هل تهمتى إننى أنثى ؟

المرأة بين الإدانة والبراءة

 

كتبتا :ايمان العمري .مروة لطفي

أعلم تماماً أن دفاعي عن نفسي لن يبعد عني اصابع الاتهام ولن يتغير المصير الذي كتبه المجتمع علي .. بعد أن أصدر الحكم بادانتي وأصبح كوني أنثي تهمة يجب المحاسبة عليها .. نعم .. فجميع ما يرتكبه الرجال من أخطاء قد تصل أحياناً إلى التورط في فساد يمكن غفرانها .. فهم ضحايا لنساء طاغيات لذلك علي كل من يدين رجل التوقف فوراً ليفتش عن المرأة .. ولأنني منذ البداية لم أحاول الكذب أو الإنكار.. بل اعترفت بكل فخر واعتزاز بسعادتي بأنني أنثي .. فأنني أدعوكم لقراءة واقعي من خلال السطور التالية..

أن يتأثر الرجل بمن يحب فهذا شىء طبيعى ومعتاد ولكن أن يدعى استيلاء محبوبته على تصرفاته ويبرر بذلك ظلمه للآخرين فتلك أكذوبه كبيرة يرددها الرجال على مسامع الزوجات وهو ما تؤكده «ن.ع» 25 سنة التى تروى حكايتها قائلة : عندما رأيته جرفنى نحوه تيار شديد لم أستطع مقاومته وبالرغم من أنه زوج وأب إلا أن قوة خفية كانت تدفعنى لحبه وشعور لا يفارقنى بأن قلبنا خلق من أجل الآخر .. وعندما سمعت منه كلمة «أحبك» تسربت الكلمة إلى أعماقى .. فقد نشأت يتيمة الأبوين أفتقد الحب والحنان .. أما هو فيكبرنى بعشرين عاماً ولكن خصلات شعره البيضاء تمنحه جاذبية تفوق أى شاب بينما تشدو نبرات صوته بأحلى نغمات العشق والهيام . هكذا .. وقعت أسيرة حبه بعدما وعدنى بالزواج بعد تحسن ظروفه .. فزوجته تهتم فقط بشئون المنزل والأولاد وتتناسى تماماً حاجاته العاطفية .. أما هو فوظيفته قاصرة على تلبية حاجاته المادية .. ووسط هذه الظروف أحببته بكل ذرة فى كيانى .. فعشت معه فى الظل محرومة من جميع الحقوق التى تتمتع بها فتاة فى مثل سنى فكم تمنيت الخروج معه وسط الأصدقاء إلا أن خوفى وحرصى على بيته منعنى .. فهل قدر تضحياتى من أجله!! .. لقد فوجئت بتهربه منى بعد معرفة زوجته بعلاقتنا وليت الأمر توقف على ذلك بل وصل إلى اتهامى من قبله وزوجته بلهثى ورائه وتوريطه فى علاقتنا فضلاً عن قيام زوجته بفضيحتى فى الشركة التى اعمل بها .. هكذا .. انتهت علاقتى به ومعها اضطررت لترك عملى والابتعاد عن صديقاتى اللاتى اتهموننى بخطف الرجال .

السبب دائماً

أما «ليلى» موظفة فتروى حكايتها: «تزوجت منذ ما يقرب من عشرين عاما من زميل لى يكبرنى فى السن مشهور بعلاقاته الإجتماعية وقوة شخصيته كما أنه عضو فى العديد من النقابات ومجالس إدارة الأندية الرياضة .. الخ من الأنشطة التى تحتاج إلى شخصية متفهمة لمن حولها وقادرة على التعامل مع أى موقف لكن للأسف فأهله دائما ما يتعاملون معها على أنها هى المسيطرة عليه فى كل شىء ، وطبعا فى الأشياء التى لا يرضون عنها هنا اسمع الاتهام واضحا وصريحاً ، فإذا تأخر يوما عن السؤال عن والدته أفاجأ بها تتصل بى تأنبنى وتتهمنى بأننى السبب وأننى وراء أى تغيير يحدث لسلوك ابنها كنت اغضب فى البداية لكننى اعتدت على ذلك ودائماً ما أردد ساخرة أن زوجى ما يزال طفلاً.

ومن اتهام الحماوات إلى التحريض على التربح والرشوة .. والمرأة هى المتهم دائماً .. وهو ما تكشف عنه «هند» ربة منزل قائلة : تزوجته بطريقة تقليدية فهو موظف بإحدى شركات القطاع العام أى أن دخله يكفينا بالكاد .. وقد ارتضيت بحياتى معه حتى انجبت طفلين لتزداد احتياجاتنا المادية مما دفعنى لمطالبته بالبحث عن عمل اضافى أو السماح لى بالعمل لمساعدته وأخيراً .. أخبرنى بأنه وجد العمل المناسب الذى يحسن وضعنا المادى لأفاجأ بعد عام أن عمله الاضافى لم يكن سوى رشوة قبلها . وهنا أصبت بانهيار عصبى وطلبت الطلاق فلم أجد من المحيطين بنا إلا اتهامات بأننى وراء فساده وتحريضه على الرشوة .. فهل أخطأت حينما طلبت منه البحث عن عمل اضافى؟!

الحاكم الضحية

ولا يختلف الوضع كثيرا فى السياسة فدائما ما يتم تبرير فساد أى حاكم بأن هناك امرأة ما كانت وراء هذا الفساد ويتم اتهامها بكل التهم والجرائم التى تم ارتكابها فى حق الشعب، حتى المرأة لو كانت طاغية فالمسألة تتعلق بزوجها وليست هى وحدها فالملك فاروق كان ضحية لعبة والدته الملكة نازلى وهى السبب وراء اهتزاز شخصيته فاصبح لعبة فى أيدى الفاسدين مما جعل الشعب يثور ضده وقد كان مواقف والدته والتى كان آخرها موافقتها على زواج ابنتها من قبطى هى المسمار الأخير فى نعش الملكية .. وحتى بعد أن قامت الثورة استمرت المرأة سبب الفساد فما افسد الجيش هو عبث المشير عامر وانسياقه وراء نزواته النسائية والتى أدت إلى هزيمة 67 ، وأيضا كان الفساد السائر هى التهمة التى تم توجيهها إلى رجل النظام الثانى فى ذلك الوقت صلاح نصر رئيس المخابرات .

وأخيرا وليس آخرا كانت سوزان مبارك هى المحرك الأول فى قضية توريث الحكم وهى القضية التى جرت على البلاد الكثير من المفاسد سواء فى اختيار الشخصيات التى تتولى شئون البلاد أو فى القرارات التى كانت تمهد لوصول جمال مبارك للحكم بعد والده حسنى مبارك وهذا الأمر كان النقطة الفاصلة التى أدت إلى خلع الرئيس حسنى مبارك ليبقى فى النهاية أى حاكم ملاك وديع لولا وجود امرأة طاغية فى حياته .

ألف ليلة وليلة

وكأنها إحدى التسميات الدرامية الثابتة التى يستخدمها الكتاب دون مناقشة: «الأنثى المدانة» فما أسهل أن يمسك الكاتب بقلمه ليروى لنا كيف أن المرأة كانت وراء كل الشرور فمنذ الأساطير الأولى التى غزت عقول البشر فى كل بلاد العالم نجد أن الأنثى هى المدانة ولعل الألياذة التى صورت حرب طروادة كانت الأقدم والأشهر فالحرب الضروس كانت بسبب امرأة جميلة .

لتسمر إدانة المرأة فى أغلب آداب العالم ، وفى عالمنا العربى فأشهر الحكايات التى استلهمها الكثير من الأدباء وهى «ألف ليلة وليلة» كانت المرأة هى السبب وراء كل الشرور والمآسى فجنوح شهريار وظلمه كان بسبب خيانة زوجته ، وزوجة أخيه وخليلة الجنى وهذا ما أدى إلى حمامات الدماء التى انقذت البلاد منها امرأة أخرى هى شهرزاد وذلك بحكاياتها عبر الليالى الألف وهكذا فالمرأة هى صاحبة الإرادة والقدرة على تحويل الرجل إلى وحش كاسر وسرعان ما تتمكن من ترويضه ثانية ..

واستمرت هذه الفكرة يتناولها العديد من الكتاب لعل من أشهرهم توفيق الحكيم الذى اشتهر بعداوته للمرأة فكانت أعماله تصور المرأة وهى القادرة على اللعب بالرجل وانزاله اسفل السافلين أو الصعود به إلى القمة ولعل مسرحيته «رحلة إلى الغد» مثالا على ذلك ففى هذا العمل يذهب البطل مرتين إلى الهلاك الأولى بسبب امرأة لعوب استغلته للخلاص من زوجها ، والثانية بسبب امرأة فاضلة جعلت منه شخصية ذات مبدأ، واستمر الحكيم فى تصويره ضد المرأة على تحويل الرجل واللعب بمقدراته فى معظم اعماله ورغم أن الكاتب الكبير نجيب محفوظ لم يشتهر بعداوته للمرأة فإن تيمة المرأة التى تحدد مقدرات الرجل استخدمها فى ملحمة الحرافيش التى جعل فيها عدل الفتوة أو جنوحه وظلمه وفقا للمرأة التى يقابلها سواء كانت هى الأم أو الزوجة أو الحبيبة واستمرت إدانة العديد من الكتاب للمرأة واستخدامهم لتيمة المرأة اللعوب التى تلقي بشباكها على الرجال فى العديد من الأعمال ، والغريب أن حتى لو انصف الكاتب المرأة كما فعل طه حسين فى قصة «الحب الضائع» وجعل الزوجة والعشيقة هما ضحيتان للرجل ونزواته فى الدراما فعندما تحولت القصة لفيلم سينمائى ألمحت إلى دور الزوجة فى خيانة زوجها بادعاء الإهمال وان بدى ضعيفا على عكس اعمال أخرى أعطت للزوج الحجة فى خيانه زوجته لاهمالها له والأغرب أنه حتى لو زاد اهتمامه به فهذا مبرر أيضا للخيانة كما فى فيلم «أنا ومراتى والجو» وهكذا فالمرأة على صفحات الكتب وعلى شاشات السينما مدانة دائما حتى وأن كانت هى الضحية .

فكر إنساني

تحدثنا عن الاتهام الدائم للمرأة الكاتبة الدكتورة عزة هيكل وتقول : اتهام المرأة ثقافة عامة فهناك مثل فرنسى يقول «فتش عن المرأة» وعلى ذلك فالمرأة منذ بداية الخليقة هى سبب كل الكوارث وحتى فى الأساطير الإنسانية نجدها السبب وراء الحروب والمآسى فحرب طروادة كانت بسبب هيلين الجميلة .

وبالنسبة للشعوب الشرقية فهى تقلل دائما من قيمة المرأة وتربطها بفكرة الجنس الذى يعد أحد المحركات للسلطة وعلى ذلك يتم استغلال المرأة للوصول إلى السلطة أو المال ..

وبالنسبة لمجتمعنا فبعد ثورة 25 يناير تم إلقاء اللوم على الجنس الأضعف وهو المرأة فأصبحت فكرة توريث الحكم التى اشعلت غضب الشعب هى فكرة زوجة الرئيس ورغم ما يدل هذا القول على قوة المرأة السلبية فى التحريض لكنه فى الحقيقة مقولة تكشف عن قوة ايجابية للمرأة فهى صاحبة الإرادة واليد العليا لكنها فى الواقع قوة لكل الشرور وليس للخير ..

أما عن الواقع الإجتماعى فارتباط المرأة بفكرة الجنس والغريزة جعلها هى السبب فى كل المشاكل الإجتماعية بداية من القطيعة بين الأخوات بسبب زوجة الأبن أو العنف المتمثل فى زوجة الأب أو حتى الاضرار التى قد تحدث للأسرة فى حالة وجود زوجة ثانية وهو ما جعلهم يطلقون عليها لفظ «ضرة» وتستطرد د. عزة موضحة أن الامثال الشعبية وما تمثله من ثقافة متوارثة تلقى باللوم الدائم على المرأة وتجعلها مدانة على كل المستويات سواء كانت زوجة أب عنيفة أو امرأة لعوب تخطف الرجال ..

وهكذا نجد كل المستويات تدين المرأة وكان الرجل مغيب وليس له عقل وكأن آدم عندما ارتكب الخطيئة الأولى كان بلا عقل فالمرأة منذ الخليقة هى صاحبة اليد العليا وهذا غير حقيقى جملة وتفصيلا فالمرأة فعلا مقهورة والجيل الجديد من النساء يعانى الأمرين فرغم أن المرأة حصلت على حقوق متساوية فى العمل لكنها فى نفس الوقت عليها كل الاعباء الأسرية ودائما ما يتم اتهامها بالتقصير سواء فى مهام عملها أو واجباتها الأسرية والنتيجة أن المرأة دائما ما تحاصر بعقدة الذنب والاتهامات التى لا تنتهى .

السلطة الذكورية

يقولون .. وراء كل رجل عظيم امرأة .. بينما يردد البعض في مجتمعاتنا .. وراء كل رجل فاسد امرأة .. بهذه الكلمات بدأت الدكتورة / زينب شاهين استاذ علم الإجتماع وخبيرة قضايا الأسرة والسكان حديثها وأضافت أن اتهام المرأة بإفساد الرجل يرجع لجنوح بعض النساء للتحايل من أجل الوصول لما تريد وذلك نتيجة السلطة الذكورية وهيمنة الأبوية على مجتمعنا ..

ولكى تتغير تلك النظرة يجب تدعيم دورها السياسى والأجتماعى فعلياً وليس شكلياً حتى تفرض نفسها فى المجتمع لتصحح من تلك المفاهيم المغلوطة ..

- وتضيف د. زينب أنه رغم اتهام النساء فى إفساد الرجل فى بعض الفئات الاجتماعية إلا أن الأمر يختلف من بيئة لا نرى لذلك فالتعميم يعد تعسفياً .. فهناك بعض الفئات ترى أن فساد الرجل ليس له علاقة بالمرأة .. بل أنه يختار من تتناسب مع تفكيره واحياناً يكون هو الدافع فى إفسادها وليس العكس ..

وتؤكد الدكتورة / فؤادة هدية استاذ الدراسات النفسية والإجتماعية بجامعة عين شمس على أن فكرة اتهام «حواء» ليس بجديد فهى من قديم الأزل . بدء من «حواء» التى اخرجت آدم من الجنة وإنهاء ببعض المفاهيم الشائعة الموروثة من الحضارات القديمة..

ففى عصور ما قبل التاريخ كان المجتمع أموى إلى أن الابناء ينسبون لأمهاتهم .. فكان للمرأة القوة فى اتخاذ القرار والتأثير على المحيطين بها .. ثم جاء المجتمع الأبوى لينسب الابناء لآباهم ويتقلص دور المرأة لكن بقى منه تأثيرها بالشر فقط .. من هنا التصقت بها عبر الأزمنة القدرة الخارقة على التأثير على المحيطين بها من الرجال .. وإذا نظرنا لعصرنا الحالى نجد أن المرأة رغم ما حصلت عليه من حقوق ظاهرية إلا أنها فعلياً مهمشة مما يجعلها أكثر ضعفاً من الرجل ولأن صاحب الشخصية الضعيفة دائماً ما يلجأ إلى الالتواء والوقيعة للوصول لأغراضه فنجد اصابع الاتهام دائماً تشير للمرأة فى إفساد الرجال وكأن الرجل شخص عبيط أو ساذج تحركه المرأة باصبعها ..

لهذا يعتبر دعم قوة المرأة هو طوق النجاة لتبرئتها من تهم إفساد الرجال .. 

 

المصدر: مجلة حواء- ايمان العمري- مروة لطفي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,808,729

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز