المـــــؤامرة !!

قصة بقلم:

وفية خيرى

رسوم: محمد سالم

 

عندما انضمت مؤخرا إلى مجموعتنا كان أهم ما لفت النظر إليها هو جمالها الصارخ الممزوج بالوقار والثقة فى النفس . كانت لها بشرة ناصعة البياض وشعر أشقر ناعم منسدل على كتفيها - تضمع أحيانا إلى الوراء فى شينيون أنيقة مما يزيدها جمالا ووقارا .

كانت تحمل شهادة الدكتوراه فى إدارة الأعمال. أستاذة لمادتها بإحدى الجامعات الخاصة وفى أوقات فراغها كانت تزاول نشاطا اجتماعيا فى الجمعيات النسائية التى تعنى بحقوق المرأة وأيضا بالسياسة - وكانت الصحف اليومية تنشر لها آراء ومقالات فى إدارة الأعمال وفى السياسة وأيضا فى حقوق المرأة كانت أنشطتها العديدة تبشر باعتلائها لأرفع المناصب قياسا إلى مؤهلاتها العلمية وآرائها السديدة ونشاطها الدءوب فى جميع الميادين بداية بمنبر الجامعة إلى منبر الصحافة والمؤسسات الأهلية.

جمعت بينى وبينها صداقة وطيدة استنادا إلى وحدة الفكر والهدف وتماثل النشاط وكوننا أنا وهى لنا نفس الطموحات سواء فى المجال العلمى أو فى مجال حقوق المرأة .

تابعت تألقها وصعودها اللاهث وشغلها للعديد من المناصب الهامة رغم مسئولياتها الكثيرة .

كنت أحيانا أتعجب لقدرتها الفائقة على الوفاء بجميع التزاماتها العائلية والشخصية فقد كانت بحق نموذجاً للمرآة العصرية بكل عنايتها بصحتها ومظهرها إذا أضفنا إلى ذلك رعايتها لزوجها وأبنائها الذين كانت توليهما كل الاهتمام وتعنى بهم عناية كبيرة وقد كانت تؤمن بتحديد النسل فلم تنجب سوى بنت وولد كانا وقت أن عرفتها قد بلغا سن الشباب.

الشىء الغريب الذى لفت نظرى أن زوجها كان صورة مناقضة لها تمام - فعلى الرغم من تقاربهما فى السن فقد كان محدود النشاط يقضى معظم وقته بالجامع فى قراءة القرآن والتعبد ويجد فى ذلك متعته الوحيدة.

وعندما أبديت لها دهشتى من التناقض الظاهر بينهما . ردت على بضحكة هادئة أن زوجها رغم كونه إنسانا متدينا تشى بذلك لحيته الكثيفة وقضائه لمعظم أوقاته بالجامع إلا أنه إنسان مثقف واسع الأفق ولا يبدى أى اعتراض على نشاطها المكثف فى مجال العلم وقضايا المرأة بل يحترم استقلاليتها ولا يتدخل فى شئونها. أو يناقشها فى أسلوبها فى الحياة .

لم أقتنع كثيرا بتفسيرها لعلاقتهما وظلت هناك علامة استفهام كبيرة فى أمر هذه العلاقة وهذا الحب القوى الظاهر فى علاقتهما.

كنت ألاحظ دائما أنه يجلس بيننا فى اجتمعنا فى منزلها نحن زميلاتها وصديقاتها اللائى كانت كثيرا ما تدعونا إلى منزلها وتعد لنا أطيب أنواع الحلوى والمأكولات التى كانت تصنعها بنفسها رغم مشغوليتها الكثيرة .

وكان زوجها يشاركنا دائما فى اجتماعاتنا هذه إلا أن هذه المشاركة كانت تنحصر فى الاستماع الصامت لاحاديثنا دون أى تعليق. كان منظره غريبا وهو الرجل الوحيد بيننا وكنا ساخرات وهو جالس بيننا بلحيته الكثيفة وصمته الدائم مما يثير دهشتى أنا بالذات وأعزو ذلك إلى شدة حبه لها ورغبته فى ارضائها بما يوليه من اهتمام بنا نحن صديقاتها والإنصات إلى الأحاديث التى لم تكن تخلو من عبث نسائى وميل للتفكه. هذا العبث والتفكه الذى كان يقابله بابتسامة حانية تجعلنا نشعر أنه هو المعلم ونحن تلميذاته .

كانت هى أحيانا تشكو لنا من مضايقات الزملاء والزميلات لها فى مجال العمل والنشاط الاجتماعى حتى أنها بدأت تفكر فى الاستقالة من عضوية عدد كبير من الجمعيات التى كانت تزاول نشاطها من خلالها .

التقيت بها بعد انقطاع طويل لم تدعونا خلاله لزيارتها كعادتها أو تأتى هى لزيارتنا وكانت كلما شكت لى من مشاكلها مع هؤلاء الزملاء والزميلات كنت أطيب خاطرها وأؤكد لها أننا جميعا كنساء عاملات نلقى مثل هذه المشاكل. وفى أحيان أخرى كانت تحدثنا عن شعورها بالتقصير فى حق نفسها وأسرتها. وفى جميع هذه الأمور كانت تؤكد لنا أن زوجها لا يتدخل إطلاقا فى حياتها ولم يلفت نظرها أبدا إلى هذا التقصير .

كان هناك شىء غامض فى علاقة صديقتى هذه بزوجها فلماذا هى دائمة الدفاع عنه مؤكدة لنا أنه لا يتخدل فى شئونها ،

ومع مرور الوقت بدأنا نشعر بالتحول التدريجى فى شخصيتها بدأت باستخدامها لايشارب بسيط يغطى شعرها وعندما كنا نسألها ما إذا كانت تنوى ارتداء الحجاب كانت تضحك فى استهجان وتقول .. أنا أتحجب !! لا يا عزيزتى أنا فقط أغطى شعرى خلال القائى لمحاضراتى بالجامعة حتى أبدو محتمشة أمام تلاميذى ثم أسرع بنزع الايشارب بمجرد مغادرتى لحرم الجامعة .

شىء آخر بدأنا نلاحظه نحن صديقاتها هو اعتذارها المستمر كلما عرضنا عليها أن تذهب معنا إلى المسرح الذى كانت تهواه وتجد فيه متعة ثقافية كبيرة كما أنها كفت عن دعوتنا إلى منزلها بحجة أنها أصبحت شديدة الانشغال بعملها الأكاديمى .

قابلتها بعد فترة انقطاع طويلة بعد أن تغيبت عن كثير من المجالات الثقافية والاجتماعية التى كانت تتردد عليها وتشارك فى أنشطتها .

أصبحت شديدة الشوق إلى معرفة سر هذا التحول كانت دهشتى كبيرة لاجابتها..

- أقول لك يا صديقتى بصراحة ولا تغضبى منى .

- أنا أشعر الآن أنه من الأفضل لى كثيرا أن أطهو طبقا شهيا لأولادى وأمكث معهم طوال الوقت وأن هذا أفضل كثيرا من تلك الأنشطة العديدة التى كنت أشغل بها وقتى .

ولكنك أبدا لم تهملى العناية بأسرتك طوال فترة نشاطك السابق.

نظرت إلى صامتة وهى تحكم وضع غطاء الرأس حول رأسها حتى لاتظهر ولو شعيرات خفيفة من تحت الحجاب.

مكان المرأة المنزل !!

أنت تقولى ذلك وقد كنت من رموز الحركة النسائية فى مصر - هذا تحول كبير فى مسيرتك من أجل تحرير المرأة.

كفى أنت وغيرك من النساء عن ترديد هذه النغمة الممقوتة .. فالمرأة مرأة والرجل رجل ولكل وظيفته - فالرجل يشارك فى الحياة العامة والمرأة وظيفتها العناية بالأسرة والمنزل .

وعملك الأكاديمى - هل تتركيه هو الآخر ؟

ربما أتركه مستقبلا إذ ما شعرت أننى لا أستطيع أن أوفق بينه وبين رعايتى لأسرتى.

لا أدرى لماذا تراءت أمامى فى هذه اللحظة صورة زوجها بلحيته الكثيفة وهو جالس بيننا يراقبنا صامتا وابتسامة مكر ودهاء تكسو وجهه الهادئ .

 

المصدر: مجلة حواء -وفية خيري
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 611 مشاهدة
نشرت فى 6 إبريل 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,783,959

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز