منذ ظهور مجلة حواء بمقالاتى الاخيرة فى قضية الاحوال الشخصية،و البريد يأتينا تباعابما لا  أول له ولا آخر من تأييدات القراء...و من بين هذه التأييدات عدد كبير جاءنا من سيدات و آنسات يقفن بجانبنا فى كفاحنا من أجل تحقيق صالح الوطن بانقاذ الاسرة العربية من مذلة المهانة و العبودية التى تفرضها عليها تشريعات رجعية وضعت فى أزمان الجهالة و التأخر. ثم بقيت الى يومنا هذا على حالها القديم العليل دون تغيير رئيسى أو فرعى..

    و من بين هذه التأييدات أيضا عدد كبير جاءنا من رجال و شبان متحضرين وطنيين، عرفوا كيف يجردون أنفسهم من مساقط التحيز و التحزب،و يحررون عقولهم و نفوسهم من سيطرة الرجعية التى طالما ضللت الاذهان فى بلادنا عامدة متعمدة،و ليس من هدف لها فى الكفاح من أجل أبقاء التشريعات البدائية على حالها سوى رغبتها الانانية فى ابقاء المجتمع مقيد اليدين.. مغمض العينين... تابعا لاحول له ولا قوة لارادته و مطالبه، الامر الذى أضر بالشعب الاسلامى كله، وسيلة أمجاده العظيمة القديمة،و حوله من قائد فى الحضارة و التقدم الى مجرد قوة ضعيفة لا تملك القدرة على اللحاق بركب المدينة الذى فاته مع الاسف بمسافة شاسعة...

    و أنا مع تقديرى العظيم لتأييد النساء،و ترحيبى البالغ بمشاركتهن لنا فى الدعوة الى انقاذ المجتمع الاسلامى من متاعبة الخطيرة، رأى من واجبى أن أمنح المؤيدين من الرجال اهتماما مضاعفا.. ذلك أن المغرضين كانوا دائما حريصين على تشويه قضية الاحوال الشخصية بتصويريها للرأى العام فى صورة مشكلة نسائية تريد بها المرأة أن تسلب الرجل قوامته و حقوقه،و قد افلح هذا التشويه – مع الاسف – فى خداع الكثيرين من اخواننا الرجال، فتصوروا أنها معهم،و لكى يحافظوا على كيانهم يتحتم عليهم أن يحاربوها بكل ما فى طاقتهم من قوة و عنف.. و ظلوا على هذا الاتجاه سنين و سنين، ثم زحف الوعى على بلادنا،و تغيرت الاوضاع القديمة بما أتاح للفكر الجديد أن يرفع صوته،و يعلن كلمة الحق غير عياب أو وجل.. عندئذ أخذ اتجاه زملائنا الرجال يتغير،و اقتنع عدد لا يستهان به منهم.. الاذكياء من المواطنين الصالحين.. بأن المطالبة بتعديل قوانين الاحوال الشخصية ليست مسألة نسائية مطلقا، انما هى قضية اجتماعية من الدرجة الاولى،و النصر فيها كسب ما بعده كسب للشعب الاسلامى بأجمعه...

    و هذا التغيير يشير فجر جديد لبلادنا الحبيبة التى تحتاج فى هذه المرحلة من تكوينها الاشتراكى الى قيادة الفكر التقدمى و نضجة بالقدر الذى يكفينا فى علاج أمراض الماضى،و بناء حياة جديدة كريمة..

    و لفرط تقديرى لقيمة رأى الرجال فى تعديل قوانين الاحوال الشخصية،و هى من أهم قضايا التحضر الوطنى، أرانى أميل الى ابراز أقوالهم قبل أقوال النساء، حتى يقرأها غيرهم فتطمئن نفوسهم الى ما يجب أن يفعله كل مواطن صالح فى خدمة بلاده..

    و ابدأ بصورة من رسالة بعث بها القارئ عبد العزيز السيد الى رئيس لجنة تعديل قوانين الاسرة،و قد وافانا بنسخة منها لكى نستنير بما جاء فيها من وجهة نظر الشباب من رجالنا...

    و الرسالة موجهة الى رئيس لجنة الاحوال الشخصية و مفتى الديار المصرية،و يقول فيها المواطن الصالح عبد العزيز السيد: (أحيط علم سيادتكم بآن الكثيرين من المواطنين يناصرون ضرورة انصاف المرأة المصرية،و تعديل القوانين الخاصة بالاحوال الشخصية، فقد تغير الزمن على مضى الاجيال،و تغير رجاله،و لم يعد هناك محل للابقاء على القوانين القديمة التى لا تتمشى مع روح عصرنا ولا تجارى تطور الحياة.. هناك فارق كير بين المرأة فى تطورها بعد قيام الثورة المباركة التى تعمل لاذابة الفوارق، فأصبحت المصرية فى أيامنا هذه مسئولة فى جميع نواحى الحياة، بل و تحمل عبئا ثقيلا كالذى يحمله الرجال.. تشق طريق الحياة بنفسها،و تسهم حتى فى ميادين القتال.. فكيف لا تتغير قوانين الاحوال الشخصية التى أعطت الرجال الحق فى التلاعب بزوجاتهم،و التحايل على الدين.. يجب الاسراع بتغيير هذه القوانينمادام كل شئ فى الحياة قد تغير.. أننا نقرأ فى الصحف تباعا و ما هو و متى يعمل به.. أن أشد ما يؤسفنا آن حكومتنا الرشيدة لم تتخذ الى الان خطوة حاسمة فى سبيل انقاذ المرأة و تحريرها من قيودها.. بل و يؤسفنا أكثر أن مشروعينا لم يتخذوا هذه الخطوة الانسانية،و كلما طالب المواطنون بذلك، يقال فى الرد عليهم. أن المشروع معروض على مجلس الامة للمناقشة،و كان الاولى أن يقدم على غيره،و أن يعمل به كبقية القوانين... فتغيير هذا القانون حق انسانى مشروع،و من الواجب الاهتمام به،و أن 95% من المواطنين ينتظرون هذا التغيير و يرجون ألا  يترك فى زوايا النسيان...

    ياحضرات السادة الافاضل: أن شباب هذا العصر فى عمومهم يعتبرون المرأة المصرية فريسة أحلامهم و أن ما يدفعه الرجل فى صورة المهر، لا يعطيه الحق فى شراء المرأة و التحكم فيها، مغالطا نفسه بأنه الامر الناهى و أنه على ك شئ قدير... كيف يجوز ذلك فى عهد الحضارة و المساواة و الاشتراكية.. ان عهد الرق قد انتهى من قديم الزمن، فكيف نعيده فى الاسرة من جديد؟ هذا النوع من الرجال ما زال موجودا فى مجتمعنا مع الاسف الشديد،و هو يعتمد فى ممارسة سيطرته و قوته الغاشمة على القوانين القديمة البالية.. و لكن ليكن فى علمكم أيها السادة الافاضل المحترمون: أن فى مجتمعنا عددا كبيرا من الرجال ينكرون ذلك،و يجدون فى بقاء هذه الاوضاع رذيلة،و يعتبرون تعذيب المرأة و الانتقام منها فيما يسمونه بيت الطاعة زللا لا بد أن يقضى عليه بتغيير القوانين.. لذلك نستحلفكم بالله و الدين الحنيف أن تعملوا على اذابة الفوارق بين الرجل و المرأة،و تسرعوا بتغيير القوانين التى فرضها الظلم و الطغيان و أن تحرروا بلادنا من تشريعاتها البالية، لكى يتأتى للنساء أن يعشن فى أمان و أطمئنان...

    و ليس هذا كل ماجاءنا، فلدينا غيره كثير و كثير و لولا ضيق المقام لنشرت عشرات من الرسائل التى أتتنا من ردجال ناضجين تقدميين، لذلك أكتفى بمجرد أمثلة رمزية لرأى الشباب الصالح فى بلادنا..

    يقول الاستاذ شفيق عبد العال المعيد بكلية زراعة جامعة القاهرة: (أن بقاء التشريعات القديمة على حالها أمر مستحيل،و يجب أن يتم الطلاق أمام القاضى حتى تتوافر الفرصة العادلة لازالة الخلافات التى كثيرا ما تؤدى بكيان الاسرة رغم بساطتها.. كذلك الامر فى تعدد الزوجات فلا يصح مطلقا أن يتم الا أمام القاضى، حتى يمكن التأكد الى ضرورته الحتمية، على أن يحدد القانون الحالات التى يسمح فيها بالتعدد فى أضيق نطاق، مع حماية حقوق الزوجة الاولى و المحافظة على كرامتها...

    و يقول المواطن روحى عازم محمد الطالب بليسانس الدراسات الاجتماعية – كلية أداب القاهرة فى جانب من رسالته المسهبة: (كان التعدد معروفا أيام الاسلام الاولى، بل و شجعه الاسلام لظروف خاصة، لا سيما و أن المسلمين كانوا قلة،و لكن لو نظرنا حولنا الان، لرأينا أنه من الصعب، بل يكاد يكون من المستحيل أن ترضى زوجة أن تشاركها فى زوجها امرأة أخرى، هذا من ناحية الزوجة.. أما من ناحية الزوج فأن مشاكله ستزيد و أعباءه ستتكاثر،و لن يستطيع أن يوقف بين بيتين، أو يعدل بين زوجتين لانه بشر.. و من هنا نرى أن نتيجة التعدد هى العداء و الخصومات، فهى تزرع الشقاق بين أسر كان بكثرة ما نتجة من أولاد....و فيما يختص بالطلاق فهو أبغض الحلال عند الله،و هو يهدم الاسر الامنة،و لكن ليس معنى ذلك تحريم الطلاق لان الخلاف اذا احتدم و لم تعد فائدة فى اصلاحه، يكون الانفصال بين الزوجين أفضل.. و لكى نصل الى أساس المشكلة يجب أن نكثر من مكاتب الاستشارات الزوجية، لكى يستطتيع كل طرف أن يفهم الطرف الاخر،و بذلك تقل حدة المشاكل.. و لكن قد نجد أشخاصا يأخذون حرية الطلاق و اباحته على أوسع معانيها،و يخلقون المشاكل و المشاحنات كسبيل الى التخلص من زوجاتهم،و لذلك وجب أن ينظم القانون الوضع فلا يباح الطلاق الا فى أضيق الحدود..)

    و يقول المواطن على فخرى الطالب بليسانس الاجتماع – كلية آداب القاهرة: (أن رأيى يتلخص فى هذه النقط المختصرة: أولا: يجب منع تعدد الزوجات منعا باتا بقانون.. ثانيا: أن يباح الطلاق و لكن تحت ظروف معينة و لاسباب موضوعية ملحى.. لاننا بمنعنا تعدد الزوجات المتفشى ف الريف نخفف من مشكلة تزايد السكان،و هى المشكلة التى تعانى منها البلاد.. أما الطلاق فهو مباح اجتماعيا و دينيا،و لكن يجب عدم اللجوء اليه بصورة مطلقة عملا بحديث: (أن أبغض الحلال عند الله الطلاق..و فى رأيى أنه لابد من توافر المبررات الجسيمة لحدوث الطلاق، مثل حالة العقم أو الخلاف المستحكم أو الخيانة الزوجية أو ما شابه ذلك من الاسباب الداعية للانفصال مثل الزواج بأخرى..)

    و يقول المواطن أحمد غيث الطالب بالسنة النهائية بقسم الكهرباء – كلية هندسة القاهرة: (لم يبق مجال فى حياتنا المتحضرة الحالية لبقاء تشريعات الاسرة على حالها،و من واجب مجلس الامة أن يسرع بتجديد القوانين فيجعل الطلاق أمام القاضى تمشيا مع روح الشريعة التى تبيح الطلاق فى أضيق الحدود،و تعتبره أبغض الحلال عند الله.. و الامر بالمثل فى تعدد الزوجات، فالضرورة تقضى بتقييده لا يتم الا اذا لم يكن هناك مناص منه كحالات مرض الزوجة أو عقمها أو خلافه.. و أعتقد أن سن الزواج أيضا يجب أن يشملها القانون الجديد، فيرفعها فى حالة الرجل على وجه التخصيص الى الثالثة و العشرين أو الرابعة و العشرين،و هى السن التى يستطيع الرجل فيها أن يتحمل مسئولياته العائلية..)

    هذه كما سبق أن ذكرت مجرد أمثلة للرسائل التى أتتنا من أهل الفكر الجديد فى شبابنا الموفق بأذن الله و أنا أريد هنا أن يقرأها أعضاء مجلس الامة، حتى يستنيروا بوجهة النظر الاخرى.. و أقول وجهة النظر  الاخرى لان المعارضة الرجعية طغت بصراخها العالى على كل صوت عداها،و أرادت عامدة متعمدة أن تثير ضجة تضيع فيها كلمة الحق الهادئة...

    اننا نؤمن بوطنية نوابنا....

    ولا نشك فى أنهم حريصون أكثر منا على صالح المجتمع،و لولا ثقتنا بهم ما انتبناهم ليكونوا رسلنا فى الحياة لنا بالاسلوب العملى الملموس أننا لم نخطئ مطلقا عندما منحناهم أصواتنا..

المصدر: أمينة السعيد - مجلة حواء

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,209,925

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز