كيف نتعامل مع الاعتصامات الفئوية؟
كتبت :سمر الدسوقي
لاشك أننا قد تنفسنا جميعا الصعداء بعد أن نجحت الثورة فى القضاء على حكم ديكتاتورى ظالم، فأصبح من حقنا أن نخرج ونعبر ونتنافش فنتظاهر بل ونعتصم، فقد أصبحنا نتنفس نسيم الحرية ولكن ماذا لو اختلط الأمر على البعض فتطور من حرية الاعتصام والتظاهر السلمى ليصل إلى ما قد يهدد سيادة القانون.
هل نقف جميعا نتفرج ونحن نشاهد سككا حديدية تقطع فتعزل مواطنين وتمنعهم من مباشرة أعمالهم وحياتهم، بل وتفصل محافظات مصرية كاملة عن بعضها البعض، فى حين نحلم ببناء اقتصاد مصرى شامخ ودولة مصرية جديدة؟
سؤال طرحناه وحاولنا أن نبحث له عن إجابة من أجل مصر الغد؟
ما هو الاعتصام الذى يمكن وأن نحقق به مطالبنا فى الوقت الراهن ودون أن يؤثر ذلك على ما نحلم به؟ وكيف نتعامل بل ونوجه غيره من الاعتصامات التى قد لا يدرك البعض مدى خطورتها على مستقبل الأسرة المصرية عامة؟
فى البداية تقول المحامية والناشطة السياسية «أشجان البخارى»: لا شك أن هذه الاعتصامات حتى لو كانت تتعلق بمطالب خاصة بفئات معينة وليس مطالب قومية، فهى ظاهرة صحية بل وتدل على أن الشعب بدأ يدرك حقوقه وواجباته بعد الثورة، وهى تعبر عن نوع من الحراك السياسى بل وقناعة بأن الحكومة الانتقالية الحالية تسمع وتحلل وتستجيب، على العكس من الضغوط الكبيرة التى كنا جميعا نعيشها منذ أكثر من ثلاثين عاماً والصمت الذى كنا ملزمين به فى كافة الأحوال، ولكننا لابد وأن نعى حين نمارس هذه الحرية والتى أصبحت مكفولة للجميع تحمل المسئولية، وأعنى بهذا مسئوليتنا نحو البلد ككل ومصلحتها بل وكيف نتج ونعمل وندفع بالاقتصاد للأمام فى الوقت الذى نطالب فيه بحقوقنا أيا كانت.
وتضيف: لذا فعلاج بعض الاعتصامات الفئوية التى قد تنظم دون مراعاة المصلحة العامة لا يبدأ من المواطن العادى البسيط، بل يبدأ من قبل كل وزارة تتبعها بالتالى العديد من القطاعات، فلابد على كمسئول أن أقوم بمراجعة ومحاسبة كافة القطاعات التى تتبع وزارتى بمجرد استلامى لوظيفتى وأعطى كل ذى حق حقه وبشكل سريع، فبهذا لن يتجه البعض إلى الاعتصام بهذه الصورة التى قد تكون غير صحيحة فى بعض الأوقات.
جهاز إدارة الأزمة
ويطرح د. هانى الناظر الرئيس السابق للمركز القومى للبحوث العلمية - علاجا آخر لمواجهة بعض الاعتصامات الفئوية التى قد تخرج عن الصورة السلمية من خلال دعوته لإنشاء ما يعرف بجهاز إدارة الأزمات وكما يقول: إذا أردنا أن نواجه هذه الاعتصامات على المدى القصير وبما يلعب دورا فى الدفع بعجلة الإنتاج والاقتصاد بصورة أسرع، فعلينا وأن ننشئ ما يعرف بجهاز إدارة الأزمة، فهناك الأزمات الطبيعية مثل الزلازل والبراكين، والأزمات غير الطبيعية والتى يتجلى منها ما نعيشه الآن من اعتصامات ومظاهرات للمطالبة بحل مشكلات كالخبز أو الكهرباء أو زيادة المرتبات، وحتى نتعامل مع هذا الوضع لن نبدأ من المواطن العادي، فلدينا بمصر 27 محافظة، إذا أنشأنا فى كل محافظة إدارة لمعالجة الأزمة تضم لجنتين احداهما للبحوث يكون أعضاؤها من الأساتذة المتخصصين فى شتى المجالات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، ويكون دورها دراسة مشكلات كل محافظة ووضع سيناريوهات متوقعة للمشكلات التى قد تتفاقم وتزيد وحلول لمواجهتها عند وصولها لهذا الحد، ثم لجنة لإدارة الأزمات وهذه اللجنة يكون دورها أخذ كافة دراسات اللجنة الأولى والبدء فى وضع برامج فعلية لمنع حدوث هذه الأزمة، بهذه الصورة سيكون لدى كل الوزراء برنامجاً متكاملاً للتعامل مع المشكلات التى قد تؤدى إلى اندلاع اعتصامات فئوية .
تحرك سياسى سريع
وتشير المستشارة والقاضية «تهانى الجبالي» إلى أن هذه الاعتصامات حتى وأن كانت فئوية فهى ظاهرة صحية وتمارس فى كافة أرجاء العالم بل وتعتبر حقا مكفولا للجميع ولا يمنعه سوى الأجهزة والمؤسسات القمعية، وأن كان البعض الآن قد لا يحسن فى بعض الأحيان استخدام هذا الحق نتيجة لما تعرض له من قهر لفترة طويلة وشعوره الآن بالرغبة فى التعبير وممارسة حقوقه، فإن علاج هذا يستدعى سرعة تحرك الأجهزة والكيانات السياسية ومتابعة أوضاع الناس ومطالبهم ودراستها سريعاً، لأن الوقت الطويل قد يدفع بالبعض إلى ممارسة حقهم السياسى بصورة غير سليمة،
توعية إعلامية
وتتناول د.«نجوى كامل» أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة الأمر من وجهة نظر أخري، فتقول: ما يحدث الآن وهو أمر صحى بالمناسبة مرتبط بأننا فى فترة اهتزاز بين نظامين للحكم، حكم ديكتاتورى كان يمنع الناس من التعبير عن مطالبهم وآرائهم، وحكم تلى الثورة شعر فيه كل فرد أن من حقه أن يعبر عن نفسه ويدافع عن حقوقه وحياته، وهناك بعض الاعتصامات تعبر عن هذا الإطار، فى حين أن البعض الآخر قد يصل إلى القيام بما هو ضد سيادة القانون، كما فى اعتصام أهالى محافظة قنا وقطعهم الطرق والسكك الحديدية وفصل محافظات عن بعضها البعض، وهذا النوع من الاعتصامات والذى يشتمل على سلوكيات ضد القانون، فى رأيى لابد وأن يتم التعامل معه قانونياً لأنه لا يشكل هنا حرية رأى بل يعتبر إضراراً بالمصلحة العامة، ولكى نحقق وعى الناس بل وإدراكهم للاعتصام العادى الصحى والاعتصام الذى يضر بأمن ومصلحة الدولة، لابد وأن يلعب الإعلام دوراً قوياً فى توعية المواطنين بالفرق بين الاثنين وبصورة مكثفة .
الاقتصاد والأمن
أما الاقتصادية «منى فايز» مدير عام أحد البنوك، فتؤكد على أن استقرار الوضع الاقتصادى بمصر بل والدفع أكثر بعجلة الإنتاج ومعها بالتالى ستزداد الأجور بل وسيتحسن الوضع الاقتصادى للأسرة المصرية ككل، يرتبط بعودة الأمن والهدوء للشارع المصري، وكما تقول: ماذا لو فكر البعض فى أننا لابد وأن نعيد الأمن لبلدنا حتى يزدهر الاقتصاد وبالتالى يتحسن وضع الجميع، وخلال هذا وعلى فترة زمنية أطول سنستطيع مع الوقت تحقيق كافة مطالبنا، فليس شرطاًَ أن يتغير كل شئ فى الوقت الراهن، فالاستقرار والأمن كفيل بتحقيق هذه المطالب وربما دون أى اعتصامات أو مظاهرات.
وهو نفس ما يؤكد عليه د.أسامة هيكل أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية مشيراً إلى أن حق الاعتصام والتظاهر مكفول لكل مواطن على المستوى الدولي، ولكنه وفى بعض الأحيان حين يخرج عن أطره الشرعية أولا يكون معبراً عن مطالب عامة وقومية تكون له تداعياته السلبية ليس فقط على مطالب المواطن البسيط والفئوية، ولكن أيضاً على الوضع العام والاستقرار بل وطبيعة الحياة بالدولة، ولذا فعلى المواطن أن يدرك هذا، بل وعلى الأجهزة المعنية أن تساعده فى هذا الشأن من خلال إنشاء لحان للاستماع إلى شكاوى ومطالب الموطنين فى كل هيئة أو مؤسسة ومحاولة نقل هذه المطالب بل وعلاجها سريعاً كلما أمكن .
ساحة النقاش