أحـــــــزان الميــــــــلاد
كتبت:نبيلة حافظ
إلي كل نفس مهمومة ومتعبة تبحث عن ملجأ آمن لتلقي فيه بأدق أسرارها .. إلي من يبحث عن مكان للراحة والهدوء النفسي، يتوقف فيه ليتأمل ذاته ويراجع خطواته ويواجه أخطاءه .. نقدم استراحة نفسية لننفض عن النفس همومها ومتاعبها .. فإذا كانت لديك مشكلة نفسية تحيرك .. أرسليها لنا .. نحن في إنتظارك
مما لاشك فيه ان الثقافة النفسية المتعلقة بالحمل والولادة ضرورة لكل انسان متحضر رجل او امرأة وليست قاصرة على المرأة فقط.. هذه الثقافة تنسحب آثارها على جميع أفراد الأسرة وتصبح حجراً أساسياً قوىاً ومتيناً لسعادة المجتمع كله.. نعم فسعادة الأسرة واستقرارها تعنى سعادة المجتمع بأسره .
ومن الغريب حقا أن تصاحب أحداث الميلاد أحزان ومتاعب نفسية قد تتفاقم ويتعاظم آثارها .. فيالها من غرائب تلك الأحزان المرتبطة ببزوغ نبتة جديدة تحمل الأمل وتعنى الاستمرار وتؤكد الحياة .. وياله من تناقض فمن المفترض أن يمتلىء القلب فرحا وترقص النفس حماسا وتبتهج الروح أملا فمن أين أتت هذه الأحزان؟! أحزان الولادة!
العلم عجز حتى هذه اللحظة عن أن يقدم تفسيرا للاضطرابات النفسية والعقلية التى تحدث أثناء الحمل أو تعقب الولادة والسؤال الآن لماذا تتألم النفس ولماذا يضطرب العقل بعد أحداث سعيدة فى حياة المرأة ؟ بعد أحداث طبيعية قدرها الله لتعمر الأرض .
العلم يقول أن الحمل والولادة لايمثلان خللا مرضيا وإنما هما تغيرات فسيولوجية يتخلف اثناءها انسان يخرج إلى الوجود .. فلماذا الألم والمعاناه ..؟!
المعاناه ليست بالضرورة أن تكون نتيجة للمرض.. المعاناه ضرورة واحتياج .. ومعاناة الحمل والولادة ليست بيولوجية محضة.. فهناك عوامل نفسية واجتماعية.. إذن نحن امام معاناه ذات أبعاد ثلاثة .. بيولوجية - نفسية - اجتماعية .
والابعاد النفسية يقول عنها اطباء النفس انها ترتبط بعلاقة السيدة الحامل بزوجها وأمها.. فالحمل جاء من زوج تحبه أو تكرهه والميلاد يجعلها أما.. ويوما مضى كانت هى ابنة لأم .. إنها علاقة ممتدة .. أم - ابنه - أم - ابنه . والأبنة تتوحد مع الأم.. ثم تأتى الأبنة لتصبح أما فتتوحد مع ابنتها وتنعكس ظلال علاقتها بأمها على علاقتها بابنتها .. فإذا كانت علاقتها بأمها مضطربة يشملها العداء الخفى أو الظاهر فإن علاقتها بطفلها الرضيع ستكون مضطربة أيضا .
إن علم النفس يؤكد أن الأم التى حرمت فى طفولتها من الحنان والرعاية ستكون فى صراع فى علاقتها بطفلها الرضيع الذى يتطلب منها الحماية والرعاية والحنان.. وبعض الدراسات العلمية أظهرت ارتفاع نسبة حدوث الاضطرابات العقلية والنفسية أثناء الحمل وبعد الولادة لدى هؤلاء الأمهات اللاتى عانين فى طفولتهن من سوء العلاقة مع الأم. وكذلك إذا فقدت أمها فى طفولتها عن طريق الموت فإنها ستعانى أثناء حملها أو بعد ولادتها .
والزوج هو أبو الطفل الوليد.. وهو المسئول والمتسبب فى الحمل وشريك الأم فيه وتلعب علاقته بالأم دوراً مهماً فى تشكيل حالتها النفسية أثناء الحمل وبعد الولادة فالطفل الذى يرقد بين احشائها هو زوجها أو بعض زوجها والطفل الذى ولدته هو امتداد زوجها ومشاعرها تجاه زوجها هى بعض مشاعرها تجاه نفسها وتجاه طفلها .
إذن هناك رباعى نفسى يكون مؤثرا على الأم أثناء الحمل وبعد الولادة وهو .. الأم.. الزوج.. الابنة .. الطفل.. وأمام هذه الأطراف المؤثرة تحدث اضطرابات الحمل والممثلة فى حدوث تغيرات طفيفة فى الشخصية كأن تصبح المرأة عصبية قلقة.. مندفعة ويضطرب نومها ويقل تركيزها أو قد يحدث العكس وتصبح هادئة اكثر من المعتاد ميالة إلى العزلة متبلدة تجاه المشاكل اليومية واكثر ميلاً إلي الحزن .. وقد تصاب بالاكتئاب المرضى بكل أعراضه من يأس وحزن وتأنيب ضمير ورغبة فى التخلص من الحياة.. وقد تصر على الخلاص من جنينها فترى أن الحياة متعبة ومضنية ولا تريد أن تأتى بطفل يواصل رحلة العذاب.. أو قد تنتابها حالة قلق نفسى حاد بكل مافيها من مخاوف وعدم استقرار وأرق واضطرابات هضم وسرعة ضربات القلب .. كل هذه الأعراض النفسية تصاحبها أثناء الحمل.. ولكن بعد الولادة تكون هناك أعراض أخرى هى موضوع حديثنا فى الأسبوع القادم إن شاء الله..!!
ساحة النقاش