نقل الأكاذيب من أشد أنواع الظلم .. وناقلها فى النار
كتبت :أمل مبروك
من آداب الشريعة الإسلامية التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها : أنه إذا أخبرهم فاسق بنبأ أي خبر أن يتثبتوا في خبره ولا يأخذوه مجرداً؛ فإن في ذلك خطراً كبيراً، ووقوعاً في الإثم.
- قصص الكذب واغتصاب الحق كثيرة ، ومع كل قصة تجد نفسك مرغما على سؤال يطرح نفسه بقوة : ماذا أصابك يا مصر ؟ بل ماذا أصاب ضمير هؤلاء الكذابين ؟ ، ولماذا كل هذا الظلم والكذب بيننا ؟ أهو إفراز طبيعى للفساد الذى عم أرجاء البلاد ؟ أم غياب الضمير وتحويل الحق إلى باطل ، والباطل إلى حق ؟
نسمة محمد - موظفة
- يبدأ فضيلة د. أحمد عمر هاشم _ عضو مجمع البحوث الإسلامية _ كلامه بقول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ، قال الإمام الحسن رضي الله عنه في هذه الآية : فوالله إنها لمرسلة إلى يوم القيامة ما نسخها شيء.
والفساق والكذابون في كل زمان وأوان يملئون الأرض . فعلى المرء أن يتثبت ، ويتأنى . ولا يتعجل بالحكم على أحد ، وقد أمره الله بهذه الآية بالتثبت والتبين ، فإذا أطاع وتثبت فقد عبد الله وأمن على نفسه من الوقوع في عاقبة الحكم على الناس بالباطل والإفك والبهتان .
والتثبت في الأخبار فضيلة ، تدل على يقظة الضمير ، وضبط النفس . ولكنها _ مع الاسف _ ليست كثيرة عند الناس ، وأكثر الناس يقعون في تصديق الأخبار من حيث لا يشعرون . ولبعض مهرة الكذابين حيل وأساليب قد تخفى على أشد الناس تثبتاً . وعقلاً ، وحكمة ، وإدراكاً . خصوصاً في زماننا هذا . وقد أصبحت أسلحة الدعاية والكذب فيه من أفتك ما نُحارب به ، بل أصبح للكذب معامل ومصانع تهيئ الكذب وتزينه وتصقله ، ثم تدس سمه في العسل وتقدمه طعماً للغافلين الأبرياء من الناس ، فتوقعهم في شباك الكذب من حيث لا يشعرون ، وإذا كان رجال الأمس يتثبتون للخبر مرة واحدة ، فيجب علينا نحن اليوم أن نتثبت ألف مرة ومرة ، وقد كثرت بيننا الوشايات وساءت بيننا العلاقات ، بفعل الخائنين والكذابين والدساسين ، .
والله تبارك وتعالى يرشد عباده إلى هذا الأدب الكامل ويحذرهم أن يعملوا بالأخبار قبل الكشف عنها، وقبل التثبت منها ، لئلا يصيبوا أقواماً بسبب الجهالة ، وبسبب الأخبار الكاذبة التي لا تفيد علماً عند العقلاء فيصبحوا بعد ذلك آسفين ، نادمين ، فيجب الكشف عن الخبر بكل الوسائل المستطاعة ، ويجدر بالمؤمن أن يتحرى طرق الكشف عن الأخبار ، ويروض نفسه عليها ويتأنى . ففي التأني السلامة ، وفي العجلة الأسف والندامة .
روي عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال : إذا جاءني الخصم وفي يده عينه مفرغة _ مخلوعة _ لا أحكم له وأقول إنه مظلوم ، حتى أسمع لخصمه وأتثبت منه . فلعل هذا . قد أفرغ وخلع عيني ذاك ؟
فمن الحكمة والحيطة ، أن يتثبت المرء في كل شيء ، ويتبين كل خبر ، وأن يكون دائماً على حذر
جزاء الكاذب
وقد نهى الله عن الكذب وقارنه بالشرك فقال تعالى : فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ـ حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق، وهذا الشرك الخطير قائم على الكذب وهو أكبر أسسه وقواعده واعتبره الله أشد أنواع الظلم فقال تعالى : ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين ـ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون.
فبين الله خبث مقاصدهم وسوء نياتهم وأنهم بكذبهم وافترائهم يريدون إطفاء نور الله وحججه وبراهينه وآياته العظيمة ، وهكذا كل محارب للحق وأهله من أهل الأهواء إنما يريدون إطفاء نور الله وإبطال حجّجه وبراهينه انتصارا لأباطيلهم وضلالتهم .
وقال تعالى في الكذب والكذابين : فمن أظلم ممن كذب على الله و كذّب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين . . وقال تعالى : ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين.
فهذا جزاء الكاذبين ، وقال تعالى ممقتا لمن ينقل الكذب دون ترّوي، وبدون علم موفق : إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ـ ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ـ يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين. وقال تعالى : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : و من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع ومن قال في مؤمن ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج مما قال ، المخاصم بالباطل وهو يعلم كذاب و أضاف إلى ذلك من يقول في المؤمن ما ليس فيه وذكر جزاءه وهو أنه يحبس في ردغة الخبال وهي صديد أهل النار.
وقال تعالى في السمّاعين للكذب والمتأثرين به من اليهود والمنافقين ومن سار على نهجهم: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرّفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
انظروا ما في هذه الآيات من الذم والطعن الشديد للسماعين للكذب الذين ينقلونه في الآفاق والعياذ بالله ، دون تمهل ودون تثبت ودون بحث عن الحقيقة .
ومن عقوبات أهل الكذب ما قاله صلى الله عليه وسلم : إن الكذب يهدي صاحبه إلى الفجور، والفجور يهديه إلى النار ، أخرجه مسلم والبخاري. بل قد يؤدي إلى النفاق الأكبرقال الله تعالى : ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدّقن ولنكونن من الصالحين ـ فلما أتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ـ فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون . فأوقعهم الكذب وخلف الوعد وهو من الكذب في دائرة النفاق والعياذ بالله وجعل الرسول الكذب من علامات النفاق فقال صلى الله عليه وسلم : أية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان .
وإن أتباع الشيطان هم أعداء الحق في كل زمان ومكان وأعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن أعظم وسائلهم في مقاومة الرسل هو الكذب والبهتان وهذا سبيل كل مبتدع مبطل يقاوم الحق وأهله بالكذب
ومن أصناف الكذابين ؛ المنافقون وهم أخطر الناس على ولهذا تحدث الله عنهم كثيرا وحذر منهم كثيرا وبين صفاتهم في سور، بل هناك سورة مستقلة تسمى بسورة المنافقين فضحهم الله ـ تبارك وتعالى ـ وكشف خزيهم ونفاقهم وأكاذيبهم ، ويظن بعض الناس أن النفاق قد انقطع ،مع الأسف في الحقيقة أنه مستمر .. قال حذيفة رضي الله عنه : المنافقون اليوم شر منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسألوه فقال : إن المنافقين كانوا يخفون نفاقهم وهؤلاء اليوم قد أظهروه وكلما بعد العهد كثروا في طوائف أهل البدع .. قال صلى الله عليه وسلم : إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم ، ومع الأسف كثير من الناس لم يأخذوا بهذه النصيحة النبوية فيحذروا الكذابين .
ومن هؤلاء الكذابين في هذا العصر أصحاب الشعارات البراقة و الدعاوى الضالة فعلى الناس أن يحذروا هذه الأصناف جميعا أشد الحذر وأن يحذروا من مكرهم وكيدهم وأن يهتكوا أسرارهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرهم منها وبين أنه يخافهم أكثر من الدجال.
وإن الصراع الدائر بين أهل الحق والباطل في كل زمان ومكان لا بد في هذا الصراع بين الفريقين أن ينتهي الحق إلى الغاية التي وعد الله بها لتشمل دينه وإظهار أهل الحق على أهل الباطل ولابد أن ينتهي الباطل وأهله إلى الهزيمة والفشل فعلى أهل الحق بالثبات والصمود والسعي الجاد وعليهم أن يعلموا أن خصوم الحق قد بلغوا الغاية في المكر والكيد ومن ذلك استغلالهم لسكوت كثير من أهل الحق واحجامهم عن مواجهة الباطل المنتفش اللابس لباس الحق .
إن هذا الصنف من أهل الباطل من أشد الناس كذبا وتدليسا وتشبعا بما لم يعطوا فهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : المتشبع بما لم يعطى كلابس ثوبا زور فتجدهم من أشد الناس مدحا وتلميعا لأهل الباطل ومن أشد الناس طعنا في أهل الحق ودعاته ، وقد وضعوا لنصرة الباطل وحماية أهل المناهج الضالة وضعوا لذلك القواعد الفاسدة وحاربوا أهل الحق بافتعال المكايد والقبائح وكشروا عن أنيابهم وأظهروا حقدهم وعداءهم لأهل الحق وسعوا من غير ملل ولا كلل في شحن الشباب ضد أهل الحق. نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلي كلمته وأن يهدي هؤلاء أو يريح الأمة من شرهم إن ربنا لسميع الدعاء.
ساحة النقاش