المرجيحة

قصة بقلم :

كوثر عبدالدايم

رسوم :محمد سالم

دخلت مكتبها للمرة الأخيرة فاليوم أخلت طرفها من العمل وحضرت لتجمع اشياءها الشخصية لتنقلها إلى البيت، فتحت المكتب والمكتبة وراحت تراجع الاوراق على عجل ..

دخلت صديقة لها محببه:

- كل سنة وأنت طيبة.

ابتسمت كريمة وردت عليها التحية وأضافت.

- عيد الميلاد هذا العام ليس ككل عام.

- نعم يعز علينا فراقك.. لكن نرجو الا تبخلى علينا بنصحك فيما يمكن أن يقابلنا من مشكلات.

قالت كريمة فى تواضع:

- البركة فيكم كل واحد منكم لديه القدرة على أتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب.

قالت الصديقة:

- لم يبدأ العام الدراسى بعد لكن مشكلاته تسبقه.

- كل مشكلة لها حل.

لم يمض وقت طويل حتى كان أمام كريمة تل من الأوراق والكتب وضعتها بعناية فى الحقيبة التى أحضرتها لهذا الغرض..

وهمت بالانصراف فإذا بالساعى يسرع فيأخذ منها الحقيبة ويسير خلفها حتى السيارة.. ارتفع صوت الموبايل فقامت باخراجه من حقيبة يدها.

- ألو ؟

وجاءها صوت زوجة ابنها عمر تخبرها أنها تنتظرها بنادى المعلمين .

أحست كريمة بالراحة فهى فى حاجة إلى التغيير ووجودها بالنادى فى ذلك الموقف أفضل من الذهاب للبيت.

وانطلقت بالسيارة ورغم أن سرعتها عادية غير أنها أحست وكأنها تطير فى الهواء.. ذلك الاحساس الذى طالما أحست به فى مناسبات عدة من حياتها.

نحس أحيانا أنها موفقه وناجحة وتعلو فوق المشكلات لكن هذا الإحساس لا يدوم طويلا فسرعان ما نفيق على مشكلة صلبة تعيدها إلى الأرض وكأنها فى أرجوحة تعلو بها إلى السماء ونمرح معها فوق الاشياء ثم تعود بها إلى الأرض.

تعود فى ذلك وأخر مثال تلك المخالفة المرورية التى تعرضت لها مؤخراً منذ أيام.. كانت تطير بسيارتها فوق الأشياء ولم تنتبه أنها اخترقت طريقا ممنوعا.. وأفاقت على الغرامة الكبيرة التى دفعتها مقابل ذلك.

منذ كانت طالبة بالجامعة وهى تتمنى أن تبتعد عن القاهرة بزحامها ومشكلاتها وتحققت أمنيتها حينما تخرجت فى الجامعة والتحقت بالعمل فى محافظة دمياط .. أحست بسعادة لا يعدلها سعادة .. وهى تعيش بمفردها مع سكن المعلمات.. لها أخوة بالقاهرة تراهم من وقت لآخر وتراعى حق الأب والأم لكن استغلالها بحياتها أمر يستحق العناء.. ولما أرادت أن تعود إلى القاهرة تعذر عليها ذلك فاكتفت الوزارة بنقلها إلى بنها .. تلك المدينة الجميلة ليست بعيدة من القاهرة .. لكنها فى عرف أخوتها سفر يحتاج إلى ترتيب .. لذلك تعودت أن تعيش بمفردها مع زوجها وابنيها واكتفت بمسئوليات العمل وأهل الزوج.

ركزت فى الطريق حتى وصلت إلى النادى لتقابلها حفيدتها فاطمة ذات الثلاث سنوات.

سألت .. هل سيأتى عمرو ! أجابت زوجته نعم .

تأملت كريمة حفيدتها فاطمة وهى تتابع المرجيحة المخصصة للأطفال .

وهى ترتفع بهم وهم يتصايحون .

قامت فأخذتها من يدها وذهبت بها إليها .. وبعد حوار قصير مع الأطفال اقتنعوا أن من حق فاطمة أيضاً أن تركب المرجيحة .. اجلستها وأخذت تحركها فى حذر خوفا عليها.

فاطمة تضحك وتصرخ بينما كريمة تسرح بفكرها بعيداً بعيداً عندما كان عمرو فى مثل سنها .. تذكرت مرجيحة الملاهى الكبيرة التى تدار بالكهرباء وكيف ركبت معه إحداها فى ذلك اليوم البعيد وارتفعت بها إلى أعلى إلى أعلى .. ثم انقطع تيار الكهرباء.

ساعتها لم تدر أى شعور غلب يحلمها .. القلق .. أم السرور أما عمرو فقد بدا مسرورا لأنه ظل ينظر إلى العالم من أعلى فترة أطول وهو مطمئن لأن أمه إلى جواره..

ووصل عمرو من عمله فحملت فاطمة وعادت إلى المنضدة حيث يجلسون قال عمرو :

- هل تمت إجراءات تسوية المعاش ؟

ابتسمت كريمة قائلة :

- لا تقلق كل شئ تمام.

ذكرها عمرو بحفل الافطار الذى سوف نعده فى السفر.

احتفالاً بليلة القدر فقد نعود زوجها الحاج عبدالعزيز أن يستقبل اصحابه ومريديه فى تلك الليلة كما يستقبلهم كل اسبوع أما فى الأيام العاية فيكتفى بتقديم الفاكهة والحلوى.. أما ليلة القدر فالمائدة يجب أن تكون عامرة بكل اصناف الطعام.

سرحت كريمة بفكرها قليلاً لتعرف ما هو موجود لديها وما سوف تحتاج لشرائه ثم كتبت ورقة بما هو مطلوب سلمتها إلى عمرو الذى سبقهم إلى السيارة التى تعود أن يقوم بقيادتها بدلا من أمه.

انشغلت كريمة فى وضع الأوراق والكتب التى احضرتها معها بالمكتبة ثم تنحت إلى جانب الادوية التى صرفتها من التأمين الصحى منذ اسبوع . أعادت ترتيبها وفجأة تنبهت إلى فقد الدواء الخاص بعلاج الضغط العالى.

فتشتت فى كل مكان وهى متأكدة أنها صرفته ولما لم تجده بدأ القلق يساورها .. لعلها لم تصرفه.

وانشغلت عن الأمر بالاعداد للمأدبة الرمضانية.

وحضر اصحاب الحضرة قبيل المغرب ليجد كل منهم مكانا ينتظره وأكلة شهية تروق له .. قاموا بعدها بقراءه القرآن والمناقشة فى التفسير بالرجوع إلى المراجع القيمة التى يحتفظ بها الحاج عبد العزيز فى مكتبه.

بينما وقفت كريمة فى شرفة حجرتها ومعها فاطمة التى تعودت مرافقتها فى الفترة الأخيرة.

سرحت كريمة بفكرها إلى ابنها الثانى وهو الأكبر محمد الذى يعمل بدولة أخرى .. ودعت له بالتوفيق والصحة. تذكرت ليلة القدر وهى فى بلد عربى مع زوجها وكيف داهمها نزيف حاد ظن الجميع استحالة استمرار الحمل معه وكيف تضرعت إلى الله الذى وسعت رحمته كل شئ .. واستمر الحمل .

وكان محمد الذى أصبح شابا يانعا يحمل بين جبنانه قلبا نظيفا محبا لله وللناس..

تأملت السماء الصافية الواسعة التى لا يحجبها شئ عن الرؤية ودعت لها ولزوجها ولأولادها ولكل المسلمين وظلت كذلك حتى سمعت زوجها يودع أصحابه لدى مغادرتهم المنزل.

دخلت إلى حجرتها وبينما يدها تعبت بالأشياء المتناثرة هنا وهناك .. اصطدمت أصابعها بحقيبة قديمة تأملتها وهى لا تذكر عنها شيئاً .. لكنها بعد قليل اكتشفت أن بها الدواء الذى بحثت عنه ولم تجده.

أخذته وحمدت الله أن عثرت عليه.

استقبلت زوجها هاشة باشة فرحة بتوفيق الله .

قال لها :

- ماذا فعلت اليوم غير أعداد الطعام.

قالت وابتسامة تملأ وجهها :

- مرجحت فاطمة.

نظر إليها وابتسامة عريضة تملأ وجهه.


المصدر: مجلة حواء- كوثر عبدالدايم
  • Currently 32/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 821 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,454,344

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز