احتفت أفلام الدورة الرابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي الذي أقيم على مدار عشرة أيام بالعاصمة الإماراتية أبوظبي ـ 14 ـ 23 أكتوبر 2010ـ بقضايا المرأة وهمومها، وعالجت للتحديات التي تواجهها المرأة العربية خاصة في الخليج ومصر والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وغيرها من البلدان العربية، فبدءا من فيلم افتتاح المهرجان "سكرتاريت" الذي انتصر للمرأة مؤكدا قدرتها على تحمل أكثر المسئوليات حساسية وثقلا، ومرورا بأفلام "شتى يا دني"، و"حرائق" و"ميرال"، و"لعبة عادلة"، و"نسخة مصدقة"وغيرها الكثير، تلك الأفلام الروائية الطويلة التي قدمت نماذج رائعة لكفاح المرأة من أجل أوطانهن وحريتهن وكرامتهن ومن أجل القيم الإنسانية العادلة.
قد التزم المهرجان بعرض الأعمال الجديدة والمميزة لصناع السينما العرب لتشارك في المسابقة إلى جانب أعمال كبار المخرجين في عالم السينما، ليقدم بذلك إلى الجماهير المتنوعة والمتحمسة لهذا الفن في أبوظبي وسيلة لتبادل الأفكار من خلال فن السينما، وسلط الضوء على الأصوات الجديدة والجريئة في السينما العربية بما يتماشى مع دور أبوظبي كعاصمة ثقافية ناشئة في المنطقة، وليكون المهرجان بقعة في هذا العالم لاكتشاف وقياس نبض السينما العربية الحالية.
أفلام عدة سواء روائية طويلة أو وثائقية طويلة وقصيرة عالجت القضيتين الفلسطينية واللبنانية من منطلق فني جمالي إنساني، كاشفة أن المرأة هي من حملت تبعات وآثار الحروب والصراعات والنزاعات، ففي الفيلم الفائز بجائزة اللؤلؤة السوداء لأفضل فيلم عربي، نرى المرأة اللبنانية التي حملت مسئولية الأبناء في ظل غياب الأب القسري حيث كان مختطفا لعشرين عاما، وفي فيلم "وطن" للمخرج جورج سلاوزر الفائز بأفضل فيلم وثائقي نرى للشتات الذي يضرب الأسرة الفلسطينية في عمق تواصلها، وفيلم "أرواح صامتة" للمخرج ألكسى فيدروشينكو الذي ينتصر لروح المرأة في قلب الرجل العاشق، وفي فيلم "مملكة النساءـ عين الحلوة" لدانا أبو رحمة تعيد المرأة بناء ما هدمته قوات الاحتلال الإسرائيلية يوم اجتياحها لمخيم عين الحلوة عام 1982.
ويدخل فيلم "جلد حي" للمخرج فوزي صالح الفائز بجائزة لجنة التحكيم إلى عالم عمالة الأطفال في مصر ليفضح ما يعاني منه أطفال في أعمار تتراوح ما بين 16 عاما و12 عاما، محذرا من الأخطار التي يتعرض له هؤلاء الأطفال، ويدور حول الأطفال العاملين بالمدابغ خاصة وأنها مهنة شديدة الخطورة وتعرضهم لمخاطر أقلها ضرر الروائح الناتجة عن المواد الكيماوية السامة "مايه النار" التي تستخدم في عملية الدباغة، موضحاً أن الفيلم يرصد تعرضهم للموت داخل مكان شديد الفقر في مقابل بحثهم عن المال الذي يكفيهم بالكاد.
كما يلفت فيلم "ثوب الشمس" للمخرج الإماراتي سعيد سالمين إلى أهمية تعميق البعد الإنساني في التعامل مع المعاق، حيث يعالج قصة إنسانة صماء عاشت في بيئة اعتبرها المخرج بيئة عالمية لكن ضمن غطاء إنساني بمناخ عربي "إماراتي _ سوري" سعى المخرج من خلالها معالجة فكرة الإنسان المعاق ضمن تساؤلات عن إمكانية تحقيق أحلام الإنسان المعاق ومعالجة صراعه مع الواقع الاجتماعي المحيط به، يتخلل الفلم أحداث درامية ينتقل فيها المخرج بشكل فانتازي من واقعين مختلفين ضمن ربط درامي للأحداث. وغيرها من الأفلام تؤكد على أن قضايا المرأة تحتل مكانة كبيرة في أفكار وهموم صناع السينما عربيا وعالميا.
إن اختيارات المهرجان للأفلام في دورته هذه انطلقت من رؤية إنسانية ورؤية فنية جمالية شديدة العمق، تؤكد التوجه الذي تحمله هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث ومديرها محمد خلف المزروعي، وأيضا فريق عمل المهرجان ممثلا في مديره بيتر سكارليت، لقد أكد المزروعي على أن المهرجان الذي تنظمه هيئته يسير وفق رؤية آنية ومستقبلية تحمل ذات البعد الإنساني الذي تحمله استراتيجية هيئته "تعزيز حوار الثقافات"، والكشف عن ودعم ومساندة "جيل من الشباب في الإمارات ومنطقة الخليج والعالم العربي بدأ في تجسيد ذاته ومجتمعه من خلال السينما".
وكان الرجل صادقا حين قال إن هؤلاء الشباب أبناء الإمارات والخليج العربي والعرب كلهم "ما راهنت عليه قيادتنا الحكيمة"، فما المهرجان إلا "قضايا الشعوب وهمومها تلتقطها عدسة السينما لترويها مرة بعد أخرى، عواطف الإنسان وشجونه ولمحاته تتجسد أمامنا في لغة السينما الأخاذة، مخاوفنا البيئية وحياة المدن والقرى وتبدل اهتمامات البشرية تـُحفر عميقاً في ذاكرتنا".
لقد استقبل مهرجان أبوظبي السينمائي عشرات من نجوم صناعة السينما العربية والعالمية الذين التقوا بالجمهور وتواصلوا معه عبر مناقشات كانت تدار يوميا في خيمة المهرجان، من بين هؤلاء النجوم أوما ثورمان وجوناثان ريس ميريس وأدريان برودي وجوليان مور وكليف أوين و يسرا ولبلبة ويحيي الفخراني وخالد أبو النجا وخالد النبوي وبسمة وآسر ياسين وبسام كوسا وسمية الخشاب وفتحي عبد الوهاب ورشيد عساف وغيرهم.
أيضا الأسرة والطفل كان في دائرة اهتمام مهرجان أبوظبي السينمائي حيث دعا الأطفال وذويهم إلى الاستمتاع بفاعليات "يوم العائلة" حيث عرض برنامجين مميزين، الأول هو برنامج أفلام الرسوم المتحركة القصيرة من جميع أنحاء العالم، والذي تضمن مجموعة من أبرز أفلام مهرجان آنسي السينمائي الدولي لأفلام الرسوم المتحركة _ فرنسا التي عرضت هذا العام، والتي اختيرت مع الأخذ بالاعتبار جمهور الشباب في مسعى لأن يجد الجميع ما يناسبه، ولإتاحة الفرصة لجميع الفئات العمرية للاطلاع على جديد عالم الرسوم المتحركة. أما البرنامج الثاني والذي حظى بإعجاب الجمهور أيضا، فتضمن عرض فيلم "السيرك" (1982) أحد أكثر أفلام العظيم شارلي شابلن طرافةً.. يضاف إلى ذلك كله هؤلاء الفتيات والشباب من متطوعي "فزغة" أحد مبادرات هيئة أبوظبي للثقافة والتراث الذين قاموا بفعالية كبيرة في تقديم كافة أعمال الدعم والمساعدة من النواحي الإدارية والتنظيمية والعلاقات العامة في مهرجان أبوظبي السينمائي 2010، مقدمين بذلك صورة مشرقة عن الشباب الإماراتي ومدى اهتمامهم والتزامهم بنقل صورة مميزة لبلدهم وتأكيد جودة وأصالة الضيافة والاستقبال.
ساحة النقاش