العالم الكبير د. مصطفى السيد

علاج السرطان أهم عندى من نوبل

أجرت الحوار:إيمان عبد الرحمن

«بقدر علمه ومكانته العلمية، بقدر تواضعه الشديد، الأستاذ الدكتور مصطفي السيد أول مصري وعربي يحصل علي قلادة العلوم الأمريكية في 19 سبتمبر 2008 وهي أعلي جائزة أمريكية تمنح في العلوم، وبعدها منحه الرئيس حسني مبارك وسام الجمهورية من الطبقة الأولي عام 2009، وقبلهما حاز علي جائزة فيصل العالمية للعلوم من المملكة العربية السعودية عام 1990 ll

حالياً هو رئيس كرسى جوليوس براون بمعهد جورجيا للعلوم والتكنولوجيا ورئيس مركز أطياف الليزر بنفس المعهد، انتخب عضوا بالأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية وتولى على مدى 24 عاما رئيس تحرير مجلة علوم الكيمياء الطبيعية وهى من أهم المجلات العلمية العالمية، ويرأس فريقا علميا بالمركز القوى للبحوث حيث أنشأ به وحدة علوم الليزر وخلال زيارته لمصر قابلته واجريت معه حواراً تحدثنا فيه بطبيعة الحال عن أمور علمية ولكن الأهم هو الجانب الإنسانى منه، تلقائيته وتواضعه و.. أترككم مع نص الحوار لتتعرفوا إليه بأنفسكم.

د. مصطفىما الذى يعطى الأهمية للنانو فى علاج السرطان؟

- من أهم صفات النانو صغر الحجم حيث يساوى واحدا على الألف من الخلية، فنستطيع ادخالها وإحداث التغيير، فحجم النانو صغير بالنسبة للخلية ولكنه كبير بالنسبة للجزيئات، ونحن الآن نستهدف نواة الخلية، فالمعروف أن الورم ينقسم والنواة هى التى تتحكم فى الخلية، لذلك نوجه جزيئات الذهب النانوميترية إلى النواة حتى نوقف انقسامه وهذا ما فعلناه وكل مادة عندما نجزئها إلى أجزاء صغيرة تعطينا خواصا مختلفة لذلك ندرس الصفات الجديدة وكيفية الاستفادة منها.

كيف تستطيعون إدخال جزيئات النانو إلى الخلايا السرطانية المصابة دون غيرها من الخلايا السليمة؟

- سبحان الله، خواص الخلايا السرطانية أنها أوسع من الخلايا السليمة وكما قلت جزيئات النانو متناهية الصغر، فسمك الشعرة الواحدة تعادل 50 ألف نانوميتر، فبذلك نستطيع إدخال الجزيئات النانوميترية إلى الخلايا المصابة فالخلايا السليمة تكون أضيق بكثير.

وهل لهذه الطريقة أى أضرار؟ أو آثار جانبية؟

- المشكلة التى نعمل عليها الآن هى أنه بعد أن نميت الخلايا السرطانية عن طريق تسليط الضوء على جزيئات الذهب التى تولد حرارة فتقوم بالقضاء على الخلية السرطانية ولكن أين تذهب جزيئات الذهب؟ هل إلى أعضاء أخرى فى الجسم فالأبحاث تدرس هذه الجزئية لتجد طريقة آمنة لإخراجها من الجسم وهذا ما نعمل عليه الآن.l

وعندما تموت الخلية السرطانية، هل هذا يؤثر بأى طريقة على الخلايا السليمة حولها؟

- نحن نستخدم جزئيات الذهب ونوجهها للمكان المصاب ثم نسلط عليه أشعة تحت الحمراء، فيمتص الذهب الأشعة بسرعة ثم يحولها إلى حرارة عالية مما يؤدى إلى قتل الخلية (تسييحها) ومن حكمة ربنا أن أى تغيير فى الخلية يؤدى إلى أنها تميت نفسها، وهى تموت تفرز بروتينات معينة تذهب إلى الخلايا الأخرى السليمة لتنبهها إلى إنقسامها حتى تحل محل الخلايا الميتة. سبحان الله.

هل تساعد النانو على الكشف المبكر للخلايا التى يمكن أن تتحول إلى خلايا سرطانية؟

- من الممكن أن تساعدنا فى المراحل الأولي، ونستطيع أن نضع على جزئ الذهب مواد كيميائية ونأخذ عددا كبيرا منها ونقضى على الخلايا فى بدء تحولها إلى خلايا سرطانية.

صرحت فى إحدى الصحف من حوالى عام أن خطواتك القادمة هى إدخال النانو إلى الخلايا السرطانية والكشف عن أسرارها وأسرار تحولها إلى خلايا سرطانية ومتابعة ما يحدث فيها، إلى أين وصلت فى هذه النقطة؟

- لا، لم أصرح بهذا الكلام، فأنا لا يهمنى أن أعرف أسرار الخلايا السرطانية، هدف أبحاثنا التى نجريها على حيوانات التجارب، بعد أن ندخل جزيئات الذهب إلى الجسم، ندرس التغيرات التى تحدث فى كل جزء من أجزاء لجسم ومعرفة الوظائف هل تتغير أم لا وندرس هذه التغيرات بعد فترات مثلاً بعد يوم وأسبوع وأسبوعين ونسجل ملاحظتنا.

هل يتم استخدام جزيئات الذهب النانو قريباً فى علاج السرطان فى الإنسان؟

- حتى الآن نحن ندرس على الحيوانات ونود معرفة الطرق للتخلص من كل الأضرار المختلفة وربنا يقدرنا على ذلك، وبعد ذلك سوف يصرح للعلاج بها للإنسان وتوجد شركة الآن فى أمريكا تستخدم النانو على الإنسان ولكن فى منطقة الرقبة الحلق فقط. ولكنهم لم يدخلوا إلى أعضاء الجسم الداخلية بعد.

 إذن الحديث يأخذنا إلى معرفة هل يمكن لطريقة العلاج بجزيئات الذهب القضاء على كل أنواع السرطان فى أى جزء من أجزاء الإنسان؟

- بالطبع.

 حتى سرطان المخ؟

- هذه الجزئية ستحتاج إلى مساعدة جراحى المخ، حتى يفتحوا الجزء المصاب ومن بعدها يمكننا تسليط الضوء على الأجزاء المصابة، وسيكون بيننا تعاون فى هذه العملية.

 وهل العلاج بالنانو كاف، أى لن نحتاج بعدها إلى العلاج الكيميائى أو الإشعاعي؟

- حتى الآن العلاجات الموجودة إما استئصال الجزء المصاب أو العلاج الكيميائى والنسب تشير إلى أن 50% من السرطان يتم علاجه عن طريق استئصاله، و50% علاج إشعاعى وكيميائى ولكن علاج النانو لا ينفى هاتين الطريقتين، فنحن نجرب كل الطرق وهذا يتوقف على حالة المريض وما يراه الطبيب.

 ينسب إليك تصريح «بأن دورك انتهى باكتشاف الطريقة العلاجية وعلى الأطباء التوصل لكيفية العلاج»؟

- هذا الكلام غير صحيح، ما قلته أن دور العلماء هام وضرورى ولكن الأطباء يعرفون أفضل منا طريقة العلاج، فنحن نجرب على الحيوانات ولكننا لا نستطيع أن نستخدم العلاج على الإنسان، وما قصدته أن الأطباء أكثر منا معرفة بأجزاء الجسم ووظائفه لذلك نحن نعرفهم الطريقة ونوجههم إلى الكيفية والكمية المطلوبة من العلاج.

تعاملت مع باحثين أجانب وتشرف حاليا علي فريق بحثي مصري من المركز القومي للبحوث,هل لمست أي فروق بين الباحثين المصريين والأجانب؟

لا يوجد فرق على الإطلاق، بالعكس الباحثون فى مصر أفضل من الأمريكان وأود أن أوضح أن معظم الباحثين فى أمريكا ليسوا أمريكيين بل تستقطب الولايات المتحدة الباحثين من كل مكان الصين واليابان وكل مكان ولكن صدقينى المصريون أفضل .

 وماذا عن التقنيات؟

- فى أشياء معينة ولكن تجارب الحيوانات التى نجريها فى مصر ممتازة جداً ففى مصر باحثون على درجة كبيرة من الكفاءة فى البيولوجى وفى الكيمياء وهذا من زمان وليس الآن.

قلت ان مستقبل الأجيال القادمة يتوقف على مدى الإنفاق على البحث العلمي؟

- بالطبع، هنا وفى أى مكان، فمستقبل أولادنا وأحفادنا يتوقف على البحث العلمي، ستكون حياتهم أسهل، وتتوقف نسبة الدخل على البحث العلمى فى أى بلد وكلما زاد انعكس ذلك على مستوى المعيشة، فأمريكا مثلاً تنفق 2.5% من ميزانيتها مع الأبحاث التى تستثمر في المستقبل بإنشاء صناعات تدر دخلا ويدفع المواطنون ضرائب تدخل إلى خزينة الدولة مرة أخرى، فكل دولار تدفعه أمريكا في البحث العلمى يرجع إليها مرة أخرى 5 دولارات فمعظم الابحاث ينفذونها ويقيمون عليها صناعات هامة ويصدرونها وهو نهج تفكير مهم جداً.

وما هى أمنياتك للبحث العلمى في مصر؟

العقول المصرية عظيمة جداً وتمكننا أن يكون عندنا جيش علمى عظيم يفيد مصر فى المستقبل لكن مشاكل الحكومة كثيرة، الناس تبحث عن العيش والغاز واللحمة، والانفاق على البحث العملي فى مصر ضئيل، وفى الفترة الماضية زودوه ولكن لابد أن يكون أكثر من ذلك.

 هل لك فى السياسة د. مصطفي؟

- لا، السياسة لها «ناسها الكويسين» الذين يفهمون فيها، أنا لى أبحاثى فقط وكما هم لا يستطيعون الدخول فى العلم، أنا أيضاً لا أدخل فى السياسة.

هل تأمل فى الحصول على جائزة نوبل؟

- جائزة نوبل تحتاج أن يكرس الباحث حياته فى البحث فى نقطة معينة ليل نهار، أنا أبحاثى جيدة، لكننى أغير فى مجالات البحث وأبحث فى أمور جديدة وأتركها وانتقل إلى نقاط أخرى وهكذا، فلا أركز على موضوع معين، «والله لو جت أهلاً وسهلاً» لكن ما يهمنى بحق هو العلم وإيجاد طريقة للعلاج آمنة وناجحة ويستفيد منها المرضي، لكن الجوائز لا أضعها فى اهتماماتي.

l وهل كان لمرض زوجتك بمرض السرطان ووفاتها به، السبب فى أن اهتممت بموضوع إيجاد علاج له عن طريق النانو؟

- فعلاً، أنا لم أكن أعرف أى شيء من السرطان، وعندما أصيبت به زوجتى «جان» بدأت أقرأ عنه وأبحث عنه لأعرف كل شيء، وأتواصل مع الطبيبة المعالجة لها ثم عرفت أن للذهب خواص يمكن أن تساعد فى عملية العلاج، ومن هنا بدأت فعلاً.

 وأين حواء من حياتك الآن د. مصطفي؟

- أنا مشغول بالفعل، وأتنقل كثيراً وأسافر «ولو ربنا وفق» لا مشكلة أن أتزوج.

وهل لك مواصفات معينة؟

- مواصفات عادية، أن يكون شعرها أسود، زوجتى كان شعرها أسود ولها عينان خضراوتان، كانت أمريكية من أصل أيرلندي.

 وهل شرط أن تكون عالمة أو فى نفس منزلتك العلمية؟

لا، ليس شرطا، لى أصدقاء كثيرون ومنهم مصريات ممتازات فى كاليفورنيا ونتقابل وليس شرطا أن تكون عالمة، فقط أن تكون ذكية «نبيهة» يمكننى أن أتعلم منها وهى أيضاً تتعلم منى

هل اختيار ابنك د. أيمن نفس المجال كان من توجيهك أم كان اختياره؟ أيمن تخصصه جراح سرطان واهتم بالنانو فهو يمكن أن يفيدنا فى تحديد الخلايا السرطانية ومعرفة الخلايا الحية وهو أيضاً تعلم من النانو وهو ضمن فريق البحث.

وباقى أولادك؟

لى ولدان وبنتان «أيمن - ليلى - طارق درية» ثلاثة منهم فى المجالات العلمية وحاصلون على درجات الدكتوراه ماعدا درية الوحيدة فى مجال الأعمال.

 اخترت أسماء عربية لأولادك، ألم تعترض زوجتك على ذلك؟

- لا ، لم تعترض على الأسماء العربية، وهى أحسن حاجة فى أمريكا، كما قلت كلهم من أماكن مختلفة ولا يوجد سوى الهنود الحمر هم أصل أمريكا فقط، لا لم يكن عندها أى اعتراض.

هل مازلت على اتصال بأصدقائك من أيام الجامعة؟

- نعم، وكثيراً ما نتقابل ونتجمع فى القاهرة، ويضيف ضاحكاً: اسمى الثلاثى مصطفى عمرو السيد، وعندما سافرت إلى أمريكا وقلت لهم مصطفى عمرو، يستسيغون الاسم فقلت لهم السيد فقالوا نعم واشتهرت بـ د. مصطفى السيد فى وسائل الإعلام فلم يعرفنى أصدقائى إلاّ عندما رأوا صورتى فقالوا: آه مصطفى عمرو!

لك «ذكريات جميلة» فى القاهرة أليس كذلك؟

- بالطبع، أجمل ذكرياتي، ولو لم يكن لى ذكريات جميلة هنا، لم أكن لأحرص على المجيء.

l تقيم فى فندق فهل هذا يعنى أنك لا تمتلك بيتا هنا؟

- للأسف ونظر إلى النيل أمامه وأشار إلى المباني، فى الماضى كان البيت يتكلف 30 - 40 ألف دولار، الآن بالملايين. وأتمن أن يكون لى بيت فى القاهرة.

هل زياراتك لمصر منتظمة؟

- آتى حوالى 3 مرات فى السنة وأقضى 10 أيام حالياً.

 أنت شديد التواضع د. مصطفي. ألم تغيرك أمريكا؟

 فرد ضاحكا وفى تواضع أيضاً: بالطبع لا «أنا اتربيت فى مصر»، أمريكا أنا الليّ غيرتها.

وكيف؟

«كل الناس هناك أصبحوا كويسين».

- أتمنى فى المرة القادمة عندما أقابلك تكون بمناسبة حصولك على جائزة «نوبل»،

 فيرد مبتسماً، لاما يهمنى حقاً هو إيجاد علاج للمرضى بالسرطان

 

المصدر: مجلة حواء -إيمان عبد الرحمن

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,692,848

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز