مشكلةاسمها:
العائدون من جحيم الثورات العربية
كتبت : سمر الدسوقي
وعادت الآلاف بل والملايين من الأسر المصرية التي هربت من جحيم الثورات العربية - سواء قهرا أو بإرادتها - التي اندلعت في الحقبة الأخيرة من تونس لسوريا فاليمن والبحرين وليبيا، إلي أرض الوطن في رحلة عودة غير عادية ومحملة بالهموم والمشكلات بل والآلام، التي تحمل في طياتها ضياع المدخرات والتعرض في بعض الأحيان للتعذيب والمخاطر بل وضياع مستقبل الأبناء، إلي غيرها من الشجون التي يعجز القلم عن رصدها.
ومعهم ومع آلامهم ومشاعرهم نتعرف علي مشكلاتهم ونرصد كيف تعامل معها الوطن، بل ونحاول أن نطرح لبعض منها الحلولll
داخل مطار القاهرة الدولى
والبداية من سوريا فمحمد طه وأسرته «زوجة وطفل رضيع» وهو عامل مصرى يعمل منذ ثلاث سنوات فقط بأحد المصانع السورية، يروى قصة عودته قائلا: لم نستطع الهروب مباشرة من سوريا إلى مصر، فظروف قطع بعض الطرق من جراء المظاهرات جعلتنا نتوجه إلى إحدى العائلات الأردنية الصديقة ونسافر من الأردن، فالكل أو معظم المحيطين بنا أو من نعمل معهم، كانوا ينظرون للمصريين كأنهم مساهمون أو مشاركون فى هذه الثورة، ورغم أنه لم يتعرض لنا أحد بشكل مباشر إلا أننا كنا نشعر بالخوف وعدم الأمان من جراء الأحداث المحيطة بنا، خاصة وأن طفلى لم يبلغ بعد عاما واحدا، وبالتالى فقد كان كل خوفى ينصب عليه ولم أفكر فى شىء سوى أن حملت ما كنت أملكه من أموال أنا وزوجتى داخل المنزل، وتركنا أثاثنا ومفروشاتنا، وعدنا أيضا دون مدخراتنا، فقط لأننا خائفون ولا نعرف ما قد يحدث غدا، بل إن صديقى الأردنى هو من دفع لى قيمة تذكرة الطيران، وقد رأيت فى هذا الموقف أنه إذا كانت بلدى فى نفس الظروف، وكذلك معظم الدول المحيطة، فمن الأفضل أن أظل بمصر فهى بلدى وعلى أن أتحمل ظروفها مهما كانت، ولكن المشكلة الآن ترتكز فى حصولى على فرصة عمل استطيع منها أن أنفق على أسرتى فى الفترة المقبلة.
تعليم أولادي
أما «إلهام عبد الحميد» وزوجها «مدحت إبراهيم» وهما يعملان كمعلمين باليمن منذ خمسة عشر عاما، فقد كانت تجربتهما فى العودة إلى مصر أقل وطأة ومعاناة وإن كانت مشكلاتهما مع إتمام أولادهما للعام الدراسى الحالى قد استغرقت بعضا من الوقت، فكما يقول أستاذ مدحت، نحن نعمل كمعلمين للغة العربية بإحدى المدارس اليمنية منذ خمسة عشر عاما، وكانت حياتنا قد استقرت ، ولكن مع بدء اندلاع الثورة باليمن ومتابعتنا للمراحل التى مرت بها الثورات العربية النظيرة فى تونس ثم مصر الحبيبة شعرنا بالخوف ، لذا كان قرار عودتنا كأسرة مع بعض الأسر المصرية الصديقة، وعلى رحلة طيران واحدة، حتى إذا تعرضنا لأى خطر وحدث طارىء نكون معا، ولكن فى ظل الظروف الراهنة لم نجد من يشترى أثاث منزلنا ولم نستطع التحرك من المنزل للسؤال هنا أو هناك عن إمكانية بيعه، هذا بجانب أننا لم نستطع أن نقوم بحمل كافة امتعتنا واضطررنا أن نعتمد على بعض الأسر اليمنية لتقوم بشحنه لنا فيما بعد، أما أموالنا ومدخراتنا فقد حملنا معنا مااستطعنا الحصول عليها فقط فى ظل القتل والخطف وأحداث البلطجة، ولكن القلق الوحيد الذى كان ينتابنا كأسرة هو كيف سيتم التعامل مع أبنائنا وهل سيضيع عليهم العام الدراسى ولكن بعد السؤال والحمد لله تمكنا من معرفة أنه سيتم إلحاق أبنائنا فى مصر بنفس مراحل التعليم الأساسى التى كانوا يدرسون بها باليمن مع اجتيازهم الاختبار فى تحديد المستوى.
تهديد وإهانات
أما الكاتبة «رشا فهمى» وهى مصرية مقيمة بدولة الإمارات العربية المتحدة، فتروى قصة عذاب هروب عمتها وبنات عمتها من ليبيا قبل إغلاق المجال الجوى لمصر قائلة: عمتى وزوجها المتوفى كانا يعملان فى ليبيا منذ عشر سنوات وقد استطاعا من مدخراتهما أن يؤسسا مطعما صغيرا وعاشا هناك مع بنات عماتى حتى اندلعت الثورة، وبالرغم من أن أنهن استطعن الهروب قبل إغلاق المجال الجوى إلى تونس ومنها إلى مصر، إلا أن هذه السيدة والتى كانت تعول بناتها بعد وفاة زوجها من هذا المشروع الصغير فقدت كل شىء فى هذه الثورة بل وتعرضت للمخاطر والإهانة بل والتهديد بالاعتداء على بناتها بالضرب وخلافه، خلال قيام بعض الأسر المصرية فى مساعدتهم لعبور الحدود حتى تونس .
صندوق طوارئ
وإذا كانت الحكومة المصرية ووزارة التربية والتعليم قد استطاعت مشكورة أن توفر لأبناء هؤلاء مقعدا دراسىا ، بل ومازالت تسعي لمساعدة الآخرين على العودة إلى حضن الوطن بسلام، فماذا عن مشكلاتهم الاقتصادية وكيف سيتم التعامل معها؟ وما هى الحلول المطروحة لمواجهتها.
يقول الخبير السياسى د. «محمد عبد السلام» رئيس مجلس مجلة السياسة الدولية: لا شك أن هذا الوضع يعد استثنائىا وبالتالى فالعلاج هنا يكمن فى بذل العديد من المساعى الدبلوماسية الحثيثة من قبل الحكومة المصرية لمحاولة استعادة مدخرات وأموال هؤلاء الضحايا وهذا إذا كان سيسفر من وجهة نظرى عن رد فعل إيجابى فإنه قد تكمن أمامه بعض الصعوبات فى ظل الأوضاع بدول معنية كليبيا على سبيل المثال، ولذا فهناك أيضا إمكانية أن يتم منح هؤلاء الأسر معونة بطالة شهرية توازى الحد الأدنى من الأجور وذلك من خلال صندوق يتم تأسيسه ويطلق عليه صندوق مواجهة طوارىء ومشكلات العائدين من الخارج.
تحديد المشكلة
وإذا كانت هذه بعض الحلول المطروحة لمواجهة هذه الأزمة والمشكلة، فالكاتب الصحفى «حسين عبد الرازق» عضو المجلس الرئيسى لحزب التجمع يشير إلى ضرورة تعاون كافة الأجهزة التنفيذية والأحزاب والقوى السياسية فى تحديد حجم هذه المشكلة فى البداية ومحاولة البحث عن حلول غير تقليدية لها، من خلال تنظيم هيئة قومية تضم الأحزاب والقوى السياسية والقوات المسلحة ، يكون دورها حصر أعداد هؤلاء العائدين ومعرفة طبيعة عمل كل منهم، وكذلك المستوى التعليمى الخاص بكل فرد، بحيث يمكن توزيعهم ولو بشكل مؤقت على بعض الأعمال ولو بعقود عمل مؤقتة وفقا لما وصلوا إليه من مراحل تعليمية، هذا بجانب أن بعضهم ممن يحمل مدخرات ولو بسيطة يمكن أن يتم تسهيل العقبات أمامه لتأسيس أو شراء بعض المشروعات الصغيرة .
حوض النيل
وتشير د. «أمينة سعد الدين» الأستاذ بكلية التجارة جامعة قناة السويس إلى أن أحد الحلول التى قد تناقش لمساعدة هؤلاء العائدين فى إيجاد مورد للرزق وبالأخص فيما يتعلق بالعمالة المهنية، وتوظيفها فى بعض المشروعات الجديدة المطروح اقامتها فى منطقة حوض النيل، فهذه المنطقة الواعدة مع وجود توجه للاستثمار ودعم العلاقات بين دولها للحفاظ على نصيب مصر من حصة مياه النيل ستشهد محاولات لاقامة مشروعات تجارية وزراعية مشتركة، ويمكن أن يتم الاستعانة ببعض العمالة المصرية العائدة من الخارج فى هذا الاطار ولو بشكل مؤقت كجزء من علاج هذه المشكلة.
ساحة النقاش