ورحلت «حكمت أبوزيد»

قلب الثورة الرحيم

كتبت :تهاني الصوابي

رحلت فى صمت وبلا ضجيج، الدكتورة حكمت أبوزيد وزيرة الدولة للشئون الاجتماعية السابقة عن عمر يناهز الـ 90 عاما .

رحلت صاحبة التاريخ العريق فى الحياة السياسية المصرية، وأشهر امرأة على الإطلاق فى العالم العربى، تتولى حقيبة وزارية فى مطلع الستينيات من القرن الماضى، عندما أصدر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر قراراً جمهورياً، بتعيينها وزيرة للدولة للشئون الاجتماعية لتصبح أول سيدة فى الوطن العربى تتولى منصب وزير، حيث اثبتت كفاءة منقطعة النظير، دفع بالعشرات من السيدات فيما بعد لتولى المناصب القيادية .

ولدت الدكتورة حكمت ابوزيد عام 1922 بقرية الشيخ دلود التابعة للوحدة المحلية بصنبو مركز القوصية بمحافظة أسيوط بصعيد مصر، ورغم التقاليد الصعيدية الصارمة المعروفة فى ذلك الوقت ، استطاعت أن تتحدى الظروف القاسية والنظرة المتدنية لتعليم الفتاة، وساعدها والدها كثيرا فقد رأى فى ابنته نبوغاً مبكراً ، وكان يعمل ناظرا بالسكك الحديدية، فوفر لها امكانية السفر يوميا من قريتها لـ «بندر ديروط» لتلقى التعليم بالمدارس الابتدائية والاعدادية، وعندما جاءت المرحلة الثانوية، وكان لزاماً عليها السفر بعيدا عن أحضان الأسرة، لم يمانع الأب الذى كان مؤمناً بأن ابنته سوف يكون لها شأن كبير فى هذا الوطن، فوافق على سفرها إلى القاهرة لتكمل مسيرتها التعليمية بمدرسة حلوان الثانوية فى ثلاثينيات القرن الماضي، ولم يكن بحلوان حينذاك مدن جامعية للبنات، فأقامت بجمعية بنات الأشراف التى أسستها الراحلة الزعيمة نبوية موسى ، وخلال دراستها الثانوية ظهرت ملامح الزعامة على د. حكمت ، فتزعمت ثورة الطالبات داخل المدرسة ضد الإنجليز والقصر، مما أثار غضب السلطة ففصلت من المدرسة، وأضطرت لاستكمال تعليمها بمدرسة الأميرة فايزة بالاسكندرية.

لم تتوقف مسيرة الدكتورة حكمت ابوزيد عند التعليم الثانوى شأن غالبية البنات فى ذلك الوقت، وأصرت على استكمال تعليمها الجامعى، فالتحقت بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول التى أصبحت جامعة القاهرة عام 1940. وكان عميد الكلية وقتها الدكتور طه حسين الذى تنبأ لها بمكانة رفعية فى المستقبل، وقد حاول جاهدا اقناعها بالالتحاق بقسم اللغة الفرنسية، لتفوقها فى هذا المجال، وكونها خريجة مدارس أجنبية بالإسكندرية، لكنها رفضت وأصرت على قسم التاريخ لاهتمامها بدراسة ومعرفة المجتمع الانسانى، وقناعتها بأن يكون لها رؤية ورسالة واضحة بالحياة، ولم تكتف د. حكمت وواصلت مسيرة التعليم فحصلت على دبلوم فى التربية عام 1942، وفى عام 1950 حصلت على ماجستير فى التربية من جامعة ساينتا اندروز باسكتلندا، حيث سافرت إلى بلاد «الفرنجة» فى ذلك الوقت، مما يعد حدثا كبيرا فى حياة أى فتاة، وهو ما مكنها من الحصول على الدكتوراه فى الفلسفة من معهد التربية الخاصة من جامعة ادنبرة باسكتلندا عام 1955، وعندما عادت إلى مصر تم تعيينها بكلية البنات جامعة عين شمس، حيث انضمت إلى فريق المقاومة الشعبية فى حرب 1956، وبدأت تتدرب عسكريا مع الطالبات وسافرت مع سيزا نبراوى وانجى افلاطون الى بورسعيد، وشاركن فى الاسعافات الأولية والعمليات العسكرية .

فى أوائل الستينيات من القرن الماضى كان التحول الكبير فى حياة الدكتورة حكمت أبوزيد، بل والمرأة العربية من المحيط إلى الخليج عندما اختيرت عضواً فى اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومى عام 1962، وخلال مناقشاتها حول بعض فقرات الميثاق الوطنى مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عارضته بشدة، واختلفت معه فى الرأى حول مفهوم المراهقة الفكرية ودعم العمل الثورى مما أثار حفيظة الحاضرين، وتوقعوا لها مغادرة العمل السياسى مبكرا، وقبل أن تبدأ ، لكن الرئيس الراحل خالف الظنون جميعا، فقد أثارت اعجابه لجرأتها وقوة شخصيتها بآرائها وقناعتها بأن ما تقوله هو الحق، فأصدر قراراً جمهوريا بتعيينها وزيرة للدولة للشئون الاجتماعية، لتصبح أول سيدة فى العالم العربى تتولى منصب وزير، اثبتت خلاله كفاءة منقطعة النظير لتفتح المجال أمام المرأة العربية لتولى المناصب القيادية .

انطلقت الدكتورة حكمت أبوزيد منذ ذلك الحين واثبتت جدارتها يوما بعد يوم ونجحت فى كل المهام التى كلفها بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فكانت وراء اصدار قانون الضمان الاجتماعى وقانون الجمعيات الأهلية، وأقامت مشروعات الأسر المنتجة، والنهوض بالمرأة الريفية، وقامت بالاشراف على مشروع تهجير أهل النوبة بعد تعرضهم للغرق عدة مرات، وكانت تقول لأهلها مقولة الرئيس الراحل الشهيرة «سيكون لكم وطن وسوف يكون لكم مثل الانصار للمهاجرين» حيث أخذت تترجم تلك العبارة إلى مشروع كامل فى القرى النوبية الجديدة، وتفاعلت مع أهلها انسانياً ووجدانياً مما جعل الزعيم الراحل عبدالناصر يطلق عليها لقب «قلب الثورة الرحيم».

فى السبعينيات ثار خلاف بينها وبين الزعيم الراحل أنور السادات، ووصفت بأبشع الاتهامات وتم منع تجديد جواز السفر الخاص بها، واضطرت للسفر خارج مصر وعاشت ما يقرب من 20 عاما فى ليبيا حتى أصدرت المحكمة العليا قرارها بإلغاء الحراسة على ممتلكاتها، وحقها فى حمل جواز السفر المصري، والتمتع بالجنسية المصرية، فعادت إلى مصر مرة أخري، وبمجرد أن وطأت قدميها أرض المطار، اتجهت مباشرة إلى ضريح الزعيم جمال عبدالناصر ليكون أول مكان تراه عيناها من أرض الوطن .

حقا إن أصحاب المبادىء والقيم الثابتون على مواقفهم ولا يحيدون عن الحق يبقون فى ذاكرة التاريخ، وقد كانت الدكتورة حكمت أبوزيد رحمها الله، أحد هؤلاء فاستحقت وبجدارة لقب «قلب الثورة الرحيم»  

 

المصدر: مجلة حواء -تهاني الصوابي
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 795 مشاهدة
نشرت فى 10 أغسطس 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,916,401

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز