بنوعية النائبات اللاتى سيصلن إلى البرلمان، ومدى قدرتهن على التعبير عن قضايا وهموم المجتمع بشكل عام، والمرأة بشكل خاص ؟، الجدل مازال دائرا رغم حسم قضية دخول المرأة البرلمان بـ 64 مقعدا عن طريق الكوتة بنص المادة 62 لعام 2007، والتى تنص على (يجوز أن تتضمن حدا أدنى لمشاركة المرأة فى المجلسين) ، ويقصد به مجلس الشعب والشورى، ويرى البعض أن هذه المادة تعتبر تحصينا قانونيا لكوتة المرأة من الطعن مستقبلا، مما يعنى بعدم جواز الطعن على القانون وبعدم الدستورية، وهو ما ينفيه البعض الآخر من رجال القانون الذين يرون أن الكوتة مخالفة دستورية صريحة لنص المادة 40 من الدستور، والتى تقر بالمساواة بين الرجل والمرأة وتمنع التميز بينهما بسبب الجنس أو اللون أو العقيدة .
هذه ليست المرة الأولى التى يتم فيها تخصيص كوتة للمرأة بالبرلمان المصرى، فقد تم من قبل تعديل قانون الانتخابات رقم 38 لسنة 1972 بالقانون رقم 21 لسنة 1979 بتخصيص 30 مقعدا للنساء كحد أدنى أى بواقع مقعد على الأقل لكل محافظة، ولم يسمح للرجال بالتنافس على هذه المقاعد، بينما سمح للنساء بالتنافس على باقى المقاعد، وكان حصيلة ذلك القانون 35 سيدة بالمجلس منهم 3 من خارج الكوتة، وسيدتان بالتعيين، وهو ما طعن عليه البعض، وجاء القرار بعدم الدستورية، والمتتبع لهذه التجربة يرى أن معظم السيدات كن بلا فائدة أو نفع، ولم نسمع صوت واحدة منهن تتقدم بطلب إحاطة، أو تطلب الكلمة لمناقشة قانون، باستثناء البعض الذى قام بدور فعال وهن قلة قليلة، لا تعبر عن العدد والكم غير المؤهل وغير المدرب على كيفية المشاركة السياسية .
وأيا كان العدد فالمهم هنا المعايير التى سيتم على أساسها اختيار المرشحات، وأن يكون لديها الكفاءة والسمعة الطيبة والشعبية التى تتمتع بها تلك السيدات، والاستنارة والقدرة على الاقناع، والخبرة والأهم من ذلك الأكثر التصاقا بالجماهير، ولديها شعبية كبيرة فى دائرتها، وهى معايير ليس من السهل تواجدها فى كل المرشحات، وكم من السيدات ذوات الأسماء اللامعة اللاتى هبطن فى الانتخابات السابقة على الدوائر الانتخابية ولم يحققن نجاحا بل هزمن هزيمة ساحقة، لافتقادهن أهم عنصر من عناصر النجاح وهو الالتصاق بالجماهير ومعايشة مشاكلهم وقضاياهم .
التجربة البرلمانية للمرأة المصرية منذ عام 1957 اثبتت أنه لا مكان سوى لمن يقدم الخدمات لأبناء دائرته، ومن يرجع إلى ذاكرة المجلس سوف يجد أن السيدات اللاتى التحمن بالجماهير وتعايشن مع مشاكلهم هن اللاتى استطعن أن يؤثرن فى العمل البرلمانى، بل تركن بصمة واضحة فيه منهن نوال عامر، ثريا لبنة، وناريمان الدرمللى التى أخذت المقعد من فم الأسد فى محافظة سوهاج بصعيد مصر، حيث العادات والتقاليد العتيقة، ورواية عطية أول نائبة بالبرلمان، وجورجيت قلينى وفايدة كامل التى دخلت موسوعة جينس للأرقام القياسية، باعتبارها أقدم برلمانية فى العالم، ويكفى أن هناك الكثيرات من النائبات استطعن اكتساح أعتى الدوائر الانتخابية وهزمن أقوى الرجال لقربهن من الجماهير، وكن فى المجلس خير نائبات مناقشة واعتراضا وتحذيرا.
المؤكد أن كوتة المرأة منحت المرأة الفرصة للتواجد على الساحة السياسية، لكنها لم تمنح المرأة التمكين ، لأنها ممكنة بالفعل منذ عام 1957 عندما دخلت البرلمان ولم تنقطع عنه منذ ذلك اليوم، صحيح أن نسبة تمثيلها ضئيلة، بسبب الموروث الاجتماعى والثقافى الذى يرفض منح صوته للمرأة، لعدم ثقته فى قدرتها على المشاركة السياسية والتعبير عن قضاياه ومشاكله وهمومه وهو ما يؤكد ما تطالب به من ضرورة التدقيق فى اختيار العناصر النسائية المؤهلة حتى تستطيع كسب ثقة الناخب.
أعتقد أن الوقت مازال مبكرا أمام الأحزاب، وخاصة الحزب الوطنى لعدم الدفع بامرأة غير مؤهلة وغير قادرة على المشاركة فى الانتخابات البرلمانية لمجرد القول بأن لدينا 64 مقعدا للسيدات فى البرلمان وأن نبدو أمام العالم دولة متقدمة، فالحرص على تغليب عنصر الكفاءة والمقدرة على المشاركة والعمل السياسى أهم من مجاملة أشخاص بعينهم غير مؤهلين على حساب آخرين هم أقدر على المشاركة السياسية الفعالة .
ويبقى السؤال المهم، هل الكوتة سوف تؤدى إلى أحداث نتيجة ايجابية، أم سيظل التمثيل البرلمانى تمثيلا شرفيا وصوريا يتعلق بالكم وليس الكيف أى الكفاءة والقدرة على العطاء ؟
هذا ما سوف تجيب عليه الأيام .
ساحة النقاش