من ميدان التحرير .. إلى جدران المنازل !!
البلطجة تتحرش بالنساء
كتبت: سمر الدسوقي
هناك، ومن قلب ميدان التحرير حيث ثورة 25 يناير ، لا يزال الكثيرون لايؤمنون بأن المرأة كائن قد نزل للميدان للتعبير عن رأيه والمطالبة بحقوقه كأي كائن آخر ، فهى لا تزال بالنسبة لهم مجرد وجه وجسد ، تسعي أيديهم للوصول إليه ، حتي وإن توجهت للميدان في مجموعات كما كانت مسيرة النساء للمطالبة بحقوقهن في يوم المرأة العالمي مارس الماضي ، أو كان تواجدها للقيام بواجبها وأداء عملها ، كما تعرضت لهذا إحدى مراسلات محطة تليفزيونية أجنبية ، كانت تقوم بنقل أحداث ووقائع الثورة في ميدان التحرير أولاً بأول ... ومما يؤسف له أن الواقع لايزال يشير إلي إن نسبة التحرش التى تتعرض لها النساء يومياً 64.1%، ومن يتعرضن له أكثر من مرة 33.9%، وأسبوعيا 10.9%، ورغم تشديد العقوبة علي التحرش الجنسي إلا أن النساء لازلن عرضة له من ميدان التحرير وحتي مقار أعمالهن .. وداخل جدران المنازل، والحل لهذا هو ما نحاول البحث عنه في جولتنا التالية ..
غيوم فى سماء مصر
البداية تأتى مما نشرته صحيفة واشنطن بوست مؤخراً ، عن أن مصر للأسف تحتل المركز الأول فى مجال التحرش الجنسى بالنساء ، والذى يبدأ من التحرش الشفهى بإطلاق النكات والتعليقات المشينة ، وأحياناً طلب اللقاء ، وصولا إلى استخدام الأيدى فى اللمس ، وهو مايتم فى وسائل المواصلات والشوارع والأسواق وداخل المنتزهات وفى مقار العمل وحتى داخل المنزل ، كما أكدت على هذا دراسة أعدها المركز المصرى لحقوق المرأة تحت عنوان «غيوم فى سماء مصر» يشير إلى تعرض 83% من نساء مصر للتحرش باعترافهن ، بينما يقر 62% من الرجال بارتكابهم ممارسات التحرش الجنسي ضد النساء، حيث يلقون باللوم على المرأة في ذلك، والغريب فى هذا أن 72% ممن يتعرضن لهذا هن من المحجبات ، وهو مايعنى أن مظهر المرأة العام لم يكن المحرض على هذا السلوك!!
أما إذا انتقلنا لأرض الواقع فسنجد أن التحرش توصل إلى المسيرات والمظاهرات التى تطالب من خلالها النساء بحقوقهن من قلب ميدان التحرير كأى رجل أو شاب أو طفل ، وإن كن بالتأكيد يعاملن بصورة أخرى، فالبعض مازال ينظر إليهن باعتبارهن نساء ، وهو مايمكن لمسه مما تعرضت له (إن لارا لوچان) مراسلة إحدى القنوات الإخبارية العالمية والتى تعرضت وفقاً لما تمت إذاعته لهجوم جنسى مبالغ فيه بل وضرب على أيدى عصابة من الرجال وفى قلب ميدان التحرير ، مما اضطرها فيما بعد للرحيل المفاجئ والعودة لبلدها !!
تحرش مع خطيبها !
فـ «س . ن» تروى أنها قد نزلت لميدان التحرير للمشاركة فى إحدى جمع الغضب وكانت بصحبة خطيبها ، وخلال الازدحام الشديد أحاط بها مجموعة من الرجال ، بل تعمد بعضهم لمسها والاقتراب منها ، وحين أخبرت خطيبها قام بحملها والتوجه بها خارج الميدان طالباً منها عدم إشاعة الفوضى أو لفت الأنظار لأن الهدف الذى توجهوا من أجله للميدان كان هدفاً وطنياً ومن أجل مصر ، وبالتالى فقد كان يخشى تعمد البعض القيام بمثل هذه السلوكيات فقط لإفساد المسيرة وضياع أهدافها !
المرأة للبيت وليس للميدان!
فى حين تشير «راوية . م» إلى أنها تتعرض للتحرش فى العديد من الأماكن بدءا من عملها وحتى ميدان التحرير، وكما تقول : «أعمل كبائعة ولولا أنى أحتاج لعملى وللعائد المادى منه ، لكنت امتنعت عن الذهاب للعمل ، فصاحب المحل الذى أعمل به لايكف عن ملاحقتى بالتعليقات المشينة والتلميحات ، والتى تصل أحيانا إلى حد اللمس ، أو طلب الخروج معى ، وقد كان هذا القهر وهذه الظروف أحد أهم الأسباب التى دفعتنى للنزول للتحرير ، فقد شعرت أن تغيير النظام وتعديل الأوضاع قد يساعد فى إيجاد فرصة عمل كريمة تتناسب ومؤهلى الدراسى كحاصلة على بكالوريوس تجارة ، ولكن للأسف هناك بعض البلطجية والخارجين على القانون كانوا ينتهزون فرصة الازدحام بالميدان ويتحرشون بنا، والأسوأ من هذا أننا عندما كنا نخبر بعض المحيطين بنا من الرجال حتى يقوموا بحمايتنا ، كانوا يطالبوننا بالعودة للمنزل لأن مكان المرأة فى البيت ، فى حين أن المطالبة بالحقوق والدفاع عن مصر أمر مطلوب فقط من الرجال !!»
أوضاع اقتصادية
وأسأل د. زينب شاهين عن أسباب استمرار مثل هذه النوعية من الجرائم بالمجتمع المصرى رغم تشديد عقوبتها ، فتقول :
الأسباب الحقيقية لتواجد مثل هذه الجرائم فى المجتمع المصرى إنه لم يتم علاجها حتى الآن ، لذا لانتوقع حتى مع تشديد وتغليظ العقوبة على مرتكبيها أن تختفى ، ولكن الأمل كبير فى ثورة الـ 25 من يناير وتحقيقها لأهدافها ، فقد قامت هذه الثورة للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والقضاء على ظاهرة البطالة بين الشباب ، ومساعدتهم على توفير نفقات الزواج والارتباط وبالتالى فإذا تحققت هذه الأهداف ستختفى مثل هذه الجرائم .
مسئولية الفتاة
وهو نفس ماتؤكد عليه الناشطة الحقوقية «نهاد أبوالقمصان» رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة قائلة :
لاشك أن رفع العقوبة على مثل هذه الجرائم بل وضم فكرة الترويع والإرهاب ومعاقبة فكرة التعرض بالسلاح لأنثى أمور جيدة خدمها القانون مؤخراً ، بل وكنا نطالب بها منذ مايزيد عن خمس سنوات ، وبعد ثورة يناير تم إعادة هيكلة هذا القانون بصورة مرضية بشكل كبير للمرأة ، ولكن المشكلة فى استمرار هذه الحالات حتى الآن، والتى ترجع إلى عدم الإبلاغ من قبل الفتيات عما يتعرضن له من تحرش سواء فى العمل أو الطريق العام أو حتى كمتظاهرات فى ميدان التحرير ، ففى دراسة أعدها المركز حول التحرش الجنسى جاءت النتائج لتشير إلى أن نسبة الإبلاغ عن هذه الحالات لاتتعدى الـ 2% ، لذا فكيف سيتم تفعيل هذا القانون بالصورة التى تجعل الكثيرين يفكرون أكثر من مرة قبل أن يقدموا على هذه الحالات، فمسئولية كبيرة تقع على الفتاة فى هذا الإطار !!
دور إعلامي مزدوج
أما عن دور الإعلام فى الحد من هذه الجرائم ، فهو كما تشير د. إيمان عبدالقادر محمد الأستاذة بكلية التربية النوعية بدمياط ، دور مزدوج وتقول:
للأسف الإعلام من ناحية يساعد بشكل أو بآخر فى إقدام الشباب على ارتكاب بعض من هذه الجرائم اللا أخلاقية بما تبثه بعض وسائل الإعلام من مواد خارجة أو إباحية ، تعلم الشباب بل وتدفعه بشكل أو بآخر لمثل هذا النوع من الممارسات ، خاصة حين يتعرض لها دون رقابة أسرية أو متابعة ، وتعد وسائل الإعلام الإلكترونية كالكمبيوتر والإنترنت وغيرهما من أكثر هذه الوسائل تأثيراً فى هذا الإطار ، ومن جانب آخر نجد أنها لاتقوم بالشكل الكافى بدورها فى توعية وتعريف الفتيات والنساء بحقوقهن فى هذا المجال.
تحسين الصورة
وتتطرق د. «عزة كريم» أستاذ علم الاجتماع إلى جانب آخر يتعلق بصورة المرأة كأنثى فى المجتمع قائلة :
مهما قمنا بتشديد العقوبات الجنائية فى مثل هذه الجرائم - فإن بعض فئات المجتمع مازالت تنظر للمرأة كمجرد أنثى، ليس لها دور فى البناء ، أو فى العمل أو حتى فى التعبير عن رأيها بالمشاركة فى التجمعات والمسيرات والمظاهرات - لن يحدث أى تغيير ، فلابد من تكاتف كافة الجهات المجتمعية والإعلامية معا من أجل تحسين الصورة الذهنية عن المرأة ، وتقديمها ككائن له دور وكيان بل وتأثير، على أن يبدأ هذا منذ مراحل الطفولة الأولى ومن خلال الكتب الدراسية .
الردع الصارم
وأخيراً تؤكد - المحامية - أمل القاضى الناشطة الحقوقية والسياسية فى مجال حقوق المرأة، على أن تفعيل هذا القانون والخاص بتشديد العقوبة فى مجال التحرش الجنسى بالنساء ، يستدعى أن يتم هذا ولو لمرة واحدة بشكل علنى من خلال وسائل الإعلام ، فرغم أن البعض يرى فى هذا إيذاء للمشاعر العامة ، إلا أن مرة واحدة أو مرتين ستشكل نوعاً من الردع لكل من تسول له نفسه الإقدام على مثل هذه السلوكيات
ساحة النقاش