هل يمكن أن تكون الحياة سعيدة فى بيت صامت؟. فى بيت يعيش فيه الزوجان بلا اختلاف كبير عن الجدران التى تضمها؟

    و هل يمكن أن تكون هناك أسباب خلف صمت الزوج.. و أن هذه الاسباب ليست فى صالح الزوجة بأى حال من الاحوال؟

    و هل يدفع ذلك بالزوجة الى أن تفكر فى خلق المشاكل، حتى تسمع صوت زوجها،و لو كان صوته غاضبا ثائرا؟


    أن الزوجة تفاجأ بعد الزواج بأن زوجها لم يعد ذلك الفتى العاشق الذى يهمس فى أذنها بأحلى الكلمات و تبحث عن نظرة الشوق فى عينه، فلا تجد لها أثرا ربما وجدت فى هاتين العينين نظرة حائرة، أو نظرة جامدة،و لكنها قليلا ما تجد فيهما التوهج الذى يعبر عن الشوق و اللهفة و تتساءل الزوجة:
ماذا حدث؟ هل يرى زوجى أنه أخطأ عندما فكر فى اختيارى لمشاركته رحلة الحياة؟ و اذا لم يكن هذا هو شعوره، فما الذى يجعله يؤثر الصمت على هذا النحو؟ لابد أن شيئا ما يشغله و شغله تفكيره

ما الذى يشغله؟
    و عندما يصل تفكيرك الى هذا الحد، فأنت على صواب. فان فى حياة زوجك ما يشغله.. ما يجعله يؤثر الصمت فى كثير من الاحيان.. ما يجعله ينظر اليك من حين الى آخر تلك النظرة الحائرة التى تعبر عن قلقه.

    تلك هى النتيجة،و لكن تختلف الاسباب ما بين خيالك و بين الواقع، ففى رأيك آن هناك أمرأة أخرى وراء هذا الصمت،و خلف تلك الحيرة. و أن هذه المرأة تشغل بال زوجك. و تجعله لا يطيق الحديث معك،و لو لحظة واحدة!

    و لكن لا... أن هذه الخيالات لاظل لها من الواقع فلو أن زوجك كان يعرف امرأة أخرى حقا، ماكان هذا هو أسلوبه فى التعامل معك. على النقيض، أنه يصبح أكثر رقة.. و أكثر حرصا على مشاعرك، بدافع من الاحساس بالذنب الذى يطارده فى كل لحظة.

    و انما انصراف زوجك عنك على هذا النحو، يعنى أنه يعيش فى حبه الكبير،و أن هذا الحب ليس غريا عنك،و أنما هو يجعله مشغولا عنك بك. و من هنا تبدأ مسئوليتك.. أنت وحدك القادرة على أن تنهضى بهذا الحب،و فى يدك أن تحطميه!

    إن الزوجة العاقلة هى التى تدرك أهمية العمل فى حياة الرجل.و تعرف الى أى مدى يكون اهتمامه بتحقيق النجاح فى هذا العمل.و يتضاعف هذا الاهتمام عندما يجد نفسه مسئولا عن أسرة.. عن زوجة حبيبة و أبناء أعزاء، فهو يود لو أستطاع أن يوفر لهم كل أسباب الاستقرار،و ان يحيطهم بكل مقومات السعادة و الهناء.

    و من هنا يصرف الزوج أغلب وقته فى التفكير فى عمله. فى بذل مزيد من الجهد و العرق  و الفكر لكى يتفوق و يتقدم و يحظى بمكتنة مرموقة.

    و لكن هل هذه وحدها مقومات النجاح؟ أن عليه و هو يتقدم فى طريقه أن ينتزع الاشواك التى تقف فى هذا الطريق. و أن يمنع الافواه التى تريد أن تطفئ عليه مصابيح شارع الحياة،و تتركه للظلام و الضياع. معنى ذلك أنه يعيش معركتين من أجل مستقبله.. معركة العمل و البذل من أجل هذا المستقبل،و معركة النضال و الترقب من أجل الحفاظ على هذا المستقبل.

    و المعارك بطبيعتها تجعل الانسان فى حالة غير طبيعية. تتلف الاعصاب و تحرك عوامل القلق أكثر مما تهيئ للاستقرار،و تورث الجهد و التفكير الطويل و ليالى الارق...

    و يكون من الطبيعى بعد ذلك أن يتسلح الزوج فى البيت بالصمت.. أن الصمت هنا هو عبارة عن أعفاءة من تلك المتاعب. و هو يعنى البحث عن جو الهدوء بعد يوم طويل من الصخب و الضجيج و المعارك فى جو العمل،و هو يمنح الرجل فرصة لبداية يوم جديد،و قد استعد له بأعصاب أكثر هدوءا و راحة،و بنفسية جديدة متحمسة.

    و قد تتساءل الزوجة: اذن فالمفروض على أن أتقبل الحياة مع رجل لا يختلف وجوده عن غيابه؟ أن أتعود الحياة مع تمثال متحرك و لكنه غير ناطق؟!.

    والاجابة عن هذا السؤال بالايجاب بصورة مطلقة، يعنى أن دورك يتطلب منك تضحية ضخمة قد تعجز أعصابك عن الاستمرار فيها فترة طويلة. ثم أن القيام بهذا الدور عن طريق الضغط على أعصابك له نتائجه السيئة، فقد تنفجر الاعصاب يوم ما، و يكون رد فعل هذا الكبت مدمرا!

ابتسامة الحياة
    أذن... كيف يكون السبيل الى تحقيق التعايش السلمى فى البيت؟ كيف يمكنك أن توازنى بين صمت زوجك و رغبتك فى أن تشعرى بالحياة الى جانبه،و أن تبادليه الحديث الحلو،و أن تسمعى منه همسة الحب و كلمة المداعبة؟

    الطريقة سهلة و بسيطة،و هى أن تجعلى من نفسك الابتسامة الحلوة التى يراها زوجك على وجه الحياة. ففى قلب الجو الكئيب يبحث الانسان عن كل ما يبعث على الامل،و يغرى بالسعادة.

    أن زوجك لا يحب أن يرى صورة وجهه على وجهك. و أنما هو يبحث عندك عن مرآة تعكس له صورة مشرفة للغد،و هو لا يود أن يرى فى حديثك صدى لانفعالاته،و انما هو يتوقع منك الكلمة الحلوة.

    و على ذلك، فان عليك أن تنتهزى تلك الاوقات التى يبدأ فيها زوجك الحديث معك، أو تلك الاوقات التى يكون على استعداد فيها لان يسمع لتداعبى فى قلبه الآمال الحلوة،و تشعريه بأنه لا يقف وحده فى هذه الدنيا.

    هناك من يقف الى جانبه،و يشد أزره،و يشعر بما يعانيه،و يقدر ما يبذله،و يمنحه الطاقة على مواصلة السير فى الطريق.

    و كل انسان يجد نفسه فى وقت ما، يعيش مع أماله و طموحه فى لحظة اجترار و يود لو أتيحت له الفرصة لكى يفكر بصوت عال. لكى يجد صدى لافكاره. لكى يجد الاذن التى تسمع له،و العين التى تبرق مع آماله،و القلب الذى ينبض مع أحلامه.

    و لو أستطاعت الزوجة أن تفعل ذلك، فانها سوف تجد نفسها قريبة الى قلب زوجها أكثر من أى وقت مضى. سوف تجده يسعى الى الاوقات الجميلة التى تضمهما معا ليتحدث آليها بصوت الامل،و تستمع اليه بأذن الحب.و شيئا فشيئا يتخلى الزوج عن صمته. و ينظر الى حياة البيت على نحو آخر. أنها ليست الفترة التى يستريح فيها من متاعب يومه و مشاكله، بقدر ما ه الفترة التى يستنهض فيها الامل من قلب المعارك،و ينتزع الورود من قلب الاشواك.

زوجة أبى الهول
 أكبر مما كانت تقوم به الزوجات فى الماضى. فهى مطالبة بأن تكون شريكا للرجل فى حياته داخل البيت و خارجه. ليس يهم أن تكون امرأة عاملة حتى تستطيع مشاركته فى الخارج،و انما المهم أن تفهم طبيعة عمله،و أن تقدر ظروف هذا العمل،و أن تهيئ له من الاسباب ما يجعله قادرا على القيام به على أفضل وجه،و أن يصل فيه الى المكانة التى يرجوها.

    و هى مطالبة بأن تفصل بين فترتين من عمرها.. فترة الاحلام التى عاشت فيها أيام الحب و الخطبة.. و فترة الحياة الزوجية.. و الفرق بين الفترتين، هو الفرق بين سعادة الاحلام و سعادة الواقع. و مواجهة كل لون تحتاج الى أسلوب معين فلا يمكن أن نتعامل مع الواقع دائما بأسلوب الخيال. و على ذلك فأنه اذا اختفت من فوق لسان الزوج الكلمات الملتهبة، فلا يعنى ذلك أنه فقد حماسته و اشتعال عواطفه،و انما هو يبقى تحقيق السعادة الحقيقية لك،و أن تنجسم هذه السعادة على أرض الواقع.

    و هى مطالبة بأن تكون أذنا واعية منصتة. فتستمع الى زوجها،و تشعره بأنه يستطيع أن يفض أمامها أسرار قلبه،و أن يجد على صدرها الوسادة التى يستريح اليها،و هو اذا أحس بالاطمئنان، فلا شك أنه سوف يتخلى عن صمته،و ينظر الى الامور نظرة أخرى.

    و من الخطأ عندما تكتشف الزوجة أن زوجها أصبح يميل الى الصمت، أن تنصرف عنه،و أن تطلق لسانها بالشكوى،و أن ترمى نفسها بسوء الحظ الذى أوقعها فى زوج لا يقدر مشاعرها، و ينسى أنه يعيش مع زوجة لها عنده حقوق.

    أننا قبل أن نطالب بحقوقنا، علينا أن نعرف واجباتنا اولا،و أن تقوم بها كاملة. و نحن اذا فعلنا ذلك لن نحتاج الى المطالبة بحقوقنا، لان كل فعل له رد فعل. والذى يعرف واجبه و يؤديه، يجد كل حقوقه و يحصل عليها.

    أما أن تنصرف الزوجة،و تجأر بالشكوى، فهذا يزيد من احساس الرجل بأنه يقف وحده. و أن عليه أن يواجه كل التيارات خارج البيت و داخله أيضا.
    أعيدى النظر أذن فى موقفك،و قبل أن تنهى زوجك بأنه أبو الهول، تساءلى: هل قمت نحوه بواجب الزوجة كما ينبغى؟

    و الاجابة عن هذا السؤال سوف تكشف أمامك الطريق و تعيد لك الامل فى السير بالحياة الزوجية فى طريق الحب و الهناء و الاستقرار و السعادة. و تهيئ لك سبيل الالتقاء مع زوجك فى منتصف الطريق.. هو يطمئن اليك و يحدثك عن هواجسه و اماله،و أنت تحسنين الاصغاء اليه،و تنتزعين من قلبه الهموم و الهواجس،و تمنحيه القدرة على رؤية الامال البعيدة بصورة أكثر وضوحا.

    و اذا حدث ذلك، فان زوجك لن يستغنى عن وجودك لحظة واحدة. و لن يشعر بأنه يقف وحيدا،و لن يتردد فى التخلى عن صمته. و لن يترك فرصة دون أن يعبر لك عن حبه. و لكن تعبيره فى هذه المرة لن يكون مجرد همسات،و أنما هو تعبير واقعى يترك بصماته على صفحة حياتكما سعادة و استقرار و طمأنينة و أمنا...

    فهل تبعين كل هذه المعانى بالانطواء بعيدا عن زوجك، أو بكلمة شكوى يرتفع بها لسانك أمام الاهل و الاصدقاء؟

    أظنك تعتقدين معى بعد ذلك كله أنها صفقة خاسرة؟

المصدر: أحمد زكى عبد الحليم - مجلة حواء

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,852,900

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز